المساومة السیاسیة المفضوحة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
1 ـ السیاسات الدنیویة لا تعترف بالأصول الأخلاقیةالقسم الثالث

أشار الإمام (علیه السلام) إلى المساومة الفاضحة التی اشترطها عمرو بن العاص على معاویة کثمن للبیعة، فقال: «ولم یبایع حتى شرط أن یؤتیه على البیعة ثمناً». فقد ذکر المؤرخون: لما نزل علی (علیه السلام) الکوفة بعد فراغه من أمر البصرة، کتب إلى معاویة کتاباً یدعوه إلى البیعة، أرسل فیه جریر بن عبدالله البجلی. فقدم علیه به الشام، فقرأه واغتم بما فیه، وذهبت به أفکاره کل مذهب، وطاول جریر بالجواب عن الکتاب، حتى کلم قوماً من أهل الشام فی الطلب بدم عثمان، فأجابوه ووثقوا له، وأحب الزیادة فی الاستظهار، فاستشار بأخیه عتبة بن أبی سفیان، فقال له: استعن بعمرو بن العاص فانّه من قد علمت فی دهائه ورأیه، وقد اعتزل عثمان فی حیاته، وهو لأمرک أشد اعتزالاً; إلاّ أنّ یثمن له دینه فسیبیعک، فانّه صاحب دنیا. فکتب إلیه معاویة «أما بعد، فانه کان من أمر علی وطلحة والزبیر ماقد بلغک، وقد سقط إلینا مروان بن الحکم فی نفر من أهل البصرة، وقدم علینا جریر بن عبدالله فی بیعة علی، وقد حبست نفسی علیک، فأقبل أذاکرک اُموراً لا تعدم صلاح مغبتها، إن شاء الله» ـ فلما قدم الکتاب على عمرو استشار ابنیه: عبد الله بن عمرو ومحمد بن عمرو، فقال لهما: ما تریان؟ فقال عبدالله: قر فی منزلک فلست مجعولاً خلیفة، ولا تزید على أن تکون حاشیة لمعاویة على دنیا قلیلة. أما ولده الآخر فقال: الحق بجماعة أهل الشام فلما دخل عمرو بن العاص الاشم، خاطبه معایة قائلاً: «یا أبا عبدالله أدعوک إلى جهاد هذا الرجل الذی عصى الله وشق عصى المسلمین وقتل الخلیفة وأظهر الفتنة وفرق الجماعة وقطع الرحم»(1). فقال له عمرو: من هو؟ قال: علی. فقال عمرو بن العاص: «والله ما أنت وعلی بجملی بعیر لیس لک هجرته ولا سابقته ولا صحبته ولا جهاده ولا فقهه ولا علمه». ووالله إنّ له مع ذلک لحظاً فی الحرب لیس لأحد غیره، ولکنی قد تعودت من الله تعالى إحساناً وبلاءً جمیلاً; فما تجعل لی إن شایعتک على حربه، وأنت تعلم مافیه من الغرر والخطر؟ قال معاویة: حکمک، فقال عمرو: مصر. فتلکأ علیه معاویة وقال: یا أبا عبدالله إنی أکره لک أن تتحدث العرب عنک أنّک إنّما دخلت فی هذا الأمر لغرض الدنیا، قال عمرو: دعنی عنک. فأشار علیه عتبة بأن یجیب عمرو، فأجابه وأعطاه مصر.(2) جدیر بالذکر إنّ مصر کانت فی نفس عمرو بن العاص لأنّه هو الذی فتحها فی سنة تسع عشرة من الهجرة فی خلافة عمر، فکان لعظمها فی نفسه وجلالتها فی صدره، وما قد عرفه من أموالها وسعة الدنیا، لا یستعظم أن یجعلها ثمناً من دینه. أضف إلى ذلک فقد ولاها أربع سنوات على عهد الخلیفة الثانی، وأربع اُخرى على عهد عثمان حتى عزله. ثم قال الإمام (علیه السلام): «فلا ظفرت ید المبایع، وخزیت أمانة المبتاع»(3). فالواقع کلامه (علیه السلام) یتضمن الدعوة ضد المشتری والبائع. نعم صحیح أنّ معاویة قد وفى له بوعده وأعطاه مصر، إلاّ أنّه لم یحکمها مدة طویلة بعد أن وافاه الأجل، إلى جانب ما نقل عنه أواخر عمره عن مدى خشیته من عاقبته ومصیره، فلم یذق طعم النصر الذی کان یحلم به. کما أنّ معاویة وإن وطد دعائم حکومته بهذا العمل إلاّ أنّها آلت إلى الانهیار المخزی بعد أن انفرج عنه کافة الصحابة من المهاجرین والأنصار والأفراد المشهورین بحسن السمعة من أهل الورع والتقوى ولم یتمحور حوله سوى تلک الثلة التی ورثت العداء للإسلام وسلیلی زعماء الجاهلیة، فکانوا أعوانه الذین یبطش بواسطتهم الناس ویجرعونهم أبشع غصص القتل والارعاب والتهدید والوعید. کما یحتمل ألا تکون العبارة من قبیل الدعاء، بل هى جملة خبریة; أی أنّ بیع الدین بالدنیا لا یقود إلى النصر أبداً، بل ستکون الخسارة من نصیب البائع والمشتری; الأمر الذی أشارت إلیه بعض الآیات القرآنیة (أُولـئِکَ الَّذِینَ اشْتَرَوُا الضَلالَةَ بِالهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ)(4) والآیة (أُولـئِکَ الَّذِینَ اشْتَرَوُا الحَیاةَ الدُّنْیا بِالآخِرَةِ فَلا یُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذابُ وَلا هُمْ یُنْصَرُونَ)(5). وتعبیر الإمام (علیه السلام)بالأمانة عن حکومة مصر وحقوق أهلها من المسلمین إشارة صریحة إلى أنّ حکومة الاُمّة وإدارة شؤونها إنّما هى أمانة إلهیة لابدّ أن ینهض بعبئها الأخیار الصالحین بغیة ضمان مصالح الاُمّة، وأمّا اُولئک الذین یتخذون هذه الحکومة وسیلة لتحقیق مآربهم وأغراضهم الشخصیة إنّما یخونون هذه الأمانة الإلهیة وهذا ما سیؤدی فی آخر الأمر إلى فضیحتهم وزوال حکمهم. ومن هنا صرح أغلب المفسرین بأنّ المصداق الوحید أو المصداق البارز للأمانة الواردة فی الآیة الشریفة (إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأماناتِ إِلى أَهْلِه)(6) إنّما هى الحکومة والولایة. ثم واصل الإمام (علیه السلام)کلامه بحث الاُمّة على الاستعداد والتأهب لمنازلة العدو «فخذوا للحرب اُهبتها»(7)، وأعدوا لها عدتها فقد شبّ(8) لظاه(9) وعلا سناه(10)». فالعبارة تفید أنّ الإمام (علیه السلام)قد اعتمد کافة الطرق السلمیة من أجل وضع حد لذلک النفاق والعداء ولاسیما غدر أهل الشام وحکامهم إلاّ أنّ کل ذلک لم یجد نفعاً، فکان حجم التآمر والدسائس یزداد کل یوم، فما کان منه (علیه السلام)إلاّ أن أمر بالتأهب للقاء العدو; فقد شبت لظى نیران الأعداء وتصاعدت ألسنتها، ولابدّ من مواجهتها والعمل على اطفائها. کما یشیر التأریخ الإسلامی إلى أنّ أعداء الإمام (علیه السلام)کانوا یسارعون للاستعداد للقتال وقد بعثوا بکتبهم ورسائلهم إلى طلحة والزبیر. وأخیراً یختتم الإمام (علیه السلام)بالإشارة إلى الصبر بفضله أحد أهم مقومات النصر فقال «واستشعروا الصبر فإنه أدعى إلى النصر». واستناداً إلى مفردة الاستشعار من مادة (ش ع ر) التی تعنی الثیاب الداخلیة (فی مقابل الدثار بمعنى الثیاب الخارجیة) یتضح أنّ الصبر والاستقامة لابدّ أن تسود باطن الإنسان وتمد الإنسان بمعانی الصمود إزاء الحوادث المریرة.


1. یقصد قرابة عثمان من بنی هاشم.
2. «المبتاع» بمعنى المشتری والمراد به هنا معاویة والبائع عمرو بن العاص.
3. انظر أسد الغابة فی معرفة الصحابة (عمرو بن العاص).
4. سورة البقرة / 16.
5. سورة البقرة / 86 .
6. سورة النساء / 58.
7. «اُهبة» على وزن لقمة بمعنى العدة والتأهب والاستعداد للقیام بعمل وإهاب على وزن کتاب بمعنى الجلد الذی لم یدبغ وقد اُعد للدباغة.
8. «شب» من مادة «شبب الشباب»، ویستعمل فی شب النار.
9. «لظا» بمعنى شعلة النار کما تطلق على نفس النار (الراغب فی المفردات).
10. «سنا»، قال صاحب المقاییس تتضمن العلو والارتفاع وقد وردت فی العبارة بمعنى تصاعد ألسنة النیران.

 

1 ـ السیاسات الدنیویة لا تعترف بالأصول الأخلاقیةالقسم الثالث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma