الشکوى من الاتباع الجهلاء

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
1 ـ علی(علیه السلام) أول من أسلم نظرة إلى الخطبة

کما أشرنا سابقا فانّ الإمام(علیه السلام) خطب هذه الخطبة بعد موقعة صفین، حیث بات النصر الحاسم وشیکاً، بینما إنشقت طائفة من جیش الإمام(علیه السلام) إثر حیلة معاویة وعمرو بن العاص ففقدت فرصة النصر، وأنکى من ذلک أحدثت شقاقاً وخلافاً فی جیش الإمام(علیه السلام)، الخلاف الذی بلغ ذروته حتى أدى إلى وقوع تلک الحرب الأهلیة. فالإمام(علیه السلام) وبفعل هذه الحادثة المروعة الألیمة یذم أهل العراق ویقول: «أمّا بعد یا أهل العراق، فإنّما أنتم کالمرأة الحامل، حملت فلمّا أتمّت أملصت( 1) ومات قیّمها، وطال تأیّمها،(2) وورثها أبعده» فالعبارة تتضمن عدّة تشبیهات: الاولى شبه أهل العراق بالمرأة حیث لم یدافعوا برجولة عن عزتهم وشرفهم، ثم لم یکتف بهذا التشبیه لیضیف إلیه الحمل حیث کان باستطاعتهم وبطاعتهم للإمام(علیه السلام) أن یلدوا ذلک النصر المبارک الذی یضع حدا لغارت أهل الشام وتطاولهم على حرمة الإسلام والمسلمین، إلاّ أنّهم أسقطوا ذلک النصر فی آخر اللحظات بفعل جهلهم. فقد خدع القوم بحیلة عمرو بن العاص حین رفع المصاحف على أسنة الرماح، فتعالت الأصوات بالرجوع إلى القرآن، حتى هدد الإمام(علیه السلام)بالقتل إذا لم یرجع مالک الأشتر ویکف عن القتال ولم یکن سوى بضع خطوات بینه وبین معاویة. فمثل هذه المرأة إذا فقدت زوجها ولم تحظ بزوج مناسب وماتت غصة فی هذه الدنیا، فمن الطبیعی أن یرثها الأبعد، فلیس لها من ولد یکون لها إمتداداً، ولیس لها زوج یبکیها (على فرض أنّ لیس لها أب وأم). وذهب البعض إلاّ أن هذا الکلام إشارة إلى نبوءات على ما سیصیب أهل العراق من جراء سوء تدبیرهم فی صفین، حیث سیفقدون إمامهم لجهلهم وتمردهم فیسلط علیهم البعداء فیسومونهم سوء العذاب، وهذا ما وقع بالفعل، ثم یتطرق الإمام(علیه السلام) إلى هجرته من المدینة إلى الکوفة التی إستندت إلى الاضطرار ولیس فیهم ما یجعل الإمام(علیه السلام) یهاجر إلیهم، على العکس من أهل المدینة الذین إندفع إلیهم رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)، وقد کانوا أهلاً لحب رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)وإقباله علیهم. فقال: «أما والله ما أتیتکم اختیاراً; ولکن جئت إلیکم سوق». والتأریخ یشیر إلى هذه الحقیقة وهى لولا موقعة الجمل لما إنطلق الإمام(علیه السلام) إلى البصرة، ولو کان لأهل الحجاز أن یقضوا على فتنة الناکثین لما إستنجد بأهل الکوفة، ولولا خطر معاویة الذی کان یهدد البلاد الإسلامیة لما إستقر الإمام(علیه السلام)فی الکوفة وهجر المدینة وغادر قبر رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)وسیدة النساء. والواقع أنّ العبارة رداً على إشکال فی علة قدوم الإمام(علیه السلام)إلى الکوفة وهى بهذه الصفات الذمیمة، فقد أجیب عن هذا الإشکال بأنّ الإمام(علیه السلام)أتى مجبراً لا مختاراً. ثم قال(علیه السلام)«و لقد بلغنی أنّکم تقولون: علیٌّ یکذب، قاتلکم الله تعالى! فعلى من أکذب؟ أعلى الله؟ فأنا أوّل من آمن به! أم على نبیّه؟ فأنا أوّل من صدّقه» فالحقیقة التی لاغبار علیها هى أنّ الإمام(علیه السلام) أول من آمن من الرجال باللّه، کما تشیر حیاته إلى أنّه لم یسجد لصنم ولم یعبد سوى اللّه وأنّه أول من صدق برسول اللّه(صلى الله علیه وآله)ووقف إلى جانبه طیلة الدعوة. ولعل الکلام یشیر إلى بعض إخباره بالمغیبات والحوا دث التی کانت خافیة على أولئک الناس، وقد انطلق ذلک التکذیب من قبل تلک الفرقة المنافقة التی کانت متغلغلة فی صفوف أهل الکوفة والتی کانت تنسب الإمام(علیه السلام)إلى الکذب کلما أخبر عن وقوع بعض الحوادث بصفته «تعلّم من ذی علم». کما یمکن أن تکون العبارة إشارة إلى الأحکام والمعارف الإسلامیة التی تعلمها الإمام(علیه السلام)من القرآن الکریم أو من النبی(صلى الله علیه وآله)وعجزت أفکار المنافقین عن إدراکها وفهمها. وقد صرح ابن أبی الحدید قائلاً: وإذا تأملت أحواله فی خلافته کلها وجدتها هى مختصرة من أحوال رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) فی حیاته، کأنّها نسخة منتسخة منها فی حربه وسلمه وسیرته وأخلاقه وکثرة شکایته من المنافقین من أصحابه والمخالفین لأمره، وإذا أردت أن تعلم ذلک علماً واضحاً فاقرأ سورة «براءة» ففیها الجم الغفیر من المعنى الذی أشرنا إلیه(3). ومن الواضح أنّ أول موحد ومؤمن باللّه ومصدق بالنبی(صلى الله علیه وآله)لایکذب قط ولایتکم بما لایعلم إنما یفتری الکذب من لا یؤمن باللّه ولایعرف للورع والتقوى من معنى. بعبارة أخرى: فان کافة معارف الإمام(علیه السلام)حتى الأخبار الغیبة التی کان یحدث عنها إنّما کانت دروساً تعلمها من النبی(صلى الله علیه وآله)، فهل من سبیل إلى الکذب لهذه الأخبار من قبل تلمیذ النبی(صلى الله علیه وآله)وربیبه الوفی علی(علیه السلام)؟ إلاّ أنّ المنافقین عمی الابصار والبصائر لایرون سوى منافعهم، من هنا کانوا حریصین على تشویه سمعة الإمام(علیه السلام). ثم یختتم الإمام(علیه السلام)خطبته قائل: «کلاَّ والله! لکنَّها لهجةٌ(4) غبتم عنها، ولم تکونوا من أهلها ویل اُمّه(5) کیلا بغیر ثمن! لو کان له وعاءٌ، ولتعلمنّ نبأه بعد حین» والمراد بالعبارة «لکنّها لهجةٌ غبت م عنه» ـ وبالالتفات إلى أنّ اللهجة هنا تعنی الحقائق الغائبة عنهم ـ أنّ تکذبیکم وإنکارکم إنّما یستند إلى جهلکم وضحالة أفکارکم وعدم علمکم بالأسرار التی تعلمتها من رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)والقرآن، ولاعجب فـ «النّاس أعداء ما جهلو».

أمّا العبارة «ویل اُمه» ـ التی تفید الترحم والتعجب کما ترد أحیاناً للدعاء بالشر ـ فلها معنیان لدى الشرّاح; المعنى الأول: تأسفه(علیه السلام) من الجهود التی بذلها بحق اُولئک المردة، والثانی: لعن المنافقین الذین دأبوا على الفساد والانحراف أبان حکومته(علیه السلام)، ویبدو المعنى الثانی أنسب.


1. «أملصت» من مادة «ملص»، أسقطت وألقت ولدها میتاً، کما تعنی فقد ان الشئ سریعاً.
2. «تأیم» من مادة «ایم» على وزن زید فقدان الزوج وتستعمل بشأن الزوج والزوجة.
3. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 6/129.
4. «لهجة» من مادة «لهج» على وزن فلج، ویأتی معنى هذا اللفظ أحیانا بمعنى الملازمة وأحیانا بمعنى الاختلاط والمعاشرة وأحیانا بمعنى العلاقة الشدیدة بالشیء، وکذلک فان اللهجة ملازمة للغة الانسان، وتطلق على مجموعة مختلطة من الامور، أما فی الجملة أعلاه فالاصطلاح جاء بمعنى الاسرار والمفاهیم الخاصة.
5. «ویل امه»: عبارة مرکبة من (ویل) التی تأتی للدعاء أو التعجب وأمه مضافة إلى ویل إن کان مبتدأ، کما یمکن أن تکون مبتدأ وخبرها محذوف وتقدیر العبارة «ویل أمه ثابت أو کائن» فان قرأت منصوبة فهى منادى وأصلها (یا ویل أمه) وقد وردت بکلمة واحدة فی بعض النسخ ولا یفرق ذلک فی المعنی. 

 

1 ـ علی(علیه السلام) أول من أسلم نظرة إلى الخطبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma