الصنف الخامس: أولیاء الله

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
القسم الرابعالقسم الثالث

بعد أن فرغ الإمام (علیه السلام) من ذکر الأصناف الأربعة، تطرق إلى الصنف الخامس، وهم أولیاء الله وجنود الحق وأخیار الاُمّة الذین اقصوا عن المجتمع وعادوا غرباء فیه بفعل تسلم زمام الاُمور من قبل الأصناف الأربعة المذکورة.

وقد لفت الانتباه إلى عظمتهم بالتعبیر عنهم بالرجال، بینما عبر عن الأصناف الأربعة بالناس.

والحق أنّ الإمام (علیه السلام) یرى الصنف الخامس هو محور المجتمع ویحث أتباعه لان یکونوا ضمن هذا الصنف. فقد قال(علیه السلام):«وبقی رجال غض أبصارهم ذکر المرجع وأراق دموعهم خوف المحشر».

وقوله: «غض أبصارهم» لایراد به إغماض العین، بل النظرة الشمولیة والشعور بمسؤولیتهم تجاه الله سبحانه ویوم القیامة، الشعور الذی إرعش قلوبهم وأراق دموعهم.

فلیس هنالک أکثر خشیة من ذلک الیوم لمن آمن بالله والیوم الآخر ومحکمة العدل الإلهی، کیف لا وهو الیوم الذی تطرح فیه الحجب وتبلى فیه السرائر وتتمثل الأعمال التی صدرت من الإنسان طیلة عمره فتنتظر الحساب والجزاء.

ویرى بعض شرّاح نهج البلاغة(1) أنّ المرجع فی العبارة المذکورة بمعنى القبر والمحشر القیامة، ولکن بالاستناد إلى التعبیرات القرآنیة فان المفردتین وردتا بمعنى واحد، وعلیه فیبدو الفارق فی عدم تکرار اللفظ لا المعنى.

والواقع أنّ هذه التعبیرات قد اُقتبست من الآیة القرآنیة الشریفة (رِجالٌ لا تُلْهِـیهِمْ تِـجارَةٌ وَلا بَـیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِیتاءِ الزَّکاةِ یَخافُونَ یَـوْماً تَتَقَـلَّبُ فِـیهِ القُلُوبُ وَالأَبْصار).(2)

ثم تطرق (علیه السلام) إلى مصیر هذا الصنف فی المجتمعات التی تسودها الأصناف الأربعة، بحیث لاینجو کل فرد فیه من خمس: النزوح من البلد والتشرید والتغریب، الخوف واللواذ فی زاویة، السکوت والصمت، الاشتباک بفعل عدم إعارتهم الاذان الصاغیة وسماع کلماتهم الحق أو الدعوة إلى الله باخلاص بعیون باکیة وقلوب حرى أملا فی التأثیر «فهم بین شرید(3) ناد(4)وخائف مقموع(5) وساکت مکعوم(6) وداع مخلص وثکلان (7) موجع».

وبالالتفات إلى «شرید» وناد من مادة فد بمعنى المنفرد الهارب من الجماعة إلى الوحدة(8)فانّ العبارات المذکورة إشارة إلى أنّ هولاء الأفراد لیسوا مع بعضهم حتى فی المنفى، وکل واحد منهم قد قذف فی بقعة; فالطغاة یخشون حتى اجتماعهم فی المهجر والعبارة «خائف مقموع» إشارة إلى أنّ الطغاة لایکتفون بتهدید هؤلاء الأفراد وإرعابهم، بل لایتورعون عن التضییق علیهم واستئصال شأفتهم واجتثاث جذورهم.

والعبارة «ساکت مکعوم» أنّ الظلمة لایقتنعون بصمت هؤلاء الأفراد وسکوتهم، بل یسعون دائما لکم أفواههم دون أن ینبسوا ببنت شفة.

والعبارة «داع مخلص» لا تفید دعوة الناس من أجل نیل المقام والثروة أو لیست هى دعوة دنیویة، بل الدافع من هذه الدعوة هو رضى الله وقیل بل المراد بالعبارة والداعی المخلص من یدعو الناس إلى الله والارتقاء بالمجتمع.

وأخیراً تشیر العبارة «ثکلان موجع» إلى أنّ الحزن والآسى، یخترق ظاهرهم لیعیشوه فی قلوبهم وأرواحهم. ثم عرض (علیه السلام) إلى سائر صفاتهم بعبارات قصیرة بعیدة المعانی یتخللها الاسى والأسف فقال (علیه السلام): «قد أخملتهم(9) التقیة».

فهؤلاء وإن کانوا مجاهدین أشداء، ولکن لما کان جهادهم لاینطوى سوى على أبادتهم فلم یعد أمامهم من سبیل سوى اللجوء إلى التقیة; التقیة التی تؤدی بهم فی خاتمة المطاف إلى العزلة والانطواء لیراهم الأعداء على أنهم أفراد جبناء، کما یراهم الأصدقاء خاملین لیسوا بذات قیمة، والحال أنّ الظروف تجعل من تقیتهم جهاداً ونهوضاً بالوظیفة «وشملتهم الذلة» هم أعزة عند الله وفی أنفسهم إلاّ أنّ غیاب القیم والمثل فی المجتمع جعله یراهم ضعفاء أذلة «فهم فی بحر أجاج».(10)

کیف لایعومون فی بحر مالح لایسعهم شرب ماء والاُمّة لم تقف إلى جانبهم وتدعم نهضتهم «أفواههم ضامزة(11)، وقلوبهم قرحة».

لیس هنالک من قلق لدى الأفراد الذین یعیشون اللااُبالیة فی مثل هذه المجتمعات، ولایقلقهم سوى منافعهم الشخصیة، أمّا المجاهدون الذین تکف أفواههم بالقوة، إنّما یتحرقون الماً وقلوبهم تشعر عمق الفاجعة ذهب بعض شرّاح نهج البلاغة(12) إلى أنّ المراد بقلوبهم قرحة أنّها تخاف الله، بینما تشیر قرینة الکلام إلى أنّ قروح قلوبهم إنّما تعزى الى الفساد الذی لایستطیعون القضاء علیه ولعل هناک من ینسب هذه المفردات من قبیل الضعف والعجز والسکوت والتقیة إلیهم کنتیجة لأعمالهم وعدم قیامهم فی الوقت المطلوب، ومن هنا نبه الإمام(علیه السلام) إلى إزالة هذا الظن فقال(علیه السلام): «قد وعظوا حتى ملوا، وقهروا حتى ذلوا، وقتلوا حتى قلّوا».

فقد خاضوا الجهاد على کافة المستویات وبشتى الطرق والاسالیب، من خلال الوعظ باللسان إلى جانب النهضة المسلحة وتقدیم الضحایا حتى کثر القتل فی صفوفهم فقل عددهم، وذلک لأنّه لم یکن لهم نصیر و لم یکن هنالک من توازن فی القوى مع أعدائهم الذین یفوقونهم عددا وعدة. فقد قاتلوا على أمل تحقیق النصر وإجتثاث جذور الفساد ولم تبق منهم إلاّ قلّة لم یکن أمامها سوى التقیة حفظا لنفسها ودینها.

والعبارة «قتلوا حتى قلوا» لا تعنی أنّهم وتروا ولم یبق منهم إلاّ القلیل، بل تعنی أستشهد فریق منهم وبقی فریق آخر، والعبارة من قبیل إسناد أوصاف الجزء إلى الکل.

وهنا یطرح هذا السؤال: الاستضعاف المذکور یتعلق بأی زمان، والإمام (علیه السلام)کان هو الذی یحکم المجتمع؟ وتأمل تأریخ عصر الإمام (علیه السلام)یوضح الاجابة على هذا السؤال، کما ورد ذلک فی بعض کلماته من أنّ الفساد الاجتماعی کلمة فی عصره بلغ درجة بحیث خفت شعاع شمس حکومة الإمام (علیه السلام) فی الکوفة وأطرافها، وقد اجتمعت لکمة سائر المناطق من قبیل الشام ومصر التی عاشت ذروة الشر والفساد والانحراف على إقصاء الصالحین عن مرح الأحداث.


1. فی ظلال نهج البلاغة، الخطبة المذکورة.
2. سورة النور / 37.
3. «شرید» من مادة «شرد» بمعنى هروب الناقة، ثم اطلقت على کل من یهرب من قومه.
4. «ناد» من مادة «ند» بمعنى المنفرد الهارب من الجماعة إلى الوحدة.
5. «مقموع» من مادة «قمع» بمعنى المقهور والمغلوب، وتعنی الاقتلاع أیضاً.
6. «مکعوم» من مادة «کعم»، کعم البعیر بمعنى شد فاه، ثم اتسعت لتطلق على کل فم یشد.
7. «ثکلان» من مادة «ثکل» بمعنى فقد الاحبة، کما وردت بالنسبة للإنسان الذی یعیش العزاء بمعنى الشخص الباکى الحزین.
8. شرح نهج البلاغة محمد عبده والعلامة الخوئی وابن أبی الحدید.
9. «أخمل» من مادة «خمل» بمعنى أسقط ذکره حتى لم یعد له بین الناس نباهة.
10. «اجاج» من مادة «أجج» بمعنى الملوحة والمرارة.
11. «ضامزة» من مادة «ضمز» بمعنى السکوت والتحفظ عن الکلام
12. شرح نهج البلاغة لابن میثم، والعلاّمة الخوئی وفی ظلال نهج البلاغة لمحمد عبده.

 

القسم الرابعالقسم الثالث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma