الجمیع یدین له بالفضل

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
القسم الثامن القسم السابع

أشار الإمام(علیه السلام) فی هذا الموضع من الخطبة إلى جانب من النعم الإلهیة التی تثیر لدى الإنسان الشعور بالامتنان والشکر، کما تشکل دافعا لمعرفة اللّه والانفتاح على الورع والتقوى، فقد قال(علیه السلام): «جعل لکم أسماعها لتعنی ماعناها،( 1) وأبصارا لتجلو(2) عن عشاها،(3) وأشلاء(4) جامعة لاعضائها، ملائمة لاحنائها،(5) فی تریکب صورها، ومدد عمره». فالواقع هو أنّ الإمام(علیه السلام)أشار فی هذا المقطع من الخطبة إلى النعم لأعضاء البدن الواحد تلوا الآخر، مرکزاً على السمع والبصر بفضلها أهموسیلة لإرتباط الإنسان بالعالم الخارجی إلى جانب حصول الانسان على الجانب الأعظم من العلوم والمعارف عن طریقهما، هذا من جهة، ومن جهة اُخرى أشار(علیه السلام)إلى الانسجام القائم بین أعضاء البدن بعضها بالبعض الآخر، ومن ذلک تطرق إلى عضلات البدن التی تعمل متناغمة مع کافة الأعضاء وقد تکیفت مع هیئات العظام. فمسألة تناسق وانسجام أعضاء البدن تعد من أروع ظواهر الخلقة ومن أهم النعم الإلهیة، وفى نفس الوقت فان الاستقلال یسود هذه الاعضاء والجوارح، إلاّ أنّها تتحد وتتعاضد بما یدعو للدهشة والذهول إذا ما طرأ على الإنسان طارئ. على سبیل المثال لو حدث ما یضطر الإنسان للابتعاد والفرار عن مرکز الحادثة بسرعة، فانّ کافة أعضاء البدن تعبئ نفسها فی لحظة واحدة، فدقات القلب تأخذ بالارتفاع، والنفس یصعد وینزل بسرعة لیضخ الدم والاُوکسجین الکافی لعضلات الجسم، کما تتصاعد حدة الیقظة والوعی، ویحتد السمع والبصر، حتى تذوب موانع الجوع والعطش وتنسى بالمرة لیتمکن الإنسان من الهروب سریعاً من مرکز الحادث، وبالطبع فانّ هذا التنسیق لم یحصل استجابة لرغبة الإنسان واختیاره، بل بواسطة الأوامر والایعازات التی یصدرها الدماغ تلقائیاً إلى جمیع أعضاء البدن. فهذا التنسیق العظیم کاشف عن قدرة اللّه سبحانه وعظمته، کما یفید سعة نعمه على العباد; الأمر الذی أشار له الإمام(علیه السلام) فی هذه الخطبة. ولا یقتصر هذا التنسیق على ظاهر الاعضاء فحسب، بل یخترق باطنها وکنهها، حتى یؤثر فی أعمارها، وهذا ما أشار إلیه الإمام بالخصوص.

ثم واصل(علیه السلام) کلامه قائل: «بأبدان قائمة بأرفاقه(6) وقلوب رائدة(7) لأرزاقها، فی مجللات(8) نعمه، وموجبات مننه، وحواجز(9) عافیته». العبارات استمرار لما ورد قبلها من تنسیق بین أعضاء البدن. فمراد الإمام(علیه السلام) أنّ هذا التنسیق والانسجام لایقتصر على الأعضاء، بل الروح والفکر أیضاً ینسقان مع هذه الأعضاء بهدف نیل بعض المنافع ودفع بعض الاضرار. ویعتبر هذا التعاضد الروحی والجسمی الذی یحکم جمیع کیان الإنسان من بدائع العجائب الذی تتکشف بعض تفاصیل دقته وروعته على مرور الزمان وفقا لتطور العلم وإزدهاره، حیث تشکل هذه البدائع أعظم نعم اللّه وأهم آیات عظمته سبحانه.

العبارة «مجللات نعمه» تجلل الناس وتعمهم وهى من باب إضافة الصفة إلى الموصوف بمعنى «نعمه المجللة» التی تشمل الناس بأجمعهم مؤمنهم وکافرهم.

«وحواجز عافیته» بمعنى موانع السلامة والجملة تشتمل على تقدیر حیث یکون المراد أنّ اللّه علم الإنسان طرق دفع الاضرار ومنافع العافیة « ما یمنع حواجز عافیته». ثم أشار(علیه السلام)إلى نوعین من النعم الإلهیة الکبرى على الإنسان إلى جانب النعم المذکورة فقال: «و قدّر لکم أعماراً سترها عنکم وخلّف لکم عبراً من آثار الماضین قبلکم من مستمتع خلاقهم(10)ومستفسح خناقهم(11) أرهقتهم(12) المنایا دون الاْمال شذبهم(13) عنها تخرّم(14) الاْجال لم یمهدوا فی سلامة الاْبدان ولم یعتبروا فی أنف(15) الاْوان» أمّا النعمة الاولى فهى نعمة العمر التی تعتبر مصدر سعادة الإنسان وتوفیقه وفلاحه، حیث أنّ لیلة من لیال العمر التی بات فیها أمیرالمؤمنین(علیه السلام) ـ والتی تعرف بلیلة المبیت ـ على فراش رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)لیفدیه بنفسه وینجو من مؤامرة الکفار فأصابه(علیه السلام) ما أصابه من الفضل ببرکة تلک اللیلة. وأما ضربته لعمر بن عبدود العامری فی الخندق والتی کانت أفضل من عبادة الثقلین، فلم تکن سوى سویعة من عمر الإمام(علیه السلام). وأما شهداء الغاضریة الذین صنعوا أکبر ملحمة عرفها التأریخ البشری لیصبحوا کعبة للثوار وطلاب الحق فلم تکن سوى نهاراً من عمرهم المبارک. نعم فنعمة العمر من أعظم نعم اللّه على الإنسان. وقد إقتضى لطف اللّه وحکمته أن یخفى مدة هذا العمر عن الإنسان، لما ینطوی العلم به من مفاسد فقد قال الإمام الصادق(علیه السلام): «فالإنسان لو عرف مقدار عمره وکان قصیر العمر لم یتهنأ بالعیش مع ترقب الموت وتوقعه لوقت قد عرفه، بل کان یکون بمنزلة من قد فنى ماله أو قارب الفناء، فقد استشعر الفقر والوجل من فناء ماله وخوف الفقر، على أنّ الذی یدخل على الإنسان من فناء العمر أعظم مما یدخل علیه من فناء المال لأن من یقل ماله یأمل أن یستخلف منه فیسکن إلى ذلک، ومن أیقن بفناء العمر استحکم علیه الیأس، وإن کان طویل العمر ثم عرف ذلک وثق بالبقاء وانهمک فی اللذات والمعاصی وعمل على أنّه یبلغ من ذلک شهوته ثم یتوب فی آخر عمره، وهذا مذهب لایرضاه اللّه من عباده ولایقبله ومن هنا حجب الإنسان عن معرفة العمر لیعیش دائما بین الخوف والرجاء.(16)

ونخلص من هذا إلى أنّ ساعات العمر وأیامه نعمة، وهکذا حجب مقداره عن الإنسان نعمة اُخرى.

وأمّا النعمة الثانیة: وتتمثل بالاعتبار بالاُمم الماضیة وما علیه الکبار، وما بقى من القصور والقبور والآثار، فهى نعمة إلهیة کبرى; وذلک لأنّ النظر بعین العبرة لهذه الآثار یزود الإنسان بالتجربة وکأنه عمرعمرا مدیداً لیکون مع تلک الأمم والأقوام وقد تجرع حلاوة الحیاة ومرارتها. فتأریخ الامم الماضیة مادة للدروس والعبر، وللإنسان أن یحدد مصیره على ضوء هذا التأریخ من خلال الانفتاح على مقومات النجاح وأسباب الفشل وکیفیة التعامل معهما، والحق أنّ هذه نعمة عظیمة منّ اللّه بها على الإنسان. القرآن الکریم صرح بهذا الخصوص قائلاً (لَقَدْ کانَ فِی قَصَصِـهِمْ عِبْرَةٌ لاُِولِی الأَلبابِ)(17) وللاسف فما أکثر الذین خططوا لحیاتهم وسبحوا فی بحر لجی من الامال والامانی حتى أتاهم الموت بغتة فقضى على تلک الامال والحال أنّهم وقفوا على أخبار الماضین وأثارهم، إلاّ أنّ أهوائهم وطغیانهم کان حجاباً على أبصارهم وبصائرهم فحال دون رؤیتهم للحقائق، فقدموا على ربهم وقد اعتبربهم ممن یعدهم دون أن یعتبروا بمن کان قبلهم.


1. «عنا» من مادة «عنایة» بمعنى الاهتمام بالشئ، والضمیر فی عناها یمکن أن یرجع إلى اللّه فیشیر إلى الأهداف الإلهیة التی تبلغ الإنسان عن طریق أذنه، أو یرجع إلى الإنسان لیعنی الأهداف التی ینالها الإنسان عن طریق الاذان، أو یعود إلى الحرف ما لیعنی المطالب المهمة السماع للاذن.
2. «تجلو» من مادة «جلاء» بمعنى تکشف.
3. «عشا» من مادة «عشو» أو «عشی» ضعف البصر وعجزه عن الرؤیة وقیل عدم الابصار لیلاً.
4. «أشلاء» جمع «شل» على وزن شکل العضو والجسد، وهنا تعنی الجسد، حیث أردفها بالعبارة (جامعة لأعضائها) وقیل قطعة اللحم وهى العضلات ویصدق هذا المعنى على الخطبة المذکورة.
5. «أحناء» جمع «حنو» على وزن حلم ما اعوج من البدن، کأغلب العظام.
6. «أرفاق» جمع «رفق» على وزن فکر المنفعة أو ما یستعان به علیها، وهذا هو المعنى المراد فی عبارة الخطبة.
7 «رائدة» من مادة «رود» على وزن شوق طلب الماء والمرتع، ثم اطلقت على کل بحث وطلب، کما وردت بمعنى الهادی وذلک لأنّ القوافل کانت تبعث بشخص لیبحث عن مکان مناسب لتوقف القافلة حیث یسمى هذا الشخص الرائد.
8. «مجللات» من مادة «جلال». ومجللات نعمه غامرات نعمه، النعم التی تغطی جمیع کیان الانسان، فهى تفید السعة والشمولیة.
9. «حواجز» جمع «حاجز» المانع والرادع وحواجز العافیة موانع السلامة.
10. «خلاق» من مادة «خلق» بمعنى تعیین المقدار ومن هنا أطلق الخلاق على السهم والنصیب، والمراد بمستمتع خلاقهم التی وردت فی الخطبة النصیب الوافر من الخیر واللذات التی تمتعوا بها فی الدنیا.
11. «خناق» من مادة «خنق» حبل یخنق به، وخناق بالکسر على وزن کتاب بمعنى الحبل ومستفسح خناقهم النعم التی یتمتع بها الإنسان قبل الموت.
12. «أرهق» من مادة «إرهاق» أخذ الشئ باستعجال، واصلها رهق على وزن شفق بمعنى الظلم.
13. هناک خلاف بین شرّاح نهج البلاغة فی أن «شذبهم» کلمة واحدة أم کلمتان. فمن عدها کلمة واحدة «شذب» من مادة تشذیب بمعنى التقشیر ومنه تشذیب الشجرة، ویناسب هذا المعنى ما ورد فی الخطبة، ومن ذهب إلى أنّها کلمتان «شذ + بهم»، شذ من مادة شذوذ بمعنى الانفصال والانفراد وهو المعنى الذی یتناسب وما ورد فی الخطبة أیضاً.
14. «تخرم» من مادة «خرم» بمعنى الاستصال والاقتطاع.
15. «أنف» بضمتین مفرد بمعنى بدایة کل شئ، ومن هنا یطلق على المرعى الذی لم یرع فیه الحیوان حتى ذلک الوقت وکذلک الظرف الذی لم یشرب به الماء.
16. بحارالأنوار 3/83 (بتصرف).
17. سورة یوسف / 111. 

 

القسم الثامن القسم السابع
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma