کان ولم یکن أحد سواه

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
القسم الثانی القسم الأول

استهل الإمام(علیه السلام) خطبته بالإشارة إلى ثلاث من صفات اللّه فقال: «الحمد للّه المعروف من غیر رؤیة» نعم فهو لیس بجسم ولایحده زمان أو مکان یرى بالعین; فالجسمیة دلیل النقص والحاجة إلى الزمان والمکان، بینما اللّه منزه عن هذا النقض والحاجة فهو کمال مطلق، مع ذلک فقد ملأت آثاره الآفاق بما یدل على وجود ذاته المقدسة، بما فیها الآیات الآفاقیة والنفسیة. فالرؤیة محالة علیه، إلاّ أنّه أوضح الواضحات، فکافة ذرات العالم تسبحه وتقدسه وتشهد له بالوجود. وقال(علیه السلام) فی الصفة الثانیة: «و الخالق من غیر رویّة»( 1) فانّما یحتاج إلى الفکر من کان هناک أشیاء مجهولة لدیه، أما من لم یکن له من شئ مجهول فالفکر محال علیه. کما یحتمل أن یکون المراد یقوله «غیر رویّة» بأنّ سابقة لم تکن لهذا الخلق الذی خلقه اللّه، خلافاً لخلاقیة الإنسان التی تحتذی بالتجارب. ثم قال فی الصفة الثالثة: «الّذی لم یزل قائماً دائم» فالازلیة والأبدیة من مختصات الذات المقدسة التی تعد من لوازم تلک الذات المطلقة اللامحدودة. فلو کانت هناک من بدایة لشئ کانت له نهایة فهو محدود قطعاً. أمّا الذات اللامحدودة واللامتناهیة فهى لاتعرف البدایة ولا النهایة. فهو الوجود الذی کان وکائن إلى الأبد. ثم وضح(علیه السلام) أزلیته سبحانه بالقول: «إذ لا سماءٌ ذات أبراج، ولا حجبٌ ذات إرتاج،(2) ولا لیلٌ داج،(3) ولا بحرٌ ساج،(4) ولا جبلٌ ذو فجاج،(5) ولا فجٌّ ذو اعوجاج، ولا أرضٌ ذات مهاد، ولا خلقٌ ذو اعتماد» یمکن أن تکون العبارة «حجب ذات ارتاج» اشارة إلى ما صرحت به الروایات والأخبار من حجب النور تحت العرش التی لایسع مخلوق الاقتراب منها، فشدة نورها التی تخبف الأبصار وتحول دون إجتیازها هى بعض مخلوقات اللّه التی یحتمل أنّها وجدت بعد خلق العرش وقد فصلت العرش عن السموات. فقد جاء فی الخبر عن الإمام الکاظم(علیه السلام) فی فلسفة التکبیرات السبع فی بدایة الصلاة أنّه قال: «یا هشام إن اللّه خلق السماوت سبعا والأرضین سبعا والحجب سبعا...»(6) ثم ورد فی ذیل الحدیث أن هذه الحجب کانت تطرح الواحد بعد الآخر أمام رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) حین المعراج، فکان یکبر اللّه عند رفع کل حجاب وهذه هى فلسفة التکبیرات السبع (فالمصلی حین یقف بین یدی ربّه للصلاة التی تعتبر معراج المؤمن یکبر سبعاً من أجل رفع تلک الحجب عنه. کما تفید المناجاة الشعبانیة أنّ هذه الحجب النورانیة قد رفعت عن بعض أولیاءاللّه «إلهى هب لی کمال الانقطاع الیک وأنر أبصار قلوبنا بضیاء نظرها إلیک حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة...» وبالطبع لیس لدینا من إطلاع عن ماهیة هذه الحجب، أمّا الذی یستفاد من عبارات المناجاة الشعبانیة أنّ تلک الحجب تشیر إلى سلسلة من المفاهیم الوراء الطبیعة. وقد تعرض المرحوم العلاّمة المجلسی فی بحارالأنوار بعد الإشارة إلى موضوع الحجب النوریة الواردة فی الروایات إلى بیان وتفسیر الحجب فی أبعادها الجسمانیة والروحانیة أو المادیة والمعنویة.(7) العبارة: «و لا لیلٌ داج، ولا بحرٌ ساج» فی الوقت الذی تشیر فیه إلى أزلیة اللّه ووجوده المقدس قبل الخلق العالم، فهى تلمح إلى نعمه سبحانه على الخلق، وذلک لأنّ ظلمة اللیل وسکون البحر من نعمه سبحانه، فالاولى تدعو إلى النوم والراحة التی تلعب دورا بالغاً فی بناء البدن والروح، والثانیة فی الملاحة والصید واستخراج ما فی أعماق البحر من لؤلؤ ومرجان. والعبارة: «جبل ذوفجاج» أی أنّ الجبال لو کانت کالجدران متصلة لانفصلت بقاع الأرض عن بعضها واختلت الحرکة علیها، بینما إقتضت حکمة اللّه فصلها لتیسیر الحرکة والمشیی. «فج ذو اعوجاج» یمکن أن یکون المراد بها لو لا انعطاف واعوجاج الأودیة لأتت السیول بحرکتها السریعة فجرفت کل شئ، حیث حال ذلک الاعوجاج دون طغیان السیول وسیطر علیها. «أرض ذات مهاد» إشارة إلى الأراضی الواسعة الساکنة. «خلق ذواعتماد» إشارة إلى القدرة الروحیة والجسمیة التی منحها اللّه للإنسان. ثم قال(علیه السلام): «ذلک مبتدع الخلق ووارثه»، فکل شئ زائل ولایبقى سواه «و إله الخلق ورازقه»، وکیف لایکون إله الخلق ومعبودهم وهو بهذه الصفات والکمالات. أضف إلى ذلک فالرزق بیده وهو یفیضه على العباد. فهو جدیر بالعبادة لعظمته وهو أولى بها شکراً لنعمه. ثم اختتم کلامه بالإشارة إلى نعمتین تفیدان قدرته وعظمته فقال: «و الشّمس والقمر دائبان(8) فی مرضاته: یبلیان کلّ جدید، ویقرّبان کلّ بعید» فقد سمى الشمس والقمر دائبین لتعاقبهما على حال واحدة دائما لایفترقان ولایسکنان. فالقمر فی حالة حرکة دائما، إلاّ أنّ نسب الحرکة للشمس یمکن أن یکون إشارة إلى حرکتها الظاهریة (وان کانت فی الواقع ثابته والأرض تدور حولها) أو إشارة إلى سائر حرکات الشمس، بل جمیع المنظومة الشمسیة فی المجرات.

والجدیر بالذکر أنّ أغلب عبارات الإمام(علیه السلام) قد اقتبست من آیات القرآن الکریم، ومنها الآیة: (وَاللّهُ جَعَلَ لَکُمُ الأَرْضَ بِساطاً * لِتَسْلُکُوا مِنْها سُبُلاً فِـجاج)(9)والآیة (أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهاد)(10) والآیة (وَسَخَّرَ لَکُمُ الشَّـمْسَ وَالقَمَرَ دائِـبَیْنِ)(11).


1. «رویة» من مادة «ری» على وزن حی الفکر وإمعان النظر إذا وردت من باب التفعیل، ولما کان الإنسان یأخذ بنظر الاعتبار سوابق کل الأشیاء والأعمال حین التفکیر فانّ هذه المفردة تطلق کنایة على الاُمور التی لاسابقة لها.
2. «ارتاج» مصدر باب إفعال من مادة «رتج» على وزن خرج بمعنى الاغلاق وإذا جاء من باب الأفعال عنى الغلق المحکم.
3. «داج» اسم فاعل من مادة «دجو» على وزن هجو بمعنى المظلم.
4. «ساج» اسم فاعل من مادة «سجو» الساکن.
5. «فجاج» جمع «فجع» الطریق الواسع بین جبلین.
6. وسائل الشیعة 4/723 ح 7 من الباب السابع، أبواب تکبیرة الإحرام.
7. راجع بحارالأنوار 55/46.
8. «دائبان» مثنى «دائب» من مادة «دأب» و«دؤوب» على وزن قلب وقلوب بمعنى الاستمرار على عمل معین وفق عادة وسنة ثابتة.
وعلى هذا الاساس، یطلق على الشخص أو الشیء الذی یقوم بعمل أو برنامج معین بصورة مستمرة ودائمة وعلى حالة وسنة معینة بالدائب.
9. سورة نوح / 19 ـ 20.
10. سورة النبأ / 6.
11. سورة ابراهیم / 33.  

 

القسم الثانی القسم الأول
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma