کیفیة معرفة الإنسان بالذات المقدسة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
القسم الثانی معرفة اللّه

تعد هذه المسئلة من أدق وأعقد المسائل العقائدیة والتی تزل فیها الأقدام والأقلام حتى سلکت طائفة الافراط، بینما سلکت اُخرى التفریط بهذا الشأن. فقد إبتعدت طائفة عن معرفة اللّه حتى اصطلح علیها بالمعطلة، حیث زعمت أننا لانعلم أی شئ إیجابی عن ذاته وصفاته سبحانه، ولیس لنا سوى إستناد إلى سلسلة من الاُمور السلبیة، فکل ما نقوله أنّ اللّه لیس بمعدوم، لیس عاجز، ولیس جاهل، ولو أردنا أن نسلک سبیل الصفات الثبوتیة فانّ کل الأبواب مقفلة بوجهنا. هذه هى الطائفة التی تدعى بالمعطلة. أمّا الطائفة الثانیة فقد ذهبت إلى العکس مما ذهبت إلیه الطائفة الاولى حتى جعلت من اللّه جسماً وصنعت له أعضاء وبدن، وهى الطائفة التی یصطلح علیها بالمشبهة، حیث شبهت اللّه بعباده. أمّا الطائفة الثالثة الوسط التی تخالف إفراط ا لاولى وتفریط الثانیة ـ حیث تتصف کلا الطائفتین بالضلال والتغرب عن القرآن والتعالیم الإسلامیة ـ وهى التی تقول بالمعرفة الإجمالیة لذاته وصفاته سبحانه، دون أن یقف أحد على کنه تلک الذات المقدسة وصفاتها. وبعبارة أوضح: إذا نظرنا إلى عالم الوجود وتأملنا آثار العلم والحکمة وعظم القدرة الحاکمة فی کل مکان فاننا سنقف على أن هذه الأنظمة والقوانین المعقدة التی تحکم کافة دقائق هذا الوجود إنّما تنطلق من مصدر یتصف بالعلم والقدرة المطلقة، الأمر الذی یجعلنا نمتلک معرفة إجمالیة بهذه الذات المقدسة. من جانب آخر فاننا إذا فکرنا فی ذاته سبحانه وتساءلنا ما حقیقتها؟ هل هى نور؟ أعظم من النور؟ وجود بسیط وخالص؟ لانفهم على وجه الدقة حقیقة ذاته. وکل ما نعرفه أنّ ذاته تفوق الجسم والجسمانیات، وتترفع عن الخیال القیاس والظن والوهم، وأنّه أعظم من کل ما رأینا وسمعنا وتصورنا. له علم وقدرة مطلقة، ولکن ما کیفیة هذا العلم وهذه القدرة، یتعذر علینا الجواب على ذلک. وکلما أردنا أن نحصره فی فکرنا لنقف على حقیقة ذاته، رأینا فکرنا قاصراً عاجزاً، بل إذا إقتربنا شبراً من حقیقة ذاته ـ کما یقول الشاعر ـ ابتعدنا عنها میلاً. وکیف لایکون الأمر کذلک ووجودنا محدود متناهی ووجوده مطلق لامتناهی. فقد قال الإمام الصادق(علیه السلام): «فهذه الشمس خلق من خلق اللّه فان قدرت أن تملأ عینیک منها فهو کما تقول»( 1). فقد أراد الإمام(علیه السلام) أن یعرفنا بمحدودیة قدرة باصرتنا وفکرنا إزاء ذاته المنزهة عن الحدود. ومن هنا یتوجب علینا أن نخشع للّه سبحانه ونمد أیدینا له بالدعاء لتردد ما قاله الإمام الهادی(علیه السلام) فی مناجاته للحق سبحانه: «إلهى تاهت أوهام الموهمین، وقصر طرف الطارفین وتلاشت أوصاف الواصفین، واضملحت أقاویل المبطلین عن الدرک العجیب شأنک، أو الوقوع بالبلوغ إلى علوک، فأنت فی المکان الذی لایتناهى ولم تقع علیک عیون باشارة ولاعبارة، هیهات ثم هیهات».(2)

إلاّ أنّ هذا لایعنی أنّ المعرفة الإجمالیة متعذرة علینا; فقد ملأت آثار ذاته وصفاته الوجود بأسره، فضلاعن وجودنا.


1. اصول الکافی 1/93.
2. توحید الصدوق /66.  

 

القسم الثانی معرفة اللّه
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma