العدو اللدود للمنحرفین

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
الخطبة 76نظرة إلى الخطبة

یعتبر قتل عثمان ـ إثر البذخ والتطاول على بیت مال المسلمین والظلم والجور الذی تعرضت له الاُمّة منه ومن بطانته والذی أثار نقمة أغلب أفراد الاُمّة للقیام علیه ـ بؤرة أفضت إلى حوادث مریرة فی التأریخ الإسلامی، إلاّ أنّ هنالک جماعة من الناس کانت ترى عثمان مقصراً ولکن لیس إلى الحد الذی یجعله مستحقاً للموت، ومن هنا لم یرق لبعضهم قتله ولم یکونوا راضین بذلک، الأمر الذی مهد السبیل أما بعض الفئات المنحرفة لتستغل قتله لتحقیق أهدافها السیاسیة والقضاء على خصومها، وهکذا أصبح قتل عثمان وسیلة لتصفیة الحسابات السیاسیة. فبنی أمیة وفی مقدمتهم معاویة کان ساکتاً لما هجم القوم على دار عثمان، بینما کان یتمثل موقف علی(علیه السلام) بتوبیخ عثمان على أعماله إلى جانب الحیلولة دون قتله، فقد ذب عنه حتى بعث بالحسن وبالحسین(علیه السلام) لیصدوا الناس عن الهجوم على داره. مع ذلک ما أن قتل عثمان حتى هب بنی أمیة للطلب بثأره لیکون هذا الأمر مقدمة للوصول إلى الخلافة، ولا سیما معاویة الذی إستغل هذا الأمر إستغلالاً بشعاً فی الشام البعیدة عن المدینة لتحقیق أطماعه، حتى تمکن من خداع أهل الشام واقناعهم بانّه المدافع عن عثمان والطالب بدمه من علی(علیه السلام). وقصة قمیص عثمان معروفة، فقد علق معاویة قمیص عثمان (أو قمیصاً یشبهه) على بوابة الشام لیعبئ الاُمّة ضد علی(علیه السلام)، کما وظف طائفة من کهول الشام التی کانت تقیم مراسم العزاء وتبکی عثمان فی المسجد بما یثیر مشاعر الناس. فقد قال الإمام(علیه السلام) فی إطار ردّه لمزاعم بنی اُمیة: «أولم ینه بنی أمیّة علمها بی عن قرفی؟( 1)أو ما وزع(2) الجهّال سابقتی عن تهمتی!(3)» فبنی أمیة وإن جانبوا الحق والانصاف، إلاّ أنّهم کانوا ینبغی أن یعلموا صفات الإمام(علیه السلام) وأنّه لایظلم أحداً ولایلطخ یده بدماء الآخرین عبثاً، کما یعلمون جیداً سوابقه وفضائله ومنها أنّ النبی(صلى الله علیه وآله)خاطبه بأخیه وناداه أنت منّی بمنزلة هارون من موسى، وفیه وفی أهل بیته نزلت آیة التطهیر وقد فوض إلیه النبی(صلى الله علیه وآله)أغلب أعماله سریة، فهذه التهم رخیصة، فالإمام(علیه السلام) لم یشترک فی قتله ولا قتل غیره، کما بالغ فی الدفاع عنه وإن کان یراه مقصراً، لکن دون حد القتل. فقد وعظه الإمام(علیه السلام)وحذره من مغبة أفعاله، کما دعى تلک الجماعة التی قامت ضده إلى التحلی بالصبر والحلم واعتماد الأسالیب السلمیة فی حل النزاع، بینما بقیت بنی أمیة ساکتة دون ان تحرک ساکناً. ثم واصل الإمام(علیه السلام)کلامه قائل: «و لما وعظهم اللّه به أبلغ من لسانی» أولم یقرأوا قوله سبحانه فی کتابه العزیز: (یا أَیُّها الَّذِینَ آمَنُوا اجْتَنِـبُوا کَثِـیراً مِنَ الظَّـنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّـنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّـسُوا وَلا یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً أَیُحِـبُّ أَحَدُکُمْ أَنْ یَأْکُلَ لَحْمَ أَخِـیهِ مَیْتاً فَکَرِهْتُمُوهُ)(4) أو لم یسمعوا قوله سبحانه: (وَمَنْ یَکْسِبْ خَطِـیئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ یَرْمِ بِهِ بَرِیئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْما مُبِـین)(5). ثم أشار(علیه السلام)إلى فضیلة اُخرى من فضائله فقال: «أنا حجیج(6)المارقین، وخصیم النّاکثین المرتابین»، وقد إختلفت أقوال المفسّرین فی محاجته(علیه السلام) للمارقین فی الدنیا أم الآخرة. أشار ابن أبی الحدید(7) أنّه أراد یوم القیامة حیث روی عنه(علیه السلام) أنّه قال: «أنا أوّل من یجثو للحکومة بین یدى اللّه تعالى»، والحال لاینسجم ظاهر الخطبة وهذا المعنى أو لایقتصر علیه، بل الظاهر أنّ الإمام(علیه السلام) أراد أن یقول بانّی کنت وما أزال أقف بوجه الناکثین الذی ینقضون العهد ولا یقیمون وزناً لتعالیم الدین، والشاهد على ذلک قتاله(علیه السلام)للناکثین (أصحاب الجمل) والمارقین (الخوارج) والقاسطین (أهل الشام)، وبعبارة اُخرى فانّ الإمام(علیه السلام)یقول بمخالفته لمن یخالف حقه، فان رأوا ذلک عیبا، فلیعیبوه به. ثم إختتم کلامه(علیه السلام)بقوله «و على کتاب اللّه تعرض الأمثال،(8) وبما فی الصّدور تجازى العباد»، فقد ذهب أغلب شرّاح نهج البلاغة إلى أنّ العبارة إشارة إلى الآیة 19 من سورة الحج (هـذانِ خَـصْمانِ اخْتَـصَمُوا فِی رَبِّـهِمْ)حیث روى النبی(صلى الله علیه وآله)إنها فی علی(علیه السلام)وحمزة وعبیدة، وعتبة وشیبة والولید، وکانت حادثتهم أول حادثة وقعت فیها مبارزة أهل الإیمان لأهل الشرک وکان المقتول الأول بالمبارزة الولید قتله علی(علیه السلام)، فتجذرت ضغینة بنی اُمیة وکانت تستغل الفرص لدرک ثأرها، فنزلت الآیة لتکشف عن مصیر الفریقین، فلیس لمشرکی بنی أمیة سوى الجحیم والعذاب الألیم. وأمّا المسلمون ففی جنات النعیم. والحق أنّ العبارة لایمکن أن تقتصر على الإشارة لهذه الآیة، بل ترشد إلى عرض المسائل المبهمة على شبیهاتها فی القرآن لیمیز الحق من الباطل ولا سیما هنا فی قضیة قتل عثمان وسعی الآخرین لتوجیه أصابع الاتهام إلى هذا وذاک بهدف تحقیق الأغراض السیاسیة، ولا سیما من قبل اُولئک الذین سکتوا لتقع تلک الحادثة، فاذا ما عرض هذا الأمر على القرآن، رأینا آیاته تخالف ما قلتم، فهى تفند البهتان والتهمة وسوء الظن واشاعة الفاحشة.

والعبارة الأخیرة إشارة إلى هذه الحقیقة وهى أنّ اللّه عالم بنیاتکم وأنّ هدفکم لیس الدفاع عن عثمان ولا إصلاح ذات بین المسلمین، بل تریدون إستغلال الصغیرة والکبیرة من أجل تحقیق أهدافکم وبکل وسیلة رخیصة من أجل الاستیلاء على الحکومة وممارسة الظلم والجور بحق المسلمین، فاللّه عالم وسیجاز یکم بذلک.


1. «قرف» على وزن حرف تعنی فی الأصل فصل قشرة الشئ کقشرة الشجرة، ولما کان تحری العیوب یؤدی إلى ضیاع شخصیة الأفراد، فانّ هذه الکلمة تستعمل بمعنى الاتهام.
2. «وزع» من مادة «وزع» على وزن وضع بمعنى المنع، کما وردت بمعنى الجمع. لأنّ جمع الشئ یتطلب منع تشتت افراده، ولعل «التوزیع» بمعنى التقسیم، لأنّ تقسیم الشئ یتطلب جمعه ثم تقسیمه.
3. «تهمة» من مادة «وهم» تعنى فی الأصل الظن السیئ (وقد وردت هذه المفردة بفتح الهاء وضمها)، کما تعنی التهمة البهتان، وهذا هو معناها فی العبارة الواردة فی الخطبة.
4. سورة الحجرات / 12.
5. سورة النساء / 112.
6. «حجیج» من مادة «حج» بمعنى قصد الشىء، ومنه «المحاجة» لمن یحاور العدو بقصد التغلب علیه، وحجیج المارقین خصیمهم، والمارقون هم الخارجون من الدین.
7. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 6/170.
8. «الامثال» جمع «مثل» یراد بها هنا متشابهات الأعمال والحوادث تعرض على القرآن فما وافقه فهو الحق وما خالفه فهو الباطل، وقد جرى(علیه السلام) على حکم اللّه فی أعماله فلیس للغامز أن یشیر بمطعن. 

 

الخطبة 76نظرة إلى الخطبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma