فصل فی أنّ الاخلاص أساس العمل

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
القسم الثالثسبیل بلوغ مقامات الصالحین

للشرک والوثنیة شعب، من أهمها الریاء والسمعة. والریاء من مادة الرؤیة بمعنى التظاهر وإلفات نظر الآخرین إلیه من خلال التظاهر بالعبادة والأعمال الحسنة. وهذا الفرد فی الواقع مشرک، لأنّه یرى عزّته وکرامته بید الآخرین لا بید الله، ولذلک یقوم بأعماله بدافع من لفت انتباه الآخرین إلیه.

أمّا بشأن السمعة فهناک تفسیران: أحدهما أنّ السمعة هو أن یقوم الفرد بالعمل قربة إلى الله، فتخالطه الأفکار باطّلاع الآخرین وإسماعهم بعمله لیحظى بمدیحهم وثنائهم. وهو الأمر الذی لا یوجب بطلان العمل حسبما صرّح بذلک الفقهاء، لأنّه قد حصل بعد الإتیان بالعمل، إلاّ أنّها تقلل من ثواب العمل أو تقضی علیه، والآخر أن تکون خالطته فکرة إسماع الآخرین منذ بدایة العمل لیثنوا علیه ویکیلوا له المدح والثناء. ولیس هنالک من فارق بین السمعة بهذا المعنى والریاء، سوى أنّ المرائی یقوم بالعمل لیراه الآخرون بینما یقوم الآخر بالعمل لیسمعه الآخرون، وعلیه فالعملان لیسا بخالصین.

على کلّ حال فإنّ الریاء والسمعة من أکبر آفات الأعمال العبادیة. ولما کان نفوذ الریاء والسمعة إلى الأعمال الإنسانیة غایة فی التعقید والدقّة فقد تواتر التحذیر منه کراراً فی الآیات القرآنیة والروایات الإسلامیة. وأعظم مفسدة لهذا العمل هو أنّه یقضی على روح التوحید ویقذف بصاحبه فی وادی الشرک والازدواجیة فی العبادة، لأنّ توحید الأفعال یعلّمنا الإیمان والإذعان بأنّ کلّ شیء بید الله وأنّ الأجر والثواب والعزّة والکرامة والرزق و... تابعة لإرادة الله مأتمرة بأوامره، إلاّ أنّ المرائین إنّما یلتمسون هذه الاُمور من الآخرین، وهذا شرک علنی. وقد ورد فی الروایات یقال یوم القیامة للمرائی: «یا کافر! یا فاجر! یا غادر!یا خاسر! حبط عملک وبطل أجرک، فلا خلاص لک الیوم»(1). هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنّ الریاء والسمعة مصدر کافة الاختلالات الاجتماعیة، فالمرائی إنّما یهتم بظاهر العمل دون الإکتراث إلى باطنه، فالظاهر جمیل والباطن فاسد.

المؤسّسات والدوائر تتمتع بظاهر أنیق بینما تستبطن الخواء والفساد من الداخل، الأفکار سطحیة ساذجة خالیة من أىّ عمق وجذور فالهدف فی المجتمعات المرائیة إنّما یولى للکمیّة لا للکیفیّة. ومن البدیهی أنّ مثل هذه المجتمعات إنّما تحث الخطى نحو الانحطاط والاضمحلال والانهیار. وبالطبع على العکس من ذلک فهنالک الیوم البلدان التی أولت أهمیة قصوى للقطاعات الصناعیة والزراعیة والاقتصادیة وحثت الخطى من أجل خدمة المجتمع ورفاهه فقد سارت نحو الرقی والتطور والازدهار.

نکتفی بهذا المقدار بشأن الریاء والسمعة ونترک الخوض فی التفاصیل أکثر إلى الأبحاث القادمة بما یتناسب والموضوع.


1. وسائل الشیعة 1 / 50.

 

القسم الثالثسبیل بلوغ مقامات الصالحین
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma