کلکم مسؤول

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
الخطبة 90القسم الثانی

خاطب الإمام(علیه السلام) الناس فی زمانه محذرهم من إمکانیة تکرار أوضاع الجاهلیة فتعمکم ما کانت علیه من الفساد والانحراف فعلیکم بالیقظة والحذر: «فاعتبروا عباد اللّه واذکروا تیک الّتی آباؤکم وإخوانکم بها مرت هنون، وعلیها محاسبون». تیک التی تعنی تلک إشارة شاملة إلى کافة ذنوب وآثام أقوام الجاهلیة، وانّ اللّه سیحاسبهم علیها، ولم یذکر هنا المشار إلیه حیث بین فی القسم السابق، وعلیه لم تعد هناک من حاجة إلى التکرار. هذا وقد ذهب بعض شرّاح نهج البلاغة إلى أنّ المراد باسم الإشارة الدنیا والحیاة الدنیویة أو الامّانة الإلهیة التی أشارت إلیها الآیة القرآنیة: (إِنّا عَرَضْنا الأَمانَةَ...)( 1) إلاّ أنّ هذا التفسیر لایبدو مستقیماً بالالتفات إلى صدر الخطبة وذیلها. ثم قال(علیه السلام): «و لعمری ما تقادمت بکم ولا بهم العهود، ولاخلت فیما بینکم وبینهم الأحقاب(2) والقرون، وما أنتم الْیوم من یوم کنتم فی أصلابهم ببعید». بناءاً على التفسیر المذکور فانّ العهود هى المواثیق، والعبارة إشارة لما ورد فی القرآن الکریم (قُلْ أَتَّخَذتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْداً فَلَنْ یُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(3) أمّا البعض من الشراح فقد ذهب إلى أنّ المراد بالعهود هنا العصور وعلى هذا الضوء سیکون المفهوم واحدا مع العبارة القادمة: «و لا خلت فیما بینکم بینهم الأحقاب والقرون»، ثم أشار الإمام(علیه السلام) إلى مکانته آنذاک والتی تصاف مکانة النبی(صلى الله علیه وآله) ازاء فجائع زمان الجاهلیة فقال: «واللّه ما أسمعکم(4) الرّسول شیئاً إلاّ وها أنا ذا مسمعکموه، وما أسماعکم الیوم بدون أسماع کم بالأمس، ولا شقّت لهم الأبصار، ولا جعلت لهم الأفئدة فی ذلک الزّمان، إلاّ وقد أعطیتم مثلها فی هذا الزّمان» وعلیه فانکم تشبهونهم فی کل شئ، والحال إنّکم تلوون رؤوسکم عن الحق الذی کانوا علیه. فالواقع هو أنّ الإمام(علیه السلام) أشار ضمنیاً إلى حقیقة مریرة فی عصره ـ بسبب سوء تدبیر سابق الخلفاء والانغماس فی الثروات التی ملأت الجزیرة العربیة من خلال الفتوحات الإسلامیة التی جرت علیهم هذه الغنائم ـ وهى بدایة جاهلیة اُخرى قد أصیب بها الناس. فقد ظهرت الأصنام بصور اُخرى، بحیث أصبح الدینار والدرهم صنماً، کما أصبح المنصب والمقام صنماً. فقد أوضح الإمام(علیه السلام) أنّ رسالته فی هذا العصر والزمان هى ذات رسالة رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)، فهو یبین کل ما بینه النبی(صلى الله علیه وآله)، ثم قال(علیه السلام)أنّ أسماعکم وابصارکم وأفئدتکم لیست باقل من أسماع وأبصار وأفئدة الناس فی عصر الجاهلیة الذی نهض فیه رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) وصدع بالأمر، فلدیکم ذات الحس والشعور والإدراک (بل إنّکم لتفوقونهم فی ذلک فقد انبثقت الدعوة وانتشرت، فکیف لاتکفون عن سوء الأعمال، ولم ترعوون عن الضلال وتعودن إلى الهدى، ولم لاتفیقون من نوم الغفلة». ثم حذرهم الإمام قائل: «و لقد نزلت بکم البلیّة جائل(5) خطامها،(6) رخواً بطانه(7)» ذهب أغلب الشرّاح إلى أنّ المراد بهذه البلیة فتنة بنی أمیة التی أحرقت الاخضر والیابس وطالت أموال الناس وأعراضهم. والجدیر بالذکر هو أن الإمام(علیه السلام) قد شبه هذا البلاء الکاسر بالناقة الجامحة التی إسترخى لجامها فهى تنذر بسقوط راکبها. وعلیه فالراکب لایتمکن من حفظ نفسه فضلاً عن السیطرة على الناقة وصدها عن الجموح. نعم هکذا کان بلاء بنی أمیة حیث لم یسلم أحد منهم.

وأخیراً إختتم الإمام(علیه السلام) خطبته قائل: «فلا یغرّنّکم ما أصبح فیه أهل الغرور، فإنّما هو ظلّ ممدودٌ إلى أجل معدود».


1. سورة الاحزاب / 72.
2. «أحقاب» جمع «حقب» على وزن عنق قیل ثمانون سنة وقیل أکثر وقیل هو الدهر .
3. سورة البقرة / 80 .
4. من الواضح أن الضمائر هنا لاینبغی أن تکون بصیغة المخاطب (کم) بل لابدّ أن تکون بصیغة الغائب (هم) لأنّها إشارة إلى من عاش فی عصر النبی(صلى الله علیه وآله). ویبدو أنّ الاشتباه من النساخ، ولذلک قبله الشراح بهذا الشکل.
5. «جائل» من مادة «جولان»، وفی الاصل بمعنى زوال الشیء من مکانه، لذا فیقال للحیوان الذی یتحرر من مکانه الموجود فیه بحیث یستطیع أن یذهب إلى أی مکان، یقال له «جائل».
6. «خطام» ما جعل فی أنف البعیر لینقادبه وجولان الخطام، حرکته وعدم إستقراره، لأنّه غیر مشدود.
7. «بطان» البعیر حزام یجعل تحت بطنه، ومتى استرخى کان الراکب على خطر السقوط. 

 

الخطبة 90القسم الثانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma