الجهاد باب من أبواب الجنّة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
1 ـ الجهاد سر رفعة الشعوب وعزتهاالقسم الأول

لقد تعرضت الخطبة إلى فلسفة الجهاد وبرکاته فی عبارات قصیرة ذات عدة معان، إلى جانب الآثار السیئة لترک الجهاد، فقد قال بعد أن حمد الله وأثنى علیه «أمّا بعد فان الجهاد باب من أبواب الجنّة» وبالطبع هناک عدة أسباب وردت فی الأحادیث بصفتها «أبواب الجنّة» التی تؤدی إلى نیل الرحمة والفوز بالرضوان والجنّة یکمن أهمها فی الجهاد، فقد ورد فی الحدیث عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله) قال: «للجنّة باب یقال له «باب الجهاد» یمضون إلیه فاذا هو مفتوح وهم متقلدون بسیوفهم، والجمع فی الموقف، والملائکة ترحب بهم»(1). ونعلم أنّ الجهاد فی الإسلام على نوعین: جهاد العدو وجهاد النفس. وقد اصطلح على الأول بالجهاد الأصغر وعلى الثانی بالجهاد الأکبر، وکل منهما باب من أبواب الجنّة.

ولا یتیسر لقاء الله دون الجهاد الأکبر کما تتعذر العزة والرفعة فی الدنیا والآخرة دون الجهاد الأصغر. ثم قال (علیه السلام) «فتحه الله لخاصة أولیائه». صحیح أنّ جهاد العدو والنفس یعد وظیفة جمیع المسلمین، إلاّ أنّ أولیاء الله فقط الذین یسعهم خوض غمارهما حتى النهایة على أساس الاخلاص والنیة الحسنة، بینما قد تکون نیات الآخرین مشوبة بالطمع ونیل الغنام أو الحصول على الحیاة والمنصب والشهرة وبالتالی فهم لا یواصلون المسیرة إلى آخرها. فأولیاء الله فقط الذین یقتحمون المیدان ویصبرون على الأذى فی حرکتهم الجهادیة فیرکعون کافة قوى الشر والظلام.

ونخلص ممّا سبق إلى عدم ورود الإشکال على الإمام (علیه السلام) فی أنّه خص باب الجهاد بخاصة أولیاء الله بینما کتب على جمیع المسلمین. کما نفهم من قوله (علیه السلام) أن من طوى مسیرة الجهاد الأصغر والأکبر فهو من خاصة أولیاء الله سبحانه. ثم یصف (علیه السلام) الجهاد فیقول «وهو لباس التقوى ودرع الله الحصینة، وجنته الوثیقة» ونعلم أنّ اللباس زینة للإنسان وجمال له من جانب، ومن جانب آخر فانه حافظ لبدنه من شدة الحرارة والبرودة التی تؤذیه فیما لو کان عریاناً، کا یشکل أساس عزة الأقوام والشعوب ودرعها من أنواع المخاطر والآفات; الأمر الذی أکده الإمام (علیه السلام) فی عباراته اللاحقة.

وأخیراً فالجسد العاری عرضة لأنواع الأذى موصوفاً بالقبح والشناعة، وعلیه فالأُمّة التی تولی ظهرها للجهاد هى أُمّة ذلیلة مهددة بکافة عناصر الزوال والانهیار. أمّا علة إضافة اللباس للتقوى فی العبارة فلعل ذلک یفید تعذر حفظ أصول التقوى دون توفر الأمن، کما یتعذر الأمن دون الجهاد. کما یحتمل تفسیرها على أنّها اشارة إلى الآیة 26 من سورة الأعراف التی عدت التقوى نعمة الهیة بعد ذکر اللباس الظاهر (وَلِباسُ التَّقْوى ذ لِکَ خَیْرٌ).

وبناءً على هذا فالمراد هو أن لباس التقوى الذی ورد فی القرآن إنّما مصداقه الکامل هو الجهاد الذی یجعل المجتمع یعیش الأمن والأمان على کافة المستویات(2) وهو مصدر الحسن والجمال.

ثم شبه الإمام (علیه السلام) الجهاد بالدرع الحصینة والجنّة الوثیقة، والوسیلتان من المعدات الدفاعیة فی القتال، حیث لم یکن من أمان لاولئک الذین یخوضون المعارک سابقاً ولم یتدرعوا، وهذا هو حال الاُمّة التی تترک الجهاد فهى ضعیفة خاویة تجاه ضربات العدو. ولعل هذه العبارة تشیر إلى حقیقة وهى أنّ الجهاد لا یراد به الهجوم على الآخرین ومن أجل التوسع والسیطرة ونهب الأموال والثروات وفرض الأفکار والعقائد، لأننا نؤمن بأنّ الإسلام والقرآن إنّما یستند إلى منطق قوی یغنیه عن شهر السیف بوجه المقابل. وعلیه فانّما شرع الجهاد من أجل حفظ المجتمع الإسلامی وإزالة الموانع التی تعترض أسالیب التبلیغ والقضاء على الموانع التی تحول دون حریة البیان.

أمّا الحروب المعاصرة فهى وإن نحت الدروع القدیمة إلاّ أنّها تعتمد الیوم الوسائل التی تفوقها فی الدفاع من قبیل المدرعات والمصفحات والمواضع المحصنة، کما تلجأ إلى بعض الملابس الخاصة بغیة مواجهة الهجمات الکیمیائیة بحیث لا تتأثر من قریب أو بعید بخطر هذه الأسلحة.

جدیر بالذکر أن ما ذکر بشأن تفسیر عبارة الجهاد الأصغر (العدو الخارجی) یصدق تماماً على الجهاد الأکبر (جهاد النفس); حیث لا طاقة للإنسان بهجمات الشیطان دون جهاده لنفسه. ثم تطرق الإمام (علیه السلام) إلى الآثار السلبیة التی یتمخض عنها ترک الجهاد لیوجزها فی سبع نقاط، فقال: «فمن ترکه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل» وقوله (علیه السلام)(رغبة عنه) إشارة إلى استثناء الأفراد من هذا الحکم ممن یمتلکون الأعذار الموجهة التی لا تجعلهم قادرین على خوض الجهاد من قبیل العجز والمرض ونحو ذلک; الأمر الذی أکدته بعض الآیات القرآنیة.(3)الأثر السلبی الثانی لترک الجهاد «وشمله البلاء» فمثل هذا الفرد أو الأمّة إنّما یعتکف فی موضع أعزل یجعله عرضة لحملات الحیوانات المفترسة بحیث تدخل علیه دون أدنى مقاومة، والجهاد وحده هو الذی یشکل السد الحدیدی إزاء مثل هذا البلاء فینأى بالإنسان بعیداً عن هذه الحیوانات. أمّا الأثر السلبی الثالث فقد أشار إلیه الإمام (علیه السلام) بقوله «ودیث(4) بالصغار(5) والقماءة(6)» وکیف لا یعیش الذل والهوان والضعة من ضیع هذا السند العظیم; أی الجهاد. وصحیح أنّ العبارتین قریبتان من بعضهما بالمعنى، إلاّ أنّ هناک فارقاً طفیفاً، حیث کان الکلام هناک عن الذلة وهنا عن الحقارة والضعة. فالمفهومان مختلفان إلاّ أنّها من قبیل اللازم والملزوم. وأمّا المصیبة الأخرى التی تطیل تارک الجهاد فهى «وضرب على قلبه بالأسهاب»(7)فالأفراد الضعفاء والعجزة والمهزومون إنّما یعانون من الأوهام على الدوام فلا یسعهم تقییم الحقائق کما هى. فخشیة العدو تجعلهم یعیشون فی هالة من الخیالات المرعبة، أو أنّهم یلجأون إلى بعض الخرافات من أجل تحقیق النصر کأن یتخلوا عن السیف والمقاومة ویلوذوا بالسحرة والکهنة.

وقد حفل التأریخ بنماذج حیّة لمثل هؤلاء الأفراد، الذین لا یکشفون بذلک سوى عن ضعفهم وعجزهم، بینما یتنزه المجاهدون الشجعان عن مثل هذه السفاسف.

ثم ذکر الأثر السلبی الخامس بقوله (علیه السلام) «وأُدیل(8) الحق منه بتضییع الجهاد»، وذلک لأنّ الحق ـ کما ورد فی المثل المعروف ـ یؤخذ ولا یعطى. فالطواغیت وأصحاب المنطق الغاشم والمستبدون لا یفوضون الحق لأصحابه أبداً، ولابدّ من التحلی بالقوة من أجل انتزاع الحق من براثن اولئک الطغاة; الأمر الذی نوه له الإمام (علیه السلام) فی الخطبة التاسعة والعشرین بقوله «لا یدرک الحق الا بالجد» وأمّا الأثر السلبی السادس «وسیم الخسف» وبالالتفات إلى اطلاق الخسف والخسوف على زوال نور القمر والاختفاء فی الأرض، وان «سیم» من مادة «سوم» بمعنى الحرکة إثر شیء فان مفهوم الجملة سیکون: أنّ تارکی الجهاد فی الواقع إنّما یسیرون باتجاه الزوال والانقراض; الأمر الذی لاحظناه بوضوح فی الأمم والبلدان التی آلت إلى السقوط والانهیار إثر تقاعسها عن الجهاد.(9)

ثم قال (علیه السلام) فی إطار ذکره للاثر السلبی السابع «ومنع النصف»(10) ودلیل ذلک واضح; لأنّ أتباع العدالة عادة ما یشکلون الأقلیة، ولو لم یکونوا کذلک کمیة فهم أقلیة من حیث الکیفیة والقدرة.

ومن هنا فان أصحاب السطوة یندفعون بکل ما اُوتوا من قوة لهضم حقوق الشعوب المظلومة ویسعون لمضاعفة ثرائهم وأموالهم. ولیس لهذه الشعوب من وسیلة لاستعادة حقوقها وخلاصها من براثن الظلم والاضطهاد وتحقیق العدالة الاجتماعیة سوى فی خوض غمار الجهاد. وهنا تکمن أهمیة العبارات التی أوردها الإمام (علیه السلام) فی هذه الخطبة بشأن الجهاد وفلسفته ومعطیاته الایجابیة والسلبیة فیما لو تخلت عنه الشعوب والاُمم.

کما یتضح ممّا أوردنا أنّ الجهاد لم یندب بفعل الثواب المعنوی المترتب علیه، بل بسبب الآثار والمعطیات الکبیرة التی یفضی إلیها فی هذه الحیاة الدنیویة. فهل هناک من یطلب الذل والهوان ویرضى بغصب الحقوق وتضییعها وبالتالی یحث الخطى نحو الزوال والفناء؟! فان کان الجواب بالسلب، کان علینا أن نشدد حیازیمنا ونهب لخوض الجهاد والتحلی بالصبر والاستقامة من أجل درک معطیاته العظیمة فی الدنیا والآخرة وتحمل کافة الآلام والمصاعب کاحتمال المریض لمرارة الدواء من أجل التماثل للعافیة والشفاء.


1. الکافی 5 / 2، کتاب الجهاد، باب فضل الجهاد، ح 2.
2. لابدّ من الالتفات إلى أنّ الاضافة (لباس التقوى) فی التفسیر الأول من قبیل الإضافة اللامیة وفی التفسیر الثانی إضافة بیانیة.
3. سورة التوبة / 91 - 92.
4. «دیّث» من مادة «دیث» بمعنى الذلة والهوان، ومن هنا یصطلح بالدیوث على من لا یکترث لعفة أهله، کأنه قد ذلل حتى صار کذلک.
5. «صغار» بمعنى الذلة.
6. «القماءة» بمعنى الصغار والذل.
7. الأسهاب ذهاب العقل أو کثرة الکلام ، أی حیل بینه وبین الخیر بکثرة الکلام بلا فائدة ، وقد وردت بهذا المعنى فی الخطبة.
8. «أدیل» من مادة «دولة»، قال صاحب المقاییس لها معنیین; الأول التحول والانتقال، والآخر الضعف، وارید بها هنا المعنى الأول.
9. فسرها جمع من شرّاح نهج البلاغة بالذلة والهوان على أنّها من قبیل تکرار وتأکید العبارات السابقة، أمّا ما أوردته فی المتن فانه ورغم انسجامه مع المتون اللغویة الا أنه ینطوی على معنى جدید یأبى التکرار، وعلیه یبدو هو التفسیر الأنسب.
10. النصف والانصاف من مادة واحدة بمعنى العدل.

 

1 ـ الجهاد سر رفعة الشعوب وعزتهاالقسم الأول
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma