لم الضلال، والعترة بین الاظهر؟

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
منزلة أهل البیت(علیهم السلام) القسم الرابع

لقد وصف الإمام(علیه السلام) فی المقطع السابق من هذه الخطبة العالم المخلص والآخر المزیف، ثم واصل الکلام فی هذا الموضع من الخطبة بالحدیث عن أهل بیت النبی(صلى الله علیه وآله) ومکانتهم فی المجتمع الإسلامی، بغیة معرفة الفریق الأول وتمییزه عن الثانی، إلى جانب الاقتداء به، إلاّ أنّه أشار بصورة کلیة إلى هذه المسألة فقال: «فأین تذهبون، وأنّى تؤفکون( 1)، والأعلام قائمةٌ، والآیات واضحةٌ، والمنار منصوبةٌ». فلا یحق لکم القول إننا نعیش فی عصر تتقاذفنا فیه التیارات ولسنا لنا معرفة الحق من الباطل بعد أن إمتزجامعاً، کلا لیس الأمر کذلک، فکل شئ واضح والموازین جلیة بینه، وقد اعذر من انذر. فقد جرت العادة على نصب العلائم فی الطرقات بغیة الاهتداء وعدم الضیاع، فأحیاناً توضع العلامات فی مفترقات الطرق المنعطفات، وأحیاناً اُخرى توضع المصابیح المضاءة على المرتفعات (ولا سیما فی اللیالی الظلماء) ویکفی أی من هذه الطرق لمعرفة السبیل، فاذا إجتمعت هذه الطرق معا، بلغ الإنسان المطلوب وسارع فی خطاه نحو الهدایة والصواب، فالذی أراد الإمام(علیه السلام) أنّ هذه الطرق قد سخرها اللّه سبحانه لکم. ثم طبق الإمام(علیه السلام) هذا الکلی على مصداقه فانتقل من العام إلى الخاص، کیلا یقال أنّ هذه
الکلیات لاتحل مشکلتنا، فأعاد قوله(علیه السلام) مستنکراً علیهم الحیرة والضلال، وعترة النبی(صلى الله علیه وآله)بین أظهرهم: «فأین یتاه(2) بکم! وکیف تعمهون(3)» نعم لایرتجى منکم الضلال والحیرة وبین أظهرکم عترة رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)مصابیح الهدى وأعلام الورى والعروة الوثقى التی من تمسک بها نجى «و هم أزمّة الحقّ، وأعلام الدّین، وألسنة الصّدق» فمن أقبل علیهم أخذوا بیده إلى الحق، من إقتدى بهم عن بعد هدی إلى الرشد، بالتالى کل یهتدی بهدیهم حسب تبعیته لهم. أما العبارة: «و هم أزمّة الحقّ» فتفید أنّ الحق یتحرک حول محورهم; المضمون الذی ورد فی الحدیث المعروف «علی مع الحق، والحق مع علی یدور حیثما دار»(4). والعبارة: «وألسنة الصّدق» تعنی أنّهم تراجمة الوحی. کما یمکن أن یکون المراد أنّ لسانهم(علیهم السلام)لاینطق سوى بالصدق; سواء تحدثوا عن اللّه ورسوله(صلى الله علیه وآله)، أم حدثوا عن أنفسهم، فکل ذلک صدق محض. وبالطبع لیس هنالک من تضاد بین هذین التفسیرین ویمکن الجمع بینهما. ثم إختتم(علیه السلام) کلامه بالقول: «فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، وردوهم ورود الهیم(5) العطاش» فالقرآن قد یجری على لسان الإنسان، کما قد یظهر على عمله، وأخیراً قد یشغل حیزاً فی عمق روح الإنسان، وأفضل موضع للقرآن هو الموضع الأخیر من المواضع الثلاثة المذکورة. فالعبارة تصرح بحب أهل البیت النابع من أعماق القلب والروح، کما ینبغی أن یعیش القرآن فی هذه الأعماق. والواقع هو أنّ هذه العبارة تؤکد حدیث الثقلین الذی قرن العترة بالقرآن ودعا الناس کافة إلى اتباعهما والتمسک بها بغیة الأمان من الضلال والفرقة. کما قیل فی تفسیر هذه العبارة أنزلوهم أفضل المواضع التی أنزلهم بها القرآن الکریم، ألا وهو مقام الإمامة والولایة الذی أشار إلیه القرآن بالقول: (إِنَّما وَلِـیُّـکُمُ اللّهُ...)(6)والآیة: (یا أَیُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ...)(7) والآیة: (قُلْ لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَّةَ فِی القُرْبى)(8) وسائر الآیات القرآنیة الواردة بهذا الشأن.(9) ویبدو التفسیر الأول أنسب. وأخیراً فالعبارة «الهیم العطاش» تفید أنّهم(علیه السلام) منبع ماء الحیاة، وأنّکم بأشدّ الحاجة إلیهم، وعلیه یجب علیکم المسارعة إلیهم دون أدنى تریث أو تردید.


1. «تؤفکون» من مادة «إفک» على وزن فکر، الانحراف والمیل، ومن هنا یطلق الافک على الکذب والتهمة.
2. «یتاه» من مادة «تیه» على وزن شئ الضلال والحیرة .
3. «تعمهون» من مادة «عمه» على وزن فرح الحیرة والتخبط، وقیل: أنّ العمى فی العربیة عمى العین الظاهرة والعمه العین الباطنة.
4. نقل هذا الحدیث العلاّمة الأمینی باسانید مختلفة من مصادر العامة (الغدیر 3/176).
5. «هیم» جمع «أهیم» الابل العطشى، وکذلک یقال للرمال تبتلع الماء، وأحیانا یستعمل هذا الاصطلاح للتعبیر عن العطش.
6. سورة المائدة / 55.
7. سورة المائدة / 76.
8. سورة الشورى / 23.
9. للوقوف بصورة أعمق على هذه الآیات واقوال مفسری الشیعة والسنة راجع کتاب رسالة القرآن، ج 9. 

 

منزلة أهل البیت(علیهم السلام) القسم الرابع
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma