2 ـ أهل الکوفة والإمام (علیه السلام)

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
القسم الثانی1 ـ الکوفة على وجهین

کلّنا نعلم بأنّ إحدى مشاکل حکومة الإمام علی (علیه السلام) تکمن فی أهل العراق ولاسیما أهل الکوفة الذین یتّصفون بالتمرد وعدم الطاعة; الأمر الذی جعل الإمام (علیه السلام) یتعرّض له فی عدّة خطب لیعرب عن إستیائه منهم وشکواه ، فی حین کانت روحیة أهل الشام وطاعتهم تمثّل أحد عوامل تفوّق معاویة فی أعماله.

وقد نظر بعض المؤرّخین إلى هذا الموضوع نظرة إیجابیة فذهبوا إلى أنّ العلّة فی عصیان أهل العراق على الأمراء وطاعة أهل الشام ، أنّ أهل العراق أهل نظر وذوو فطن ثاقبة ، ومع الفطنة والنظر یکون التنقیب والبحث ، ومع التنقیب والبحث یکون الطعن والقدح والترجیح بین الرجال ، والتمییز بین الرؤساء ، وإظهار عیوب الأمراء ، وأهل الشام ذوو بلادة وتقلید وجمود على رأی واحد ، لا یرون النظر ، ولا یسألون عن مغیب الأحوال ومازال العراق موصوفاً أهله بقلّة الطاعة ، وبالشقاق على اُولى الرئاسة.(1)

إلاّ أنّ المرحوم مغنیة یرى أنّ هذا الکلام أجوف لا أساس له. فأی عیب کان یسع أهل العراق أن یردّوه على حکومة العدل العلویة حتّى مارسوا ذلک الشقاق والنفاق (أیّة فطنة ثاقبة تدفع بالأفراد إلى العصیان والتمرّد والذی أدّى إلى تلک الذلّة والخنوع أمام العدو؟!) والحق کما ذکره المؤرّخون ومنهم طه حسین فی کتابه (علی وبنوه) أنّ سیاسة معاویة کانت قائمة على المکر والخداع وشراء دین الناس بینما اعتمد الإمام علی (علیه السلام) على الحق والعدل ، ولعل الشاهد على ذلک مارد به الإمام (علیه السلام)حین قال: «أتأمرونی أن أطلب النصر بالجور فیمن ولّیت علیه؟! والله لا أطور به ما سمر سمیر وما أمّ نجم فی السماء نجماً»(2). ثم ردّ (علیه السلام) على اُولئک الذین قارنوا بین سیاسته وسیاسة معاویة قائل: «والله ما معاویة بأدهى منّی لکنّه یغدر ویفجر ولولا کراهیة الغدر لکنت من أدهى الناس»(3). وهو الأمر الذی نلمسه الیوم بوضوح فی عصرنا الراهن حیث یرى بعض الأفراد وضمن تحلیلاتهم الاجتماعیة أن الساسة الأفذاذ هم اُولئک الذین یعتمدون أسالیب التضلیل والخداع والذین لا یتورعون عن التشبث بأخسّ الوسائل من أجل تحقیق أهدافهم وأطماعهم ، فی حین لا یرون من کفاءة وجدارة لاُولئک الأفراد من أهل الإیمان والورع والتقوى الذین لا یساومون على القیم والمبادئ ، نعم للأسف مازال هذا الخطأ الفاحش هو الذی یسود بعض العقول والأفکار ، وقد أدى إلى سلسلة من المفاسد السیاسیة والاجتماعیة ، بل ما أعظم الدماء البریئة التی سفکت على مدى التأریخ بسبب هذه النظرة الخاطئة على کلّ حال فإنّ الواقع هو غیر ماذکر ، فالعراق ولاسیما منطقة الکوفة إنّما سکنت من عدّة فئات وبمختلف الثقافات وقد تأثروا إلى حد بعید بسیاسة عثمان بما دفعهم للتکالب على الدنیا والاغترار بها وقد أصبحت السنن الخاطئة آنذاک من مفردات حیاتهم الیومیة (بما فی ذلک التمییز فی العطاء من بیت المال) حتّى کان أغلب زعماء القبائل یتوقعون المناصب والأموال الطائلة; الأمر الذی جعل معاویة ینجح فی إستمالتهم فکانوا یتقاطرون على معاویة، الواحد تلو الآخر.

أضف إلى ذلک فقد کانت هنالک بعض الفوارق بین روحیة أهل العراق والشام ، منها أنّ أهل الشام کانوا یعرفون بالعمل ، بینما کان العراقیون أهل کلام کما کان الشامیون یتحلّون بالانضباط الاجتماعی ولم یکن مثل هذا الانضباط سائداً لدى أهل العراق. وأخیراً کان أهل الشام أوفیاء ، بینما یمتاز أهل العراق بالغدر ونکث العهود.

وبالطبع فإنّ هذا الکلام لا ینسحب على أهل العراق فی أىّ عصر وزمان غیر زمان الإمام علی (علیه السلام) کعصر الإمام الحسن أو الحسین(علیهما السلام). ومن هنا وردت روایات الأئمة المعصومین(علیهم السلام)التی تشید بأهل العراق والکوفة. ولا غرابة أن تتّصف اُمّة ببعض الصفات السلبیة فی عصر من العصور ، ثم تنسلخ عنها فتتحلى بصفات إیجابیة.


1. نقل هذا الکلام ابن أبی الحدید عن الجاحظ (شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 1 / 343).
2. نهج البلاغة ، الخطبة 126.
3. نهج البلاغة ، الخطبة 200.

 

القسم الثانی1 ـ الکوفة على وجهین
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma