الاجتماع على الباطل والفرقة عن الحق

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
تأمّل: علة هذا الذمالقسم الثالث

یتناول الإمام (علیه السلام) بالتحلیل العوامل الاُخرى لتقهقر أهل الکوفة وتراجعهم إلى جانب ذمهم ولومهم، بما یوقظ ضمائرهم ویدفع بهم باتجاه الصمود بوجه العدو والحؤول دون تسلله إلى البلاد، فقد قال (علیه السلام) «فیا عجب(1) عجباً ـ والله ـ یمیت القلب ویجلب الهم من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرقکم عن حقکم». إنّما یکون التعجب والاندهاش حیث الاُمور التی تخرج عن المسار الطبیعی أو تکتنفها العوامل المجهولة أو غیر المألوفة ; الأمر الذی یطالب أنصار الحق ویوازع من إیمانهم القوی بالدفاع والصمود والمقاومة، بینما یقف أتباع الباطل مکتوفی الأیدی وعدم الدفاع عن الحق لافتقارهم للدوافع التی تؤدی إلى ذلک الدفاع، ومن هنا فاذا شوهد أصحاب الحق یعیشون الفرقة والاختلاف وضعف الإرادة، بینما تحکم الوحدة والأخاء أتباع الباطل، فان ذلک مدعاة للذهول والعجب. فإمام أهل العراق هو علی بن أبی طالب (علیه السلام) الذی نص رسول الله (صلى الله علیه وآله) على ولایته إلى جانب مبایعته من قبل أهل المدینة ومکة من المهاجرین والأنصار وسائر المسلمین من المناطق الإسلامیة، کما کانت دلائل أحقیته من زهد وعلم وفضیلة وعدالة واضحة للجمیع، بینما کان إمام الشام معاویة المعروف بطغواه وحبه للجاه والمنصب وسوابقه المشینة فی الإسلام والجاهلیة والتی لم تکن خافیة على أحد، أفلیس من العجب أن یهب أهل الشام لنصرة باطلهم ویقفون بوجه الحق، وینفرج أهل الحق عن الإمام (علیه السلام) فینقضون میثاقهم وینکثون بیعتهم؟! ومن هنا اشتد استیاء الإمام (علیه السلام) علیهم فجعل یذمهم ویلومهم، بعد أن جعلوا أنفسهم فی هذه الحالة المزریة «فقبحاً لکم وترح(2) حین صرتم غرضاً یرمى، یغار علیکم ولا تغیرون، وتُغزون ولا تَغزون، ویعصى الله وترضون». فالواقع یوجز الإمام (علیه السلام) ما یدعوه لذمهم فی أمر واحد یکمن فی الضعف والتواکل والخذلان إلى الحد الذی یمنح الأعداء الجرأة فی شن الحملات تلو الحملات والغارات تلو الغارات فیسفکون دماء الأبریاء، ولیس لهؤلاء من ردود فعل سوى الصمت والسکوت تجاه هذه المجازر المروعة! ثم یتطرق الإمام (علیه السلام) إلى دلیل آخر دعاه لذم هؤلاء والذی أدى بهم إلى ذلک الضعف والذی یکمن فی التعلل بحر الجو وبرودته التی لا تلعب دوراً فی القتال، فقال (علیه السلام): «فاذا أمرتکم بالسیر إلیهم فی أیام الحر قلتم هذه حمارة(3) القیظ(4) ; أمهلنا یسبخ(5) عنا الحر. وإذا أمرتکم بالسیر إلیهم فی الشتاء، قلتم: هذه صبارة(6) القر، أمهلنا ینسلخ(7) عنا البرد ; کل هذا فراراً من الحر والقر(8)، فاذا کنتم من الحر تفرون، فأنتم ـ والله ـ من السیف أفر!».

وکأنّ المیدان لا یصلح للقتال إلاّ فی أیّام الربیع وفی ظل الأرض المخضرة والحشائش النظرة والطیور المغردة والمیاه المتدفقة، فیدحر الجند أعدائهم بعصا سحریة دون الحاجة إلى العدة والعدد.

وکأن هؤلاء الجهال قد تناسوا تأریخ الإسلام رغم عدم مرور فترة علیه بحیث زحف النبی (صلى الله علیه وآله) بصحبه من المدینة إلى تبوک بعد أن قطعوا تلک المسافة الشاسعة خلال الصحراء الجرداء وفی ظل حرارة الشمس المحرقة على تلک الرمضاء ولم یکن لدیهم ما یکفی من الماء والغذاء، وهکذا تحملوا سائر الصعاب والمعضلات فی الحروب والغزوات لیقفوا کاللیوث أمام الأعداء من خصوم الدعوة، ولو کانوا یأتون ما أتى جیش الکوفة ویتعللون بما تعللوا به لما نمت شجرة الإسلام ولا اخضر لها عوداً، بل لم یکتب النصر لأی جیش فی العالم حین یعیش الجنود حالة من الضعف والوهن والجبن، ولم یکن نصیبهم سوى الفشل والهزیمة والذلة والهوان. والواقع أنّ کلام هؤلاء لیشبه ما قاله الکفار والمنافقون من قبل فی صدر الإسلام «لا تنفروا فی الحر» فرد علیهم القرآن بالقول (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ کانُوا یَفْقَهُونَ)(9). فأهل الکوفة کانوا یریدون بهذه الأعذار الواهیة التهرب من مواجهة العدو وقتاله، حیث تسرب إلیهم النفاق بفعل ضعف ایمانهم بمبادئ الإسلام وإمامهم علی بن أبی طالب (علیه السلام).

على کل حال فانّ المجاهدین الحقیقیین الذین یقتحمون المیدان ویخوضون غمار الجهاد ویسطرون الانتصارات إنّما هم اُولئک الذین لا یبالون بمصاعب الطقس والمناخ ولا یکترثون إلى مشاکل الطریق وتحمل العناء فی هذا المجال، وممّا لاشک فیه ان العدو اذا شعر بأنّ خصمه یتحفظ عن القتال بسبب بعض المشاکل الطبیعیة من قبیل حرارة الجو وبرودته فانّه سیستغل هذا الأمر کنقطة ضعف ویوظفها لصالحه بشن الحرب أملاً بتحقیق الانتصار.


1. یا عجباً عجباً، قال بعض شرّاح نهج البلاغة أن العبارة «فیا عجباً عجباً» أصلها «عجبت عجباً...» ; أی منصوبة على أنها مفعول مطلق. کما احتمل أن تکون عجباً الأولى من قبیل المفعول المطلق والثانیة للتکرار والتأکید (شرح نهج البلاغة لابن میثم 2 / 36) وقال البعض تقدیرها «یا عجبی احضر» (شرح نهج البلاغة للعلامة الخوئی 3 / 392) ویبدو هنا التفسیر أنسب لأن تکون «عجباً» منادى.
2. «ترحاً» تعنی الحزن والغم فقد دعا علیهم الإمام (علیه السلام) بهذه العبارة بالحزن والهم.
3. «حمارة» من مادة «حمر» بمعنى اللون الأحمر، ویطلق على شدة حرارة الصیف المحرقة، وکأن شدة الحرارة کحمرة النار.
4. «قیظ» على وزن فیض بمعنى الحرارة الشدیدة للصیف، وعلیه فاضافة حمارة إلى قیظ تأکید للحرارة.
5. «یسبخ» من مادة «سبخ» بمعنى التخفیف والتسکین.
6. «صبارة» من مادة «صبر» بمعنى حبس الشیء وحفظه، وتطلق الصبارة على شدة البرودة.
7. «ینسلخ» من مادة «سلخ» بمعنى إزالة القشر ومن هنا یطلق السلاخ على من یزیل جلد الحیوان، ثم اطلقت على کل فصل وإزالة.
8. قر له معنیان ; الأول البرد والثانی الاستقرار فی مکان، ولا یبعد أن یعود المعنى الأول إلى الثانی، لأنّ البرد الشدید یصد الإنسان عن العمل.
9. سورة التوبة / 81 .

 

تأمّل: علة هذا الذمالقسم الثالث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma