تهدید علی(علیه السلام)

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
الرجال الأشداءالقسم الثالث

لقد تقدم الإمام(علیه السلام) بتحذیر تلک العناصر من مغبة مواصلة الغوایة وضرورة الوقوف على جسامة الأخطاء وهجر سبیل الشیطان والوفاء ببیعتهم للإمام(علیه السلام)والکف عن إثارة الفتن وتأجیج نار الحرب. وهنا ـ فی القسم الأخیر من الخطبة ـ یحذرهم من أنّ عدم الارعواء ومنح الآذان الصاغیة للنصح سوف یضطره للتکلم معهم بلغة السیف، السیف الذی کفى به شافیاً فی الرد على عبدة الأهواء والشهوات من أصحاب المنطق الغاشم.

فقد قال(علیه السلام): «فان أبوا أعطیتهم حد السیف» العلاج الأفضل للباطل «وکفى به شافیاً من الباطل وناصراً للحق». فما یقال أن رسول الله(صلى الله علیه وآله) حمل القرآن الکریم بید والسیف بأخرى إنّما یکشف عن حقیقة واقعیة مسلمة فی الحکومات الإلهیة. فالجهود التی بذلها الأنبیاء من أجل إصلاح المجتمعات واجتثاث جذور الفساد والانحراف إنّما تکرست بالأسالیب المنطقیة والعقلیة واسداء النصائح والمواعظ بغیة إلفات إنتباه الخاطئین إلى أخطائهم، ولکن من المسلم به أنّ هناک طائفة قد جعلت عقلها وضمیرها آلة طیعة بید أهوائها وشهواتها، فهى لا تعرف سوى لغة السیف والقوة; الأمر الذی یضطر زعماء الاُمّة الربانیین إلى شهر السیف بوجه هذه الطائفة الطائشة والاطاحة برؤوسها العفنة، وهذا هو آخر الدواء حیال تلک الأمراض المستعصیة إذا ما عجزت غیره من الأدویة عن شفاء تلک الأمراض «إن آخر الدواء الکلی»(1) والواقع هو أنّ قوله(علیه السلام): «شافیاً من الباطل» وقوله: «ناصراً للحق» من قبیل اللازم والملزوم; وذلک لأنّ علاج الباطل یؤدی إلى نصرة الحق ونصرة الحق تؤدی إلى اضمحلال الباطل. ثم یعرب الإمام(علیه السلام) عن فائق دهشته إلى أنّ هؤلاء قد أعلنوا علیه الحرب ودعوه إلى الطعان والصمود أمام سیوفهم وهو الذی تشهد له ساحات الوغى ومیادین القتال فی المواقع التی تنکص فیها الأبطال «ومن العجب بعثهم إلیّ أن أبرز للطعان(2) وأن أصبر للجلاد»(3).

فالعبارة تکشف بجلاء أنّ ناکثی البیعة هم الذین بادروا إلى نشوب المعرکة، حیث هدوا الإمام(علیه السلام) بکل وقاحة بإعداد نفسه لمواجهة سیوفهم وحرابهم، وهذا ما نوّه إلیه ابن أبی الحدید عن المؤرخ المعروف أبو مخنف قوله: رجع رسل علی(علیه السلام)من عند طلحة والزبیر وعائشة یؤذنونه بالحرب.(4)

على کل حال فانّ هذا التهدید یکشف عن مدى تعامی مؤججی فتنة الجمل عن رؤیة الحقائق والوقائع، وقد أعمى حبّ المناصب والمقامات بصیرتهم وبصائرهم حتى لم یعودوا یروا الحقیقة المطلقة التی تهتف باندیتهم لیل نهار، ألا وهى شجاعة وبسالة علی(علیه السلام) التی رأوها مراراً وکراراً فی الغزوات الإسلامیة على عهد النبی(صلى الله علیه وآله). ثم عاود الإمام(علیه السلام) مواصلة حدیثه فی الاستغراب من ذلک التهدید الفارغ لیقدم الدلیل القاطع على رفضه لما أوردوه فقال(علیه السلام): «هبلتهم الهبول! لقد کنت وما أُهدد بالحرب ولا أُرهب بالضرب! وإنی لعلى یقین من ربّی وغبر شبهة من دینی»، قوله(علیه السلام) «هبلتهم الهبول»(5) ـ بالاستناد إلى مفهوم الهبل بمعنى الثکل بالولد ـ یرید به أنّکم لا تستحقون الحیاة والبقاء ولیس لکم سوى الموت، ثکلتکم أمهاتکم على هذه الأخطاء الشنیعة والانحراف الفکری الذی أوصلکم إلى هذه الحالة. وقد ورد شبیه هذه العبارة الذی یعطی ذات المعنى وهو قولهم «ثکلتهم الثواکل» والتی استعملها الإمام(علیه السلام)لهذا الغرض فی سائر خطبه من نهج البلاغة.

على العموم فانّ الإمام(علیه السلام) قد أشار فی هذه العبارات إلى سابقته العریقة وتأریخه المشرق لیشیر کنایة، إنّما یعرفنی حتى مشرکی العرب ولم یجرأ أحد على تهدیدی بالحرب والمبارزة طیلة حیاتی، وقد عشتم معی وزعمتم أنّکم من المسلمین. المسألة الاُخرى التی أشار الیها الإمام(علیه السلام) هى أنّ من یخشى الحرب یخشى القتل والشهادة، ومن یخشى القتل والشهادة فلیس له من إیمان ویقین بالله سبحانه وأن طریقه ملیء بالشکوک والشبهات; لأنّ من آمن وأیقن بسلامة طریقه ووثق بما عند الله فانّه یعلم أنّ قتال أعداء الحق وخصوم الدعوة لا یکتنفه أی فشل أو هزیمة ولن ینطوی سوى على احدى نتیجتین إمّا النصر وإمّا الشهادة; الأمر الذی صرحت به الآیة الشریفة 52 من سورة التوبة: (قُلْ هَلْ تَرَبَّـصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدى الحُسْنَـیَیْنِ)وأمّا قوله(علیه السلام): «فانی لعلى یقین من ربی، وغیر شبهة من دینی» فقد اعتبره بعض شرّاح نهج البلاغة أنه یعطی مفهوماً واحداً ویؤکد بعضه البعض، إلاّ أنّ الصحیح هو أنّ العبارتین من قبیل بیان العام بعد الخاص، وهى تشتمل على مفهومین. فالعبارة الاولى تشیر إلى مقام الیقین لدى الإمام(علیه السلام) والذی ورد التعبیر به عن الإمام(علیه السلام) قائل: «لو کشف الغطاء ما ازددت یقیناً»(6).

والعبارة الثانیة تشیر إلى الوظائف الدینیة التی کشفت له عن کافة معالم الطریق دون الشعور بأدنى شک أو ریب، ولا سیما أنّه سمع رسول الله(صلى الله علیه وآله) وقد قال له: «یا علی ستقاتل الناکثین والقاسطین والمارقین» (أصحاب الجمل وصفین والنهروان).


1. العبارة مثل عربی معروف وقد أشیر إلیه فی بعض الروایات الإسلامیة ومنها الخطبة 168 من خطب نهج البلاغة.
2. «طعان» بمعنى الضرب بآلة وتستعمل عادة للرمح ویقال لذرب اللسان طعن أیضاً.
3. «جلاد» من مادة «جلد» بمعنى الضرب بالعصا أو السیف أو السوط وهو هنا کنایة عن الحرب.
4. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 1 / 306.
5. «هبلتهم» بمعنى ثکلتهم، والهبول بفتح الهاء المرأة التی لا یبقى لها ولد، وهو دعاء علیهم بالموت.
6. شرح نهج البلاغة لابن میثم لمئة کلمة مختارة من الجاحظ، الکلمة الاولى.

 

الرجال الأشداءالقسم الثالث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma