الشرح والتفسیر

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
1 ـ أساس الفتن نظرة إلى الخطبة

هناک کلام بین المفسرین والشرّاح بشأن زمان الخطبة والظروف التی رافقتها، فیرى البعض أنّه خطبها بعد ستة أیّام من خلافته، بینما یرى البعض الآخر أنّه خطبها بعد التحکیم، وبالطبع فانّ الخطبة تنسجم والاحتمالین; أی أن تکون الخطبة فی بدایة الخلافة أو بعد التحکیم. فقد إستهل الإمام(علیه السلام) الخطبة بالإشارة إلى سبب ظهور الفتن فی المجتمعات الإسلامیة التی تشمل ما بعد وفاة رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) وبعض الحوادث کالجمل وصفین والنهروان فقال: «إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع وأحکام تبتدع(1) یخالف فیها کتاب اللّه». نعم أساس الفتن أمرین: اتباع أهواء النفس والاحکام الموضوعة المخالفة لکتاب اللّه والسنة، فمما لا شک فیه أنّ الفتن ستقبر لو کانت التعالیم الإسلامیة والاحکام القرآنیة هى السائدة وحفظت هذه القوانین والأحکام ومنعت البدع وابتعد عن الأهواء فی إجراء الأحکام الشرعیة; وذلک لأنّ هذه القوانین تهدف بسط العدل والقسط وتضمن حقوق الناس وتعین وظائفهم. فالفتنة تفرزها الأهواء وتحریف القوانین لصالح الأطماح الشخصیة وغیاب العدل وتضییع الوظائف والاقبال على البدع. فاصحاب الفتن یلجأون تارة إلى التحریف والتفسیر الخاطئ لاشباع أهوائهم ورغباتهم، وإذا تطلب الأمر وضع بعض الاحکام الجدیدة، أقبلوا على البدع، صحیح أنّ تلک البدع تفرزها الأهواء، إلاّ أنّ الأهواء والرغبات الشیطانیة قد تتبلور أحیاناً کتفسیر وإجراء للأحکام الشریعة واُخرى کبدع واحکام موضوعة، ومن هنا فصلاً عن بعضها فی کلام الإمام(علیه السلام). على سبیل المثال یمکن الاشارة هنا إلى فتنة بنی أمیة التی تعد من أکبر الفتن التی شهدها الإسلام فقد إستولى معاویة بواسطة المکر والخداع على الحکومة ثم ابتدع توریثها فی ولده، وادعى أنّ زیاد ابن أبی سفیان وأخذ البیعة لیزید فی حیاته، وسن سب أمیرَالمؤمنین علی(علیه السلام) من على المنابر ثم اتهمه بقتل عثمان وطالب بدمه.(2) ثم قال(علیه السلام) «ویتولى(3) علیها رجال رجالاً على غیر دین اللّه» ثم أشار فی العبارة اللاحقة إلى وسائل هذا العمل، التی استغلت من قبل الجناة والطواغیت طیلة التأریخ حتى أصبحت سنة، وهى أنّهم یمزجون الحق بالباطل من أجل تحقیق أطماعهم وأغراضهم «فلو أنّ الباطل خلص من مزاج الحق لم یحف على المرتادین(4)، ولو أنّ الحق خلص من لبس الباطل إنقطعت عنه السن المعاندین» فما أروع هذه العبارة، لو خلص الباطل من مزاج الحق لما کان هناک من یتبعه، ولو خلص الحق من لبس الباطل لخرست ألسن المتخرصین، ولذلک فمن البدیهی ألا یحل الحق الخالص مشاکل عبدة الأهواء، لأنّ منافعهم کامنة فی الباطل، ولا الباطل الخالص یحقق لهم أغراضهم، لأنّ الناس لا یقفوف إلى جانبهم، وهنا یتجهون صوب خلط الحق بالباطل; الأمر الذی یجسد کافة السیاسات المخربة فی العالم. ثم قال الإمام(علیه السلام)بهذا الشأن «ولکن یؤخذ من هذا ضغث(5)ومن هذا ضغث فیمز جان فهنالک یستولی الشیطان على أولیائه، وینجو (الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الحُسْنى). فالعبارة تفید أنّ خلط الحق والباطل لا یمنع من معرفة الباطل وان تطلب ذلک قدرا من البحث والتحری والرجوع إلى الآخرین، ومن هنا قال الإمام(علیه السلام) بأنّ خلط الحق بالباطل لایؤثر فی أولیاءاللّه، بینما یؤثر على أولیاء الشیطان فیقودهم إلى الغوایة والظلال. فالواقع هو أنّ مزج الحق بالباطل بمثابة الضوء الأخضر لعبدة الأهواء وذریعة لاتباع الشیطان لخداع أنفسهم فیستدلوا على الآخرین بأنا سلکنا هذا لطریق لأنا إعتمدنا الدلیل الفلانی (الذی یمثل الحق الممزوج بالباطل). نعم یمکن أن یقع بعض المستضعفین الفکریین والسذج جهلاً فی حبائل الشیطان، والحال لو کان لهم زعیم ومرشد لما شهدوا مثل هذا المصیر وعلیه فالامة إزاء مزج الحق بالبطل على ثلاثة طوائف:

الطائفة الاولى (إِنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الحُسْنى)(6) وبعبارة اُخرى المخلصون من اتباع الحق ینجون بلطف اللّه من هذه الفتنة. الطائفة الثانیة عبدة الأهواء أتباع الحجج والذرائع الذین یقتحمون الباطل بذریعة الحق فیتجهون عن شبه علم إلى حبائل الشیطان. الطائفة الثالثة السذج من الأفراد الذین یتعذر علیهم تمییز الحق من الباطل فی ظل هذا المزج الخطیر فیسقطون جهلاً فی مصائد الشیطان، إلاّ أن یرکنوا إلى زعیم عالم. وقد ورد مثل هذا المعنی فی الخطبة 38 حین عرض الإمام(علیه السلام)للشبهة وسبیل النجاة منها فقال(علیه السلام)«وإنّما سمیت الشبهة شبهة لأنّها تشبه الحق، فأما أولیاء اللّه فضیاؤهم فیها الیقین، ودلیلهم سمت الهدى، وأما أعداء اللّه فدعاؤهم فیها الضلال...».


1. «تبتدع» من مادة «بدعة» بمعنى حدیثة الظهور، وتستعمل بشأن الاحکام المخالفة لکتاب اللّه والسنة النبویة.
2. راجع کتاب الغدیر / 10.
3. «یتولى» من مادة «تولى» بمعنى الاتباع. وتأتی أحیانا بمعنى الإقتراب والسیطرة على المقام والمنصب إلا أن المراد هنا المعنى الأول.
4. «مرتادین» من مادة «ارتیاد»، الطالبین للحقیقة.
5. «ضغث» على وزن حرص قبضة من حشیش مختلط فیها الرطب بالیابس، کما یطلق الضغث على الاحلام المزعجة، وقد وردت فی العبارة بمعنى بعض من الشیء.
6. العبارة إقتباس من الآیة 101 من سورة الأنبیاء «إِنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنّا الحُسْنى أُولـئِکَ عَنْها مُبْعَدُونَ» التی وردت بعد الحدیث عن جهنم، فی اشارة إلى أنّ هذه الطائفة ناجیة من النار، ولما کانت فتن الدنیا هى جهنمها، فقد استثنى(علیه السلام)هذه الطائفة من هذه الفتن.

 

1 ـ أساس الفتن نظرة إلى الخطبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma