المساومة والمصناعة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
فصل فی الضعف والمساومةنظرة إلى الخطبة

استهلّ الإمام(علیه السلام) خطبته بالقول: «ولعمری(1) ما علىّ من قتال من خالف الحق وخابط(2)الغى، من إدهان(3) ولا إیهان(4)».

یبدو أنّ هنالک فارق بین العبارتین «خالف الحق» و«خابط الغی» ـ هو أنّ العبارة الاولى إلى الفرد الذی یشق عن علم سبیل مخالفة الحق، بینما تشیر الثانیة إلى من یختار ذلک الطریق ویسبح فی بحر من الضلال جهلاً وخطأ ودون أدنى تأمّل ومطالعة. أمّا تعبیره(علیه السلام) بالادهان (المجاملة والمداهنة) والایهان (الضعف) فهو تحدید إلى أنّ الکف عن القتال والمواجهة إنّما یستند إلى أحد سببین; إمّا المجاملة والمداهنة لأعداء الحق، أو الضعف والعجز، وحیث لم یکن لأى من هذا السببین من سبیل إلى کیان علی(علیه السلام) فإنّ مواجهته لمخالفی الحق عنیفة لا هوادة فیها.

وقد ورد تقریباً شبه هذا المعنى فی سائر کلمات الإمام(علیه السلام) فی إطار حدیثه عن الإطار العام الذی یتحرّک ضمن دائرته زعماء المسلمین وأئمتهم فقد قال(علیه السلام): «لا یُقیمُ أمرُ اللهِ سُبحانَه إلاّ مَنْ لا یُصانِعُ ولا یُضارِعُ ولا یَتَّبِعُ المَطامِعَ»(5). کما وصف نفسه(علیه السلام) فی موضع آخر فقال: «وأَیمُ الله لقد کنتُ مِن ساقَتها حتَّى تَوَلَّتْ بِحَذافیرِها واستَوسَقَتْ فی قِیادها، ما ضَعُفْتُ ولا جَبُنْتُ ولا خُنْتُ ولا وَهَنْتُ»(6).

ثم أبدى(علیه السلام) نصائحه ووصایاه وفی مقدمتها مراعاة الورع والتقوى فقال(علیه السلام): «فاتقوا الله عباد الله». فالتقوى ـ التی تعنی خشیة الله فی الباطن وعدم مقارفة الذنوب والمعاصی والعمل على طاعة الله ـ هى أساس الأعمال الصالحة والباقیات الصالحات، ومن هنا ورد التأکید علیها بصفتها مقدمة لسائر الوصایا الأخلاقیة والدینیة. ثم أوصى(علیه السلام) بالفرار من معصیة الله إلى طاعته وغضبه وسخطه إلى رضاه وعذابه إلى رحمته ونقمته إلى نعمته «وفرّوا إلى الله من الله» فالعبارة إشارة لطیفة إلى مسألة توحید الأفعال، لأنّ أیة مشکلة تواجه الإنسان فی هذا العالم إنّما تفرزها طبیعة أعماله والآثار التی أودعها الله هذه الأعمال. وعلیه فمشاکله من ذاته وعقابه ممّا تفرزه أعماله، وعلیه فلیس أمامه من سبیل لحل مشاکله سوى الفرار إلى الله واللجوء إلیه إذ «لا مؤثر فی الوجود إلاّ الله» وکل خیر وبرکة ونجاة تفاض على الإنسان من الله سبحانه ـ القرآن من جانبه تحدث عن طائفة من العصاة الذین استحقوا سخط الله وغضبه ولم یعد أمامهم من سبیل سوى اللجوء إلى الله سبحانه (وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إلاّ الیه)(7)الطریف فی الأمر أنّ الإنسان إذا شعر بخوف من أحد لاذ بآخر، إلاّ أنّ ذلک لیس کذلک بالنسبة لله سبحانه، فاذا ما خافه الإنسان وخشى عذابه، لجأ إلیه، وهل هناک من هو أرحم بالإنسان منه؟! هذا هو الدرس الذی ینبغی أن تتعلمه من التوحید الأفعالی فی أنّ الله هو مصدر کلّ خیر وحرکة وبرکة. فلله الأسماء والصفات التی تدعونا للجوء إلى الله على کلّ حال وفی کلّ الظروف.

فان خشینا سخطه وغضبه لذنا بعفوه ورحمته، وإن خفنا عدله لجأنا إلى فضله وکرمه. وأخیراً یبدو أنّ هذه العبارة مقتبسة من قوله سبحانه على لسان رسوله الکریم(صلى الله علیه وآله): (فَفِرُّوا إِلى اللّهِ إِنِّی لَکُمْ مِنْهُ نَذِیرٌ مُبِینٌ)(8). ثم قال (علیه السلام) فی الوصیة الثالثة «وامضوا فی الذی نهجه لکم» ثم أوصى(علیه السلام)قائل: «وقوموا عصبة(9) بکم». والواقع أنّ الإمام(علیه السلام) قد سنّ بهذه العبارات قانوناً جامعاً یشتمل على أربعة بنود من شأنها ضمان السعادة النجاة:

الأول: مراعاة التقوى وخشیة الله.

الثانی: الحرکة نحو الله من خلال الفرار منه إلیه سبحانه.

الثالث: الثبات على النهج الإیمانی وسلوک السبیل الصحیح نحو الله.

الرابع: العمل بالتکالیف والوظائف الدینیة التی أمر بها الشارع المقدس.

قد یقال أنّ الوصایا الأربعة استهلت بفاء التفریع فما علاقتها بصدر الخطبة الذی تحدث عن العزم الراسخ فی مجابهة مخالفی الحق وقتالهم؟ والجواب على هذا السؤال واضح، لأنّ قتال هذه الطائفة المنحرفة الجائرة إنّما یتطلب جنوداً أشداء مؤمنین من ذوی العزم والإرادة، وکأنّ الإمام(علیه السلام) أراد أن یعدّ أصحابه للوقوف بوجه أصحاب الباطل. جدیر بالذکر أنّ الإمام(علیه السلام)عبّر عن التکالیف بقوله «ما عصیه بکم» (التکالیف التی کلّفتم بها وأمرکم بأدائها)، ومفهوم العبارة هو أنّ الوظائف الإلهیة لیست من الاُمور التی یستطیع الإنسان إهمالها وعدم الإکتراث لها، بل هى طوق فی رقبته ودین فی ذمته لابدّ له من أدائه.

یذکر أنّ هذه التعبیرات قد وردت فی أغلب الآیات والروایات التی تشیر إلى أنّ الإنسان إنّما یتحرر من القیود إذا ما أدّى هذه التکالیف والوظائف. وأخیراً یختتم الإمام(علیه السلام)خطبته بضمانة النصر والغلبة والعاقبة الحسنة لأصحابه فی خوضهم القتال ضد تلک الطائفة الضالة عن الحق، النصر الذی سیفوزون به فی الدار الآخرة لا محالة إذا تعذر فی دار الدنیا «فعلىٌّ ضامن لفلجکم آجلاً إن لم تمنحوه عاجلاً». وهذا هو المنطق القوی والرصین الذی اعتمده القرآن فی مخاطبته لأتباعه فی تصدیهم لأعداء الحق بأنّهم منتصرون غالبون مهما کانت نتیجة القتال: (قُلْ هَلْ تَرَبَّـصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدى الحُسْنَـیَیْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّـصُ بِکُمْ أَنْ یُـصِـیبَکُمُ اللّهُ بِعَذاب مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَیْدِینا فَتَرَبَّـصُوا إِنّا مَعَکُمْ مُتُرَبِّـصُونَ)(10) ومعلوم أنّ الجنود الذین یرون أنفسهم منتصرین فی جمیع الأحوال وأنّ عدوهم مهزوم، إنّما یقاتلون بمعنویات عالیة دون أن یشعروا بأدنى خوف أو خطر ممّا ستفرزه أحداث القتال. فیرى أغلب العلماء والمفکّرین أنَّ الإیمان بهذا المبدأ ـ النصر أو الشهادة ـ هو العامل الرئیسی الذی یقف وراء الانتصار الذی یشعر به المسلمون فی جبهات القتال رغم عدم الموازنة فی القوى والتکافئ فی العدة والعدد مع جیوش الأعداء. وهذا هو المبدأ الذی ینبغی أن یجعله العالم الإسلامی الیوم نصب عینیه فی مجابهته لعالم الکفر فلا ینبهر بإمکاناته وتجهیزاته الزائفة.

والحق أنّ هذا المبدأ لا یحصل إلاّ فی ظل الإیمان والورع والتقوى وخوف الله.


1. «لعمری» و«عَمْر» و«عُمَر» و«عُمُر» بمعنى مدة الحیاة ویقال حین القسم لعمری بفتح العین. وهى هنا مبتدأ لخبر محذوف تقدیره «لعمری قسمی» وقد ورد سؤال فی مجمع البحرین کیف بهذا القسم وهو لا یجوز بغیر الذات الإلهیة المقدسة؟ وأجیب بأنّ هذا القسم لیس حقیقة بل بصورة قسم، وتقدیره «بواهب عمری وعمرک».
2. «خابط» من مادة «خبط» وخابط الغی بمعنى صارع الفساد، وأصل الخبط الیسر فی الظلام، وتستعمل للناقة حین تخبط فی مشیها.
3. «الادهان» من مادة «دهن» بمعنى المنافقة والمصناعة ولا تخلو من مخالفة الباطن للظاهر، کما تستعمل کنایة عن المجاملة والمداهنة.
4. «الایهان» من مادة «وهن» بمعنى الضعف سواء فی الخلقة أو الأخلاق، والایهان والتوهین بمعنى الاضعاف.
5. نهج البلاغة، الکلمات قصار، 110.
6. نهج البلاغة، الخطبة 104.
7. سورة التوبة / 118.
8. سورة الذاریات / 151.
9. «عصب» من مادة «عصب» على وزن ضَرَبَ الذی یربط العظام والعضلات، أی کلفکم به وألزمکم أدائه.
10. سورة التوبة / 52.

 

فصل فی الضعف والمساومةنظرة إلى الخطبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma