إحذروا العدو

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثانی
1 ـ علة عدم ذکر الإمام(علیه السلام) للشخص المقصود بالخطبة نظرة إلى الخطبة

کما أوردنا سابقا على ضوء الأحادیث والروایات أن الإمام(علیه السلام)تنبىء بحکومة معاویة وما تفضی إلیه هذه الحکومة من مفاسد فقال: «أما إنّه سیظهر علیکم بعدی رجل رحب، البلعوم(1)، مندحق(2) البطن، یاکل ما یجد ویطلب ما لایجد». یمکن أن تکون العبارة إشارة إلى وضعه الظاهری، حیث تفید بعض الروایات أنّه کان بهذه الصفات، ومن هنا کان أکول، ویمکن أن تکون کنایة عن حالته الروحیة والنفسیة فی ظل الحکومة، فی أنّه حریص وتوسعی ولا یشعبه شیئا من الحکومة، ولا یبعد أن یکون المراد کلا المعنیین الروحی والجسمی أو الحقیقی والکنائی، وذلک لانه جمع النوعین من هذه الصفات.

ثم قال(علیه السلام): «فاقتلوه ولن تقتلوه» قطعاً أنّ مخاطب الإمام(علیه السلام) بهذه العبارة هم أهل العراق، وکان یعلم الإمام(علیه السلام) بعدم قدرتهم على ذلک بسبب ضعفهم ووهن ارادتهم فی إتخذا القرار، أو أنّهم قد یستطیعون قتله إلاّ أنّهم لایمتلکون الشجاعة والإرادة التی ترفعهم إلى ذلک. أمّا لماذا حکم الإمام(علیه السلام) بقتله، فأوضح بسبب هو ذلک الفساد الذی أشاعه بین المسلمین لیکون مصداقا بارزاً للمفسد فی الأرض إلى جانب سلبه لأمن البلاد الإسلامیة وأخیراً إثارته المعارک التی سفکت فیها دماء المسلمین. وناهیک عما سبق فقد ابتدع تلک البدع العظیمة التی غیرت معالم الدین إضافة إلى أمره بسبب أمیرالمؤمنین علی(علیه السلام)الذی قال بحقه رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)«من سب علیا فقد سبنی»(3). ثم تنبئ الإمام(علیه السلام)بهذه المسألة فقال: «إلاّ وإنّه سیأمرکم بسبی والبراءة منی» وهذا بدوره یکشف عن مدى الحقد والضغینة التی کان یکنها معاویة لعلی(علیه السلام)رغم علمه بفضائله التی صرح بها رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)وسمعها القاصی والدانی والتی تثبت بطلان حکومته، ومن هنا سعى جاهداً لیحول دون اطلاع أهل الشام على هذه الاحادیث تمهیدا إلى منعها بالمرة وتحریفها. ثم أصدر أوامره بسب علی(علیه السلام) من على المنابر وفى خطب صلاة الجمعة، حتى کان ینبرى أحدهم لیقول خیر ما نختتم به خطبتنا سب أبی تراب، وبالطبع فانّ إشاعة السب تعنی عدم إمکانیة التحدث بالفضائل، وهذه أسوأ بدعة ابتدعها معاویة یتعذر تبریرها على أی متعصب حقود، وما أروع ما قال الشاعر بهذا الشأن:

أعلى المنابر تعلنون بسبه *** وبسیفه نصبت لکم أعواده(4)

الجدیر بالذکر أنّ بعض بطانة معاویة أذعن إلى أنّ السب بدعة ظالمة لترسیخ دعائم حکومة معاویة، ومنهم مروان بن الحکم، إلاّ أنّه لما سئل عن علة السب، أجاب: «إنّه لا یستقیم لنا الأمر ألا بذلک»(5). ثم أوصى الإمام(علیه السلام) بکیفیة التعامل مع هذه البدعة فقال «فامّا السب فسبونی، فانه لی زکاة ولکم نجاة وأما البراءة فلا تتبرأ وامنی، فانی ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإیمان والهجرة». ویبدو من هذه العبارة أنّ السب أمر واجب الزامی لا إباحی لأنّه یتضمن حفظ دماء الشیعة وایصال مبادئ مدرسة أهل البیت(علیهم السلام). إلاّ ان هذا الأمر قد یکتسب صفة الاباحة کما عبر عن ذلک علماء الاصول حیث أمر الوجوب یقتصر على احتمال المنع لتوهم الخطر، ومن هنا فان بعض تلامذه الإمام(علیه السلام)کرشید الهجری ومیثم التمار وقنبر وسعید بن الجبیر الذین صمدوا وأبوا سبوا علی حتى قتلوا فأنّهم لم یرتکبو أی خلاف، بل أتوا بعمل عظیم أهلهم للشهادة. ویتضح ممّا سبق بأنّ المؤمن إذا عرض للاساءة من قبل العدو أو دفع الناس لانتهاک حرمته فانّ ذلک لیس فقط لا یحط من قدره فحسب، بل یزیده عزة وکرامة. وهنا یبرز هذا السؤال: ما الفرق بین السب والبراءة بحیث أذن الإمام(علیه السلام)بالسبب ولم یأذن بالبراءة لثلاث: أولاً: أنّه ولد على فطرة الإسلام والإیمان، ثانیا: أنّه کان من السابقین للإسلام والتصدیق بالنبی(صلى الله علیه وآله)، والثالث: سبقه إلى الهجرة من مکة إلى المدینة؟ فقد کثر الکلام بین المفسرین بشأن الفارق بین السب والبراءة، لا یخلو بعضه من التکلف وعدم الاقناع، ویبدو أنّ الاقرب فی الفارق بینهما أحد أمرین: الأول أنّ سب الإنسان قد یکون إشارة إلى سوءه ولا یعطی مفهوم الکفر والشرک، أمّا البراءة فتعنی التبری من دینه ومعتقداته کما ورد ذلک فی الآیة الاولى من سورة التوبة: (بَرآءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إلى الَّذِینَ عاهَـدْتُمْ مِنَ المُشْرِکِـینَ)وعلیه فمفهوم البراءة من الإمام(علیه السلام) هو البراءة من الدین والإسلام، ومن هنا منع الإمام(علیه السلام) حتى من البراءة منه باللسان، فالواقع أنّ الإمام(علیه السلام) أذن بالإساءة إلى شخصه لکنه لم یأذن بالاساءة إلى دینه ولو لفظیاً ـ والآخر أنّ أغلب الناس یتصورون أنّهم إذا إجبروا على کلام لا یمکنهم الاقتناع بالألفاظ ولابدّ من أن ترافقه النیّة، ومن هنا فمن اُجبر على إجراء صیغة الطلاق فانه لابدّ أن یقصد اللفظ والمعنى حین الصیغة، ان کان طلاق المکره باطلاً إلاّ أنّه یتضمن قصد الانشاء ولذلک لایستدل الفقهاء على بطلان هذا الطلاق بعدم قصد المعنى، بل یستندون فی بطلانه على الاکراه، ویصدق هذا الأمر على السب، فقصد السب سیئ، الا أنّ قصد البراءة أسوأ، لأنّ الأول یهدف نفی حرمة الإنسان، أمّا الثانی فیهدف البراءة من دینه ومعتقده; أی إسلامه ولیس هنالک من مسلم مستعد لهذا العمل. والدلیل على ذلک الاُمور الثلاث التی ذکرها الإمام(علیه السلام) فی نهیه عن البراءة:

الأمر الأول: «فانّی ولدت على الفطرة». أما کیف عَلّل نهیَه لهم على البراءة منه علیه السلام، بقوله: «فإنّی ولدْت على الفطرة»; فإن هذا التعلیل لایختص به علیه السلام، لأن کلّ أحد یولَد على الفطرة; فقد قال النبی صلى اللّه علیه وآله: «کلّ مولد یولد على الفطرة; وإنّما أبواه یهودّانه وینصرانه».

والجواب، أنّه علیه السلام عَلّل نهیه لهم عن البراءة منه بمجموع اُمور وعلل; وهى کونه ولد على الفطرة، وکونه سبق إلى الإیمان والهجرة; ولم یعلل بآحاد هذا المجموع، ومراده ها هنا بالولادة على الفطرة أنّه لم یولَدْ فی الجاهلیة; لأنّه ولد علیه السلام لثلاثین عاماً مضت من عام الفیل; والنبی صلى اللّه علیه وآله أرسِل لأربعین سنة مضت من عام الفیل; وقد جاء فی الأخبار الصحیحة أنّه صلى اللّه علیه وآله مکَث قبل الرسالة سنین عشراً یسمع الصوت ویرى الضوء، ولا یخاطبه أحد; وکان ذلک إرهاصاً لرسالته علیه السلام فحُکْم تلک السنین العَشْر حکم أیّام رسالته صلى اللّه علیه وآله; فالمولود فیها إذا کان فی حجره وهو المتولّى لتربیته مولود فی أیام کأیام النبوّة، ولیس بمولود فی جاهلیة محضة، ففارقت حالُه حال مَنْ یدعى له من الصحابة ممّاثلته فی الفضل. وقد روى أنّ السَّنَة التى ولد فیها علىٌّ علیه السلام هى السنة التی بدئ فیها برسالة رسول اللّه صلى اللّه علیه وآله، فأُسمِع الهُتاف من الأحجار والأشجار، وکشف عن بصره، فشاهد أنواراً وأشخاصاً; ولم یخاطَب فیها بشیء. وهذه السَّنَة هى السنة التی ابتدأ فیها بالتبتّل والانقطاع والعزلة فی جبل حراء، فلم یزل به حتى کُوشِف بالرسالة، وأنزل علیه الوحی، وکان رسول اللّه صلى اللّه علیه وآله یتیّمن بتلک السنة وبولادة عَلیّ علیه السلام فیها، ویسِّمیها سنَة الخَیر وسنة البرکة; وقال لأهله لیلة ولادته، وفیها شاهد ما شاهد من الکرامات والقدرة الإلهیة، ولم یکن مِنْ قبِلها شاهد من ذلک شیئ: «لقد وُلد لنا اللیلة مولود یَفْتَحُ اللّه علینا به أبواباً کثیرة من النعمة والرحمة»، وکان کما قال صلوات اللّه علیه، فإنّه علیه السلام کان ناصره والمحامىَ عنه وکاشف الغّماء عن وجهه; وبسیفه ثبتَ دینُ الإسلام، ورست دعائمه، وتمهّدت قواعده علیه السلام.

الأمر الثانی «وسبقت إلى الإیمان» فقد أجمعت الاُمّة الإسلامیة على أنّ أول من أسلم بعد خدیجة الکبرى علی بن أبی طالب(علیه السلام). وتسالم الفریقان على أنّ علی(علیه السلام)أول من أسلم. وقال ابن أبی الحدید لم یتردد فی ذلک أحد من علماء الإسلام.(6)

الأمر الثالث: «والهجرة» کیف قال: «إنّه سبق إنّى الهجرة» ومعلوم أنّ جماعة من المسلمین هاجرو اقبله، منهم عثمان بن مظعون وغیره; وقد هاجر أبوبکر قبله، لأنّه هارج فی صحبة النبی صلى اللّه علیه وآله; وتخلف علیّ علیه السلام عنهما، فبات على فراش رسول اللّه صلى اللّه علیه وآله; ومکث أیّاماً یردّ الودئع التى کانت عنده، ثم هاجر بعد ذلک؟

والجواب، أنّه علیه السلام لم یقل: «وسبقت کلّ الناس إلى الهجرة»; وإنّما قال: «وسبقت» فقط; ولا یدلّ ذلک على سَبْقه للناس کافة; ولا شبهة أنّه سبق معظم المهاجرین إلى الهجرة، ولم یهاجر قبلَه أحد إلاّ نفر یسیر جداً.

وأیضا فقد قلنا إنّه علّل أفضلیَّته وتحریم البراءة منه مع الإکراه بمجموع أمور: منها ولادته على الفِطْرة، ومنها سبقه إلى الإیمان، ومنها سَبْقة إلى الهجرة; وهذه الاُمور الثّلاثة لم تجتمع لأحد غیره; فکان بمجموعها متمیّزاً عن کلّ أحد من الناس.


1. «بلعوم» على وزن «حلقوم» موضع مرور الطعام، ورحب البلعوم واسعه، أو کنایة لکثرة أکله.
2. «مندحق» من مادة «دحق» على وزن قطع بمعنى الدفع والابعاد وطرح الشی بعیداً، ولما کان کبر البطن یؤدی اِلى بروزها وکأنّها تطرح بعضها خارجا اِطلق على الشخص البطین مندحق البطن.
3. رواه الحاکم فی کتاب مستدرک الصحیحن 1 / 121 طبعة حیدر آباد.
4. بحارالانوار 45 / 137.
5. الغدیر 10 / 264.
6. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 4 / 115.

 

1 ـ علة عدم ذکر الإمام(علیه السلام) للشخص المقصود بالخطبة نظرة إلى الخطبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma