مواعظ شافیة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
شعب التقوى القسم السادس

أشار الإمام(علیه السلام) ـ فی هذا المقطع من الخطبة الذی یمثل امتدادا للبحث السابق ـ إلى المواعظ القیمة المؤثرة والأمثال الواضحة والنصائح والإرشادات التی تنتهی بالناس إلى شاطئ الأمان، فقال(علیه السلام): «فیالها أمثالاً صائبة، ومواعظ شافیة، لو صادفت قلوباً زاکیة، واسماعاً واعیة، وآراء عازمة، وألبابا حازمة»( 1) قد تکون هذه العبارة إشارة إلى المواعظ والإرشادات التی وردت فی المقاطع السابقة من الخطبة، أو المواعظ التی بلغتنا عن طریق الوحی وأولیاء اللّه، وقرینة ذلک عبارات القسم السابق بشأن الهدایة الإلهیة بطرق النجاة وإزالة حجب الشبهات والشکوک والمهلة الکافیة للاستعداد والتزود واتمام الحجة على المقصرین. على کل حال فانّ الهدف هو بیان هذه المسألة وهى کفایة المواعظ والنصائح والمعالم على الطریق لو کانت هنالک آذانا صاغیة وعقولاً متفتحة وقلوباً واعیة، وبعبارة اُخرى لیس هنالک من نقص فی فاعلیة الفاعل، وإن کان هنالک من نقص ففی قابلیة القابل. والتعبیر عن الأمثال بالصائبة یفید مطابقتها للواقع. وأمّا التعبیر بالأسماع الواعیة فیشیر إلى أنه بعد سماع کلام لابدّ من حفظه والتأمل فیه; لاسماعه من أذن وإخراجه من اُخرى، کأنّه لم یسمع شیئاً. وأمّا الفارق بین «الآراء العازمة» و«الألباب الحازمة» فهو أنّ العبارة الاولى إلى القرارات القاطعة، وذلک لأن الإنسان لایتعظ بنصائح أولیاءاللّه وینتفع بالإرشادات مالم یمتلک العزم القاطع; رغم أنه قد یقبلها ولصدق بها إلا أنه لایمتلک القدرة على إتخاذ القرار لضعف إرادته، والألباب الحازمة إشارة إلى الأفکار العمیقة التی تشخص عواقب الأعمال، وتتامل جوانب کل مسألة ببعد نظر وسعة أفق. نعم إنّما ینتفع غایة الانتفاع من هذه المواعظ والامثال من کان له فکر عمیق وإرادة قویة واذن سامعة وقلب واع. ثم أوصى(علیه السلام) بالتقوى وبین مظاهرها بعبارات قصیرة بعیدة المعنى بما یقارب عشرین جملة. والحق أنّ ضالة أرباب السیر والسلوک إلى اللّه إنّما اختصرت فی هذه العبارات، حیث قال(علیه السلام): «فاتقوا اللّه تقیة من سمع فخشع» فاذا أذنب إعترف بذنبه وتاب إلى ربّه (واقترف(2) فاعترف، ووجل فعمل، وحاذر فبادر، وأیقن فأحسن، وعبر فاعتبر، وحذر فحذر، وزجر فازدجر، وأجاب فأناب، وراجع فتاب، واقتدى فاحتذى،(3) وأری فرأى» فقد بینت مظاهر التقوى فی هذه العبارات بأکمل وجه. وبالطبع فان التقوى لیس إدعاءاً، ولاتقتصر على إجتناب الخطایا والارجاس، فالتقوى تبدا من سماع کلمات دعاة لاحق وخضوع القلب لها، إلى جانب التوبة والإنابة إلى اللّه والاعتراف بالذنوب وخشیة اللّه والقیام بالأعمال التی تقرب إلیه، وحث الخطى نحو درجة الیقین والاعتبار بحوادث الماضی والحذر من المعاصی، واستماع أحسن القول والانتهاء، عن المنکر وإجابة دعوة الحق، والاقتداء بأولیاء اللّه والانفتاح على الحقائق ثم قال(علیه السلام): «فاسرع طالباً ونجا هارب» وبالنتیجة «فافاد ذخیرة، وأطاب سریرة، وعمر معاداً، واستظهر(4) زاداً، لیوم رحیله، ووجه سبیله، وحال حاجته، وموطن فاقته، وقدح أمامه لدار مقامه» والواقع أنّ هذه مظاهر اُخرى للتقوى والتی من شأنها جعل الإنسان یسارع إلى الحق وتقتل فی نفسه الجنوح إلى الذنب والاثم وتمده بمقدمات الاستعداد للمعاد. ثم واصل الإمام(علیه السلام) خطبته بالدعوة ثانیة إلى التقوى وخلص إلى نتیجة هى: «فاتقوا اللّه عباداللّه جهة ما خلقکم له».(5)

حقاً أنّ لخلق الإنسان هدف (أَیَحْسَبُ الإِنْسانُ أَنْ یُتْرَک سَدىً)(6) ولا یمکن بلوغ هذا الهدف دون التقوى، والهدف هو العبودیة للّه سبحانه ونیل القرب الإلهی وبلوغ السمو والکمال، ولا یتیسر هذا إلاّ من خلال المعرفة والتقوى. ثم قال(علیه السلام): «واحذروا منه کنه(7) ما حذرکم من نفسه» هنالک روعة فی قوله(علیه السلام) کنه التی تفید عدم الاقتناع بالظواهر فقط حیال الانذارات الإلهیة ولابدّ من تأمل هذه الانذارات والعمل على الفوز بالرضوان الإلهی. ثم أشار(علیه السلام) إلى معطیات التقوى فقال: «واستحقوا منه ما أعد لکم بالتنجز(8) لصدق میعاده، والحذر من حول معاده» فعبارات الإمام(علیه السلام) اشارات إلى بعض الآیات، کالآیة التاسعة من سورة المائدة: (وَعَدَ اللّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِـیمٌ) وما ورد فی الآیة الخامسة عشرة من سورة آل عمران: (لِلَّذِینَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِها الأَنْهارُ) والآیة 68 من سورة التوبة: (وَعَدَ اللّهُ المُنافِقِـینَ وَالمُنافِقاتِ وَالکُـفّارَ نارَ جَـهَـنَّمَ خالِدِینَ فِـیه).


1. «حازم» من مادة «حزم» على وزن جزم بمعنى التفکر العمیق والصائب، ویطلق الحازم على الشخص الواسع الافق، ومنه الحزام الذی یفید الاستحکام.
2. «إقترف» من مادة «قرف» على وزن حرف بمعنى إکتسب وتستعمل إقتراف فی إکتساب الاثم.
3. «إحتذى» من مادة «حذو» على وزن حذف بمعنى فصال الحذاء حسب النموذج والقیاس المعین، ثم اطلق الحذو والاحتذاء على مطابقة الشئ لآخر، وقد وردت فی الخطبة بمعنى المتابعة والتبعیة للاسُوة فی کل شئ.
4. «استظهر» من مادة «ظهر» على وزن دهر، بمعنى حمل الزاد والمتاع على الظهر أو على ظهر مرکب.
5. قیل جملة (جهة ما خلقکم له) ظرف وقیل مفعول به لفعل مقدر وقیل مفعول لأجله ولعل الاحتمال الأول أنسب الجمیع.
6. سورة القیامة / 36.
7. «کنه»، الحقیقة وباطن الشئ ، کما تأتی بمعنى العاقبة وأجل الشئ واُرید بها المعنى الأول فی العبارة .
8. «تنجز» من مادة «نجز» على وزن عجز ، تستعمل فی الوفاء بالعهد ، وتنجز الوعد طلب وفائه على عجل . 

 

شعب التقوى القسم السادس
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma