الثبات والمقاومة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
الخطبة67القسم الثانی

خاض الإمام(علیه السلام) فی هذا القسم من الخطبة برفع معنویات جنده وأوصاهم بالثبات فی القتال بغیة إستئصال شأفة العدو فقال لهم: «و اعلموا أنّکم بعین اللّه» فاذا علم الإنسان أنّه بعین سیده القادر على کل شئ والمحیط به فانه یستلهم منه العزم والقوة وعدم الشعور بالوحدة من جانب، ومن جانب آخر یلفت نظره إلى عظم المسؤولیة والوظیفة التی ینبغی أن ینهض بعبئها. وقد ورد هذا المعنی فی قصة نوح(علیه السلام) حین أمر بصنع السفینة (وَاصْنَعِ الفُلْکَ بِأَعْیُنِنا وَوَحْیِن)( 1) فی إشارة إلى أنّ العدو قد یحاول أن یعیقک عن القیام بهذا العمل من خلال السخریة والاستهزاء، أو من خلال ممارسة الحرب الدعائیة والضغوط النفسیة، فلا تکترث لهذه الاُمور ولا تخف فانّک تعمل وفق المشیئة الإلهیة الغالبة. وهو ذات المعنى الذی ألمحت إلیه الآیة الشریفة: (وَاصْبِرْ لِحُکْمِ رَبِّکَ فَإِنَّکَ بِأَعْیُنِن)(2) فی إطار رباطة جأش النبی الأکرام(صلى الله علیه وآله)حیال تکالب الأعداء. ثم قال(علیه السلام):«و مع ابن عمّ رسول اللّه» ابن عمه الموصوف باخوته ووصیه ومن کان یتبعه اتباع الفصیل إثر اُمه. وعلیه فلا ینبغی أن تشعروا بأدنى شک وتردید فی مسیرتکم فاندفعوا بکل ما أوتیتم من قوة لقتال عدوکم، هذا فی الوقت الذی یمثل فیه عدوکم سلالة أعداء رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)، فوالد معاویة هو أبو سفیان الذی کان أعدى أعداء رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) وعلیه فهو غاصب للخلافة لابدّ من مقاتلته وإعادته إلى الحق. أمّا تأکید الإمام(علیه السلام) على قرابته من النبی(صلى الله علیه وآله) ورغم کونه أمراً متعارفاً لدى العقلاء ـ الذین یرون قرابة الشخص أعلمهم بما جاء مالم یقم الدلیل على خلافه ـ إلاّ أنّه یمکن أن یکون إشارة إلى حدیث الثقلین الذی جعل فیه رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) أهل بیته فی مصاف القرآن ودعا الاُمّة إلى وصیتین هما فی الواقع بمثابة اللازم والملزوم، فقال: «فعاودوا الکرّ، واستحیوا من الفرّ، فإنّه عارٌ فی الاْعْقاب، ونارٌ یوم الحساب» فالعدو قد لاینهار من کرة واحدة ولابدّ من الکرة تلو الکرة لاضعاف العدو والقضاء علیه من جانب، من جانب آخر لا تحدثوا أنفسکم أبداً بالفرار من جبهات القتال، فانّ ذلک عار یوصم به جبینکم کما تجروه على أعقابکم من بعدکم فان الابناء یعیرون بفرار آبائهم(3)، وبغض النظر عن ذلک فان هذا الفرار سیکون وبالاً علیکم یوم الحساب فتردون النار، لأنّ الفرار من الزحف یعد من الکبائر، وقد أشار القرآن الکریم إلى هذا الأمر بقوله: (یا أَیُّها الَّذِینَ آمَنُوا إِذا لَقِـیتُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبارَ* وَمَنْ یُوَلِّهِمْ یَوْمَئِذ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتال أَوْ مُتَحَـیِّـزاً إِلى فِئَة فَقَدْ باءَ بِغَضَب مِنَ اللّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِـیرُ)(4). ثم یؤکد(علیه السلام)الجهاد بأمرین من قبیل اللازم والملزوم أیضاً فیقول: «و طیبوا عن أنفسکم نفس(5) وامشوا إلى الموت مشیاً سجح» سجح على وزن صحف تعنی المستقیم وهى تستعمل بشأن الطرق المستویة والمستقیمة، ولما کان المشی سهلاً فی مثل هذه الطرق فانّها تطلق على السهل أیضاً. ومن هنا ورد فی المثل العربی المعروف «ملکت فاسجح». فالإمام(علیه السلام)یرى أنّ الشهادة فی سبیل اللّه ضالة أهل الإیمان، فیؤکد علیهم عدم الاکتفاء برفض الخشیة والخوف من الشهادة، بل لابدّ من إستقبالها بکل رحابة صدر، فطریقها سهل یسیر ولابدّ من رکوبه لمعانقتها. وقد کان الإمام(علیه السلام)نموذجاً بارزاً لهذا الکلام حتى أقسم قائل: «واللّه لابن ابی طالب آنس بالموت من الطفل بثدی أمه»(6) وهو الذی صرح عند ما ضربه ابن ملجم: «فزت وربّ الکعبة».

ثم قال(علیه السلام) فی إشارة إلى مرکز تجمع جیش الشام والخیمة التی تربع داخلها معاویة: «وعلیکم بهذا السّواد الاْعْظم، والرّواق الْمطنّب، فاضْربوا ثبجه» فقد یطمع العدو وتشتد شوکته لو حمل علیه من هنا هناک مع مراعاة الحذر والاحتیاط، وعلى العکس من ذلک لو کانت الحملة مصوبة إلى قلب عسکر العدو لانهارت روحیة العدو وتحطمت معنویاته، فانّ الهجوم على المرکز یکشف عن مدى القوة والاقتدار، ومن هنا إستفاد الإمام(علیه السلام) هذه القضیة النفیة لیأمر جیشه بالهجوم على قلب العدو ومرکز قیادته. والسواد الأعظم کنایة عن التجمع الکبیر الذی یبدو أسوداً من بعید، والمراد به هنا عسکر الشام. الرواق على وزن کتاب غراب الفسطاط، وهو هنا إشارة إلى الخیمة الکبیرة المضروبة لمعاویة، المطنب المشدود بالأطناب جمع طنب بضمتین وهو حبل یشد به سرادق البیت والثبج بالتحریک الوسط وقوله(علیه السلام): «فاضربوا ثبجه» تعنی الهجوم على قلب جیش الشام وخیمة معاویة. ثم أورد الإمام(علیه السلام)الدلیل على ما قال: «فإنّ الشّیطان کامنٌ فی کسره(7)وقد قدّم للوثبة(8) یداً، وأخّر للنّکوص(9)رجل»، والمراد بالشیطان هنا معاویة حیث جمع الأفکار والأعمال الشیطانیة بینما ذهب بعض شرّاح نهج البلاغة إلى أنّه أراد بالشیطان عمروبن العاص، کما قیل قد یراد به الشیطان الحقیقی «ابلیس» الذی کان یتلاعب بمعاویة وعسکره آنذاک. وقد صور الإمام(علیه السلام)بهذه العبارة روحیة معاویة الذی کان یعد نفسه للهجوم من جهة وهو یهم بالنکوص والفرار من جهة اُخرى; ولا غرو فهذه هو الاسلوب المتبع لدى الساسة المادیین، فلیس لهم من هدف مقدس یقاتلون من أجله، ومن هنا یهربون هروب الشاة من الذئب إذا ما جابهتهم ثلة من المؤمنین. فقد صرح القرآن الکریم بشأن أعوان الشیطان فی مجابهتهم للمؤمنین وکیفیة تخلی الشیطان عنهم قائلاً: (وَإِذ زَیَّنَ لَـهُمُ الشَّـیْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَکُمُ الیَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنِّی جارٌ لَکُمْ فَلَمّا تَراءَتِ الفِئَتانِ نَکَصَ عَلى عَقِبَیْهِ وَقالَ إِنِّی بَرِیءٌ مِنْکُمْ إِنِّی أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّی أَخافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِیدُ العِقابِ)(10) ولا یقتصر هذا الأمر على الشیطان ـ ابلیس ـ فهذا هو دیدن شیاطین الانس الذین یزجون باتباعهم فی الأحداث الساخنة ثم یخذلونهم فی الظروف الحرجة. ثم إختتم الإمام(علیه السلام)خطبته قائل: «فصمداً صمداً!(11) حتّى ینجلى لکم عمود الحقّ (وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللّهُ مَعَکُمْ وَلَنْ یَتِرَکُمْ أَعْمالَکُمْ)» فالواقع إنّ هذه العبارة تمثل نتیجة لما أورده الإمام(علیه السلام)ودعا إلیه صحبه; أی أنکم قد وقفتم الآن على التعلیمات الکافیة والفنون القتالیة وکیفیة الهجوم على مرکز تجمع العدو، فما علیکم إلاّ الثبات والصمود والمقاومة لاندحار الباطل وانتصار الحق. ثم یعدهم بالنصر استنادا إلى البشارة التی تضمنتها الآیة 35 من سورة محمد(صلى الله علیه وآله): (وَاللّهُ مَعَکُمْ وَلَنْ یَتِرَکُمْ أَعْمالَکُمْ). وعلیه فالخطبة تمثل دروساً عظیمة فی التعرف على أسالیب القتال وعناصر النصر دون أن تقتصر على زمان الإمام(علیه السلام). ویشیر التأریخ إلى مدى التأثیر الذی لعبته کلمات الإمام(علیه السلام)حتى ورد فی کتاب صفین لنصربن مزاحم أنّ الإمام(علیه السلام)حین أورد هذه الکلمات ودعا صحبه أثناء صفین للهجوم على أهل الشام انطلق أکثر من عشرة الاف خلف الإمام(علیه السلام)ووثبوا إلى رماحهم وسیوفهم ونبالهم فانقضوا على جند معاویة حتى إقتربوا من خیمته فکاد یقضى علیه لو لاتلک الخدعة التی عمد إلیها ابن العاص فی رفع المصاحف على أسنة الرماح.(12)


1. سورة هود / 37.
2. سورة طه / 48.
3. لابدّ من الالتفات هنا إلى أنّ هذا التفسیر على أساس أنّ «أعقاب» جمع «عقب» على وزن نسب بمعنى الأولاد، وان کان عقب على وزن قفل بمعنى العاقبة وما یؤول إلیه الأمر فانّ مفهوم العبارة سیکون «إنّ الفرار من الجهاد عار فی عاقبة أمرکم» إلاّ أنّ التفسیر الأول أنسب.
4. سورة الانفال / 15 ـ 16.
5. جملة «طیبوا نفساً»، تستعمل کتعبیر عندما یستقبل الانسان شیئاً بالرضا وطیب الخاطر، وفی هذه الموارد تأتی بعنوان تمییز منصوب.
6. للوقوف بصورة أعمق على هذا الموضوع راجع الخطبة الخامسة من المجلد الأول.
7. «کسر» على وزن مصر شقه الأسفل، کنایة عن الجوانب التی یفر إلیها المنهزمون.
8. «وثبة» من مادة «وثب» على وزن نصر بمعنى الظفر والنصر، کما تعنی القفز للاستیلاء على الشئ.
9. «نکوص» بمعنى الانسحاب والتراجع عن القیام بعمل، وعادة ما تستعمل بشأن التراجع عن اَعمال الخیر.
10. سورة الانفال / 48.
11. «صمد» على وزن حمد، وجاء على معنیین، أحدهما «القصد» والثانی «الاستحکام والصلابة» ولیس مستبعد ان یکون یرجع أصل المعنیین إلى أصل واحد، لان القصد یحصل اذا کان هناک استحکام وصلابة خاصة.
و«صمد» على وزن سبب، بمعنى الشخص الذی یقصده المحتاجون، وتعنی: المکان الرفیع والسامی، وکذلک یأتی بمعنى الشیء المحلوء، وکل هذه المعانی لها تناسب مع المعنى الاصلی لهذا الاصطلاح.
وقد ورد فی الجملة اعلاه کتعبیر عن المقاومة والصمودُ البصر والتحمل فی مواجهة العدو.
12. شرح نهج البلاغة للمرحوم تسترى 13/543. 

 

الخطبة67القسم الثانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma