الزاهد أمیر لاأسیر

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
الخطبة 82حقیقة الزهد

لقد شحن نهج البلاغة بخطب الإمام(علیه السلام) التی تتناول مفهوم الزهد. إلى جانب ذلک فان القرآن الکریم قد تناول حقیته ومفهومه بصورة واسعة وان لم یورد هذه المفردة بکثرة. والزهد من المفاهیم التی تعرضت لها الإدیان الإلهیة، على أنّه یعنی عدم التعلق بمادیات الدنیا وحطامها، وبالطبع لایراد بالزهد حرمان الإنسان من المال والثروة والمقام والإمکانات، وإنّما یراد به عدم الانقیاد والاستسلام لهذه العناصر والوقوع فی أسرها، بل ینبغی له أن یکون أمیراً علیها. ومن هنا نرى أنّ نبی اللّه سلیمان(علیه السلام) الذی یضرب المثل بملکه وحکومته کان أمیراً لا أسیرا حین رد تلک الهدایا النفیسة التی بعثت بها إلیه ملکة سبأ. وقد ورد فی الحدیث عن النبی(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «الزهادة فی الدنیا لیست بتحریم الحلال، ولا إضاعة المال، ولکن الزهادة فی الدنیا أن لاتکون بما فی یدیک أوثق منک بما فی یداللّه»( 1). ومن هنا یتضح مدى الفارق الشاسع بین الزهد فی الإسلام والرهبانیة فی المسیحیة. فالزهد الإسلامی یعنى البساطة فی الحیاة والابتعاد عن التجملات وعدم الوقوع فی مخالب الشهوات وأغلال الأموال والمقام، بینما تعنی الرهبانیة إلاّ نزواء والانعزال عن الحیاة الاجتماعیة. فقد ورد فی الحدیث أنّ عثمان بن مظعون حزن حزناً شدیداً لما مات ولده واقبل على الزهد فجعل داره مسجداً وانهمک بالعبادة، فلما بلغ الخبر رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)قال: یا عثمان إنّ اللّه تبارک وتعالى لم یکتب علینا الرهبانیة، إنّما رهبانیة أمتی الجهاد فی سبیل اللّه.(2)

فی إشارة إلى أنّک إذا أردت أن تقاطع المادیات فلا تسلک السبیل السلبی فی ذلک وعلیک تعقیب هذا الهدف من خلال مساره الایجابی الصحیح الذی یکمن فی الجهاد ـ ثم تطرق رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) إلى فضیلة صلاة الجماعة لیقف على مدى أهمیة الجماعة فی الإسلام ورفضه لکافة أشکال الرهبنة والعزلة. ویقابل الزهد الرغبة والتنافس على الدنیا; أی اللهث وراء الدنیا والتکالب على متاعها الذی ورد الذم علیه فی الإسلام. وللزهد عدة آثار على الحیاة الفردیة والاجتماعیة للإنسان، والتی یمکن بواسطتها التعرف علیه وهى: قصر الأمل وشکر النعمة والورع عن المحرام وهى الأرکان الثلاث التی أشارات إلیها الخطبة. وهنا لابدّ من القول بأنّ الزهد لایساوی الفقر والحاجة أبدا; بل الزهد یعنى الغنى الباطنی واشباع النفس بالمعنویات وترک التعلق بالمادیات وعلامة ذلک مقاطعة اللذات وإجتناب التجملات. کتب أحد المفکرین المسلمین (رحمة اللّه علیه) بشأن دوافع الزهد: إنّ الزاهد یعیش حیاته بمنتهى القناعة دون أی تکلّف لیقود الآخرین إلى الهدوء والسکینة، أنّه لیشعر باللذة والمتعة فی أن یأکل المحتاجون ویشربون قبل أن یأکل هو ویشرب. ولعلنا نلمس هذا المعنى فی ما تعارف لدى أهل بیت النبی(صلى الله علیه وآله):«الجار ثم الدار».

المواساة وتقاسم هموم المحرومین والمعوزین یعد الدافع الآخر من دوافع الزهد، فلماکان المجتمع على قسمین مرفه ومحروم فانّ أولیاء اللّه یسعون فی الدرجة الأساس إلى معالجة أوضاع المحرومین، فان لم تکن خهناک الإمکانات اللازمة، جهدواً فی العیش کأدنى الطبقات المرحومة فی المجتمع لیخففوا من معاناة الضعفاء ولایدعوهم یشعرون بالذلة والمسکنة بفضل ما یعانون من جشوبة العیش وخشونة الملبس، ولعل هذا هو المعنى الذی أراد أن یجسده أمیرَالمؤمنین علی(علیه السلام)حین سئل عن ثوبه البالی فقال: «یخشع له القلب، وتذل به النفس، ویقتدی به المؤمنون»(3) الدافع الآخر للزهد هو الحریة والخلاص من قید الحاجة. فالزهد والقناعة تحد من الحاجة وتؤدی بالتالی إلى النجاة من أسر الطمع والحرص على إقتناء الأشیاء، من هنا یمکن القول بأنّ نفس الزهد هو الحریة. فالزاهد شجاع وعالم، ومن هنا نرى الحرکا التحرریة العالمیة إنّما توجّه غالباً من قبل الزعماء الذین تسودهم روح الزهد.(4) ونختتم حدیثنا بروایتین عن الزهد. فقد جاء فی الروایة أنّ رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) قال لعلی(علیه السلام): «یا علی إن اللّه تعالى زینک بزینة لم یزین العباد بزینة هى أحب إلیه منها: زهدک فیها وبغضها إلیک وحبب إلیک الفقراء، فرضیت بهم اتباعاً ورضوا بک إماماً.(5)

وجاء فی الحدیث وسأله إعرابی شیئاً فأمرله بألف، فقال الوکیل: من ذهب أو فضة؟ فقال: کلاهما عندی حجران، فاعط الأعرابی أنفعهما له.(6)


1. کنزالعمال 3/181، ح 6059.
2. بحارالأنوار 70/114.
3. نهج البلاغة، الکلمات القصار /103.
4. إقتباس من کتاب سیر فی نهج البلاغة للشهید المطهری /211.
5. بحارالأنوار 40/330، ح 13.
6. بحارالأنوار 41/32. 

 

الخطبة 82حقیقة الزهد
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma