نظرات أهل السنّة فی معنى «القربى»

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
آیـات الولایـة فی القرآن
تفسیر المودّة فی کلمات الإمام الصادق (علیه السلام)تفسیر «القربى» فی نظر الشیعة

 وقد ذکر أهل السنّة تفاسیر مختلفة لهذه المفردة القرآنیة لا تنسجم کلّها مع الآیة الشریفة، وإلیک بعض النماذج منها :

 1 ـ قیل إن المراد من «القربى» هو محبة أهل بیت النبی (صلى الله علیه وآله) ومودتهم ولکن من دون الولایة والإمامة والخلافة، أی الإکتفاء بالإرتباط العاطفی والعلاقة الظاهریة فقط بأهل بیت النبی(صلى الله علیه وآله).

 ولکن هل یمثل هذا المعنى والمفهوم من المودّة عدلاً للرسالة ؟

 هل أن المحبة العاطفیة فقط وبدون الولایة والإمامة یمکنها أن تکون أجراً للرسالة وبمثابة العدل لها ؟

 مضافاً إلى ذلک کیف یطلب نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) أجر الرسالة بالمعنى الذی ذکروه لها، فی حین أن جمیع الأنبیاء السابقین لم یطلبوا من أقوامهم مثل هذا الأجر بل کانوا یطلبون أجرهم من الله تعالى ؟ وعلیه فإنّ مثل هذا التفسیر لا یمکن قبوله.

 2 ـ وذهب آخرون إلى أن المراد من «القربى» هو الأعمال الصالحة التی تقرب الإنسان من الله تعالى، وعلیه فإنّ «المودّة فی القربى» تعنی العشق والشغف بالأعمال الحسنة والرغبة فی الصلاة، الصوم، الحجّ، الجهاد، صلة الرحم، احترام الکبار وأمثال ذلک، فهذه الأعمال الصالحة والسلوکیات الحسنة هی التی تمثل أجر الرسالة.

 3 ـ وذهب البعض إلى أن کلمة «فی» الواردة فی هذه العبارة بمعنى «اللام»، وفی هذه الصورة یکون معنى الآیة هو «أن أجر رسالتی وما عملته فی تبلیغ الرسالة الإلهیة لکم هو أن تحبوننی لأننی من أرحامکم وأقرباءکم» ثمّ ذکروا شجرة النسب للنبی (صلى الله علیه وآله) وتفاصیل ارتباطه النسبی مع قریش لبیان مقصودهم بحیث تبیّن أن جمیع القبائل العربیة یرتبطون بشکل أو بآخر مع النبیّ الأکرم (صلى الله علیه وآله)فی النسب.

 ولکن هذا التفسیر واضح البطلان لأنه :

 أوّلاً : إن استعمال «فی» بمعنى «اللام» قلیل جداً ونادر فی لغة العرب ولیس هناک دلیل وشاهد على أن المراد من العبارة المذکورة هو هذا المعنى.

 ثانیاً :إنّ محبة النبی( صلی الله علیه و آله ) لوحدها لا تمثل عدل النبّوة و الرسالة و یجب أن یکون أجر الرسالة متناسبة مع الرسالة نفسها.

 فهل أن قوله «علیکم أن تحبوننی ولا تؤذوننی لأننی من أقربائکم» یمثل عدل الرسالة ؟

 ألا یکون مثل هذا التفسیر باعثاً على هبوط المعنى السامی للآیة الشریفة ؟

 4 ـ والتفسیر الآخر الذی هو أوهن من التفسیر السابق هو أن یقال : إنّ المراد من الآیة الشریفة هو «المودّة فی قرباکم وأن أجر رسالة النبی هو أن تحبّوا أقرباءکم وأرحامکم».

 الإنسان یجد فی نفسه رغبة شدیدة فی عدم تصدیق وجود مثل هذا التفسیر لدى هؤلاء العلماء، ولکنّ مع الأسف نجد البعض یصرّحون بذلک.

 إنّ بطلان هذا الرأی هو أوضح من أن یحتاج إلى کلام، فهل أنّ مودّة الأقرباء للإنسان المسلم تمثل عدل للرسالة ؟ وهل أن مودّة الأقرباء تعتبر استمراراً للنبوّة ؟

 أجل، عندما نتعامل مع الآیات الشریفة بسذاجة وسطحیة ونحکّم المسبوقات الفکریة علیها فسوف نبتلی بمثل هذه الأخطاء والتفاسیر التعسفیة.

 فهل أن هذا التفسیر والتفسیر السابق یتناسب وینسجم مع الآیة الشریفة، أو أن کلّ إنسان له اطلاع قلیل على لغة العرب وبلاغتهم سوف یلتفت إلى عدم انسجام مثل هذه التفاسیر مع الآیة الشریفة ؟ ولهذا السبب فإنّ هؤلاء العلماء أنفسهم اعترفوا أن هذه التفاسیر مجازیة وغیر حقیقیة، أو أنها من قبیل الإستثناء المنقطع وهو أیضاً بدوره نوع من المجاز.

 لماذا نفسّر الآیة القرآنیة بشکل یوقعنا فی هوة المعانی المجازیة وغیر الحقیقیة ؟

 لماذا لا نفسر المودّة فی القربى بمعنى الولایة والإمامة والذی ینسجم تماماً مع الآیة محل البحث وسائر الآیات المتعلّقة بها ؟

اعتراف مفروض

 ومن عجائب الأیّام أن الکثیر من مفسّری أهل السنّة رووا حدیثاً مفصّلاً عن النبیّ الأکرم (صلى الله علیه وآله) فی ذیل هذه الآیة الشریفة حول محبّة أهل البیت ومودتهم، بحیث إنّ الإنسان عندما یقرأ هذا الحدیث الطویل والجذّاب ویتفکر قلیلاً فی مضامینه السامیة ومعانیه الراقیة یمتلکه العجب والحیرة من تلکم التفاسیر الجوفاء والبعیدة عن روح الآیة الشریفة وأجواءها.

 وهنا ننقل ما أورده الفخر الرازی فی تفسیره من الحدیث النبوی حیث یقول :

 «نَقَلَ صاحِبُ الکَشّافِ(1) عَنِ النَّبِیِّ الأکرم (صلى الله علیه وآله) قوله (ثمّ یورد اثنی عشر فقرة جذّابة وعمیقة المضامین فی هذا الحدیث الشریف).

 1 ـ مَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمَّد ماتَ شَهیداً.

 فهل أن مثل هذه المحبّة هی محبّة عادیة وطبیعیة وفارغة من الولایة والإمامة ؟

 إذا کانت کذلک فهل یعقل أن یکون هذا المحبّ فی صفوف الشهداء ؟

 أو أن المراد من هذه المحبّة هی الحالة التی تدفع الإنسان فی مدارج الکمال والمعنویات إلى أن یصل إلى مرتبة الشهداء، وهی المحبّة المشروطة بالولایة والإمامة ؟

 2 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمَّد ماتَ مَغْفُوراً لَهُ.

 ما هی هذه المحبّة التی تعمل على تطهیر الإنسان من الذنوب والآثام بحیث أنه عندما یحین أجله فإنه سیموت طاهراً من کلِّ ذنب وستغفر له جمیع الذنوب والمعاصی ؟ هل أن مثل هذه المحبّة والمودّة هی محبّة اعتیادیة ؟

 3 ـ أَلا ومَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمّد ماتَ تائِباً.

 أی أن هذه المحبّة تقع بدیلاً للتوبة، فلو أن الإنسان لم یوفق للتوبة من الذنوب فی هذه الدنیا وکان محبّاً لأهل البیت فإنه یموت کما یموت التائب من الذنوب، فما هی حقیقة هذه المحبّة ؟

 4 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمَّد ماتَ مُؤْمِناً مُسْتَکْمِلَ الاْیمانِ

 فهل یعقل أن یرتبط الإنسان بأهل البیت (علیهم السلام) برابطة اعتیادیة وطبیعیة ثمّ یفضی ذلک إلى کمال الإیمان ؟

 من المسلّم وجود مضمون عمیق فی هذه الکلمات بحیث یؤدی بالإنسان إلى الترقّی والسیر فی خطّ الإیمان والتقوى لیصل بالتالی إلى أعلى مرتبة منه.

 5 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمّد بَشَّرَهُ مَلَکُ الْمَوْتِ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ مُنْکِرٌ وَنَکیرٌ

 ونتساءل : ما هذه المحبّة والمودّة التی تسبب فی أن ینال الإنسان البشارة بالجنّة عند موته ؟

 6 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمّد یُزِفُّ إلَى الْجَنَّةِ کَما تُزِفُّ الْعَرُوسُ إلى بَیْتِ زَوْجِها

 أی سوف یقاد إلى الجنّة باحترام فائق وتقدیر کبیر، أجل فإنّ إکسیر محبّة آل محمّد (علیهم السلام)له مثل هذه الآثار والمعطیات العجیبة.

 7 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمَّد فُتِحَ لَهُ فِی قَبْرِهِ بابانِ إلَى الْجَنَّةِ

 سؤال : لماذا یفتح له بابان إلى الجنّة ؟

 الجواب : لعلّ إحداهما ببرکة النبوّة والاُخرى ببرکة الولایة والإمامة.

 8 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمّد جَعَلَ اللهُ قَبْرَهُ مَزارَ مَلائِکَةِ الرَّحْمَةِ

 هل یعقل أن تکون المحبّة العادیة سبباً فی تحویل قبر المؤمن إلى مزار للملائکة ؟

 9 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى حُبِّ آلِ مُحَمّد مات عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَماعَةِ

 فی هذه العبارات المذکورة أعلاه، نرى بوضوح آثار المحبّة والمودّة لأهل البیت، ثمّ إن الحدیث الشریف یذکر ثلاث عبارات اُخرى تتحدّث عن العاقبة السیئة لبغض وعداوة أهل البیت (علیهم السلام).

 10 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى بُغْضِ آلِ مُحَمَّد جاءَ یَوْمَ الْقِیامَةِ مَکْتُوبٌ بَیْنَ عَیْنَیْهِ آیِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ

 إنّ من یعیش البغض لآل محمّد (صلى الله علیه وآله) من شأنه أن یهوی إلى أسفل درجات الشقاء بحیث یکون آیس من رحمة الله.

 11 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى بُغْضِ آلِ مُحَمَّد ماتَ کافِراً

 هذا الأثر السیىء لبغض آل محمّد هو أسوأ مما قبله.

 12 ـ أَلا وَمَنْ ماتَ عَلى بُغْضِ آلِ مُحَمَّد لَمْ یَشُمَّ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ

 والجدیر بالذکر أن رائحة الجنّة کما ورد فی بعض الروایات تصل إلى مسافة ألف عام(2).

 وطبقاً لهذه الروایة الشریفة فإنّ معنى العبارة أعلاه أن الشخص الذی یعیش حالة البغض لآل محمّد لیس فقط أنه یکون محروماً من دخول الجنّة، بل سوف یبتعد عنها بمسافة 500 عام بحیث لا یتمکن من شم رائحتها، والخلاصة أن مثل هذا الشخص بعید عن الجنّة جداً.

 کیف یستطیع الإنسان أن یصدّق بأن عالماً کبیراً مثل الفخر الرازی یروی هذه الروایة الجمیلة والعمیقة المضمون والمحتوى وبکلّ هذه المعطیات المهمة والآثار الجلیلة ثمّ یفسّر المحبّة والمودّة ومن دون التدبّر فی هذه المضامین بالمحبّة الظاهریة والعاطفة الطبیعیة ؟ والأعجب من ذلک أنه بعد أن نقل الروایة المذکورة آنفاً شرع بتوضیح المراد من آل محمّد (علیهم السلام) الذین هم محور هذه الروایة فقال :

 «هذا هو الذی رواه صاحب الکشاف وأنا أقول : آل محمّد صلّى الله علیه وسلم هم الذین یؤول أمرهم إلیه، فکلّ من کان أمرهم إلیه أشدّ وأکمل کانوا هم الآل، ولا شک أن فاطمة وعلیاً والحسن والحسین کان التعلق بینهم وبین رسول الله صلّى الله علیه وسلم أشدّ التعلقات وهذا کالمعلوم بالنقل المتواتر»(3).

 من الملفت للنظر هو أن هذه العبارات ذکرها عالم سنّی متعصب، والمفهوم من هذه الکلمات هو أقرب ما یکون إلى ما یقوله الشیعة بحیث إننی عندما کنت أقرأ هذه الکلمات شککت فی لحظة أن هذا الکتاب الذی أقرأه هل هو من تفاسیر السنّة أو الشیعة ؟ فلعلنی أقرأ تفسیراً لأحد علماء الشیعة، ولکن عندما نظرت إلى الغلاف انتبهت إلى أننی أقرأ تفسیر الفخر الرازی.

 سؤال : نظراً لما ورد فی متن آیة المودّة وکذلک ما ورد فی الآیات الاُخرى المرتبطة بها وبالتأمل والدقّة فی الروایة الشریفة المذکورة آنفاً، هل یعقل أن تکون المحبّة والمودّة التی هی محور البحث فی الآیة الکریمة والروایة الشریفة یراد منها المحبّة العادیة بدون الولایة والإمامة ؟

 ألا یمکن أن نقطع ونتیقن بأن المراد من المودّة هنا هو الولایة والإمامة التی هی استمرار للرسالة وعدل النبوّة ؟

 لولم یکن کذلک فما هو التفسیر المناسب الذی یمکن بواسطته تفسیر الآیات والروایات المذکورة فی محل البحث ؟

 علینا أن نشکر الله تعالى على ما وفقنا لمحبّة وولایة أهل البیت (علیهم السلام) وکذلک نشکر والدینا اللذین غرسا فی قلوبنا ولایة آل محمّد (علیهم السلام).


1 . جاءت هذه الروایة فی تفسیر الکشّاف : ج 4، ص 220 و 221.
2 . میزان الحکمة : الباب 553، ح 2585. یقول الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) فی هذا لروایة :
«أخبرنی جبرئیل أن ریح الجنّة توجد من مسیرة ألف عام، ما یجدها عاق، ولا قاطع رحم، ولا شیخ زان...».
3 . تفسیر الفخر الرازی : ج 27، ص 165 و 166. وأصل الروایة فی تفسیر القرطبی : ج 8، ص 5843 وکذلک نقلت فی تفسیر الثعلبی، ذیل الآیة محل البحث.

 

تفسیر المودّة فی کلمات الإمام الصادق (علیه السلام)تفسیر «القربى» فی نظر الشیعة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma