الراسخون فی العلم وتفسیر المتشابهات

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم الثالث معرفة اللّه عن اللّه

هنا یقتدح إلى الأذهان هذا السؤال: صرح الإمام(علیه السلام) فی هذه الخطبة قائل: «ان الراسخین فی العلم هم الذین اغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغیوب، الاقرار بجملة ما جهلوا تفسیره من الغیب المحجوب فمدح اللّه تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم یحیطوا به علما» ونعلم أنّ عبارته(علیه السلام) إشارة إلى الآیة السابعة من سورة آل عمران (وَما یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاّ اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِی العِلْمِ یَقُولُونَ آمَنّا بِهِ کُـلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّن)فتأویل الآیة هو أنّ اللّه وحده العالم بتأویل آیات القرآن المتشابهة والراسخون فی العلم یعربون عن عجزهم إزاء ذلک; أی أنّ جملة والراسخون إستثنافیة. إلاّ أنّ ما ورد فی أغلب روایات الأئمة المعصومین(علیهم السلام) ولعلها تربو على الثلاثین روایة أنّهم(علیهم السلام) قالوا: «نحن الراسخون فی العلم» معطوفة على اللّه. والسؤال المطروح: کیف یمکن حل هذا التضارب بین ما ورد فی خطب نهج البلاغة وما جاء فی الروایات؟ وبعبارة اُخرى: هل للراسخین فی العلم من معرفة بمتشابهات القرآن واسرار صفات الحق سبحانه وتعالى؟ أم أنّهم استحقوا صفة الرسوخ فی العلم بسبب قناعتهم بذلک العلم الإجمالی وعدم التعمق فی ماوراء ذلک؟

هناک عدّة روایات ذهبت إلى التصریح بالمعنى الأول، ویصعب تجاهل کل هذه الروایات. هذا من جانب، ومن جانب آخر فانّ الخطبة التی نحن بصددها تؤید المعنى الثانی، وهذا ما أصاب أغلب محققی المسائل الإسلامیة والمفکرین بالحیرة والذهول. إلاّ أنّ قدراً من الدقة من شأنه أن یجمع بین المعنیین وإزالة ذلک التضارب، ولا یتیسر ذلک من طریق واحد بل من طریقین:

الأول: أنّ الراسخین فی العلم مهما کانت منزلتهم وعلو مقامهم حتى الأئمة المعصومین(علیهم السلام)فلیس لهم ذاتاً العلم بمتشابه القرآن وأسرار صفات الحق سبحانه; وما علمهم إلاّ من ذلک التعلیم الإلهى و الوحی والالهام الغیبی. وهذا ما ذکرناه مسبقاً فی بحث علم الغیب والشفاعة بشأن الآیات القرآنیة النافیة لعلم الغیب عن أولئک الکرام(علیهم السلام) والآیات المثبتة لهم علم الغیب فی أنّهم لا یتمتعون ذاتیاً بهذا العلم، وان کان لدیهم من علم فبتعلیم اللّه، کما أنّهم لا یمتلکون الشفاعة ذاتاً، ولا یشفعون إلاّ باذنه وإلاّ لمن ارتضى له اللّه.

الثانی: أنّ المتشابهات و أسرار المعارف الدینیة المعقدة على نوعین: نوع یعلمه الراسخون فی العلم (کتفسیر أغلب متشابه القرآن). أمّا النوع الثانی المرتبط بتفسیر الآیات القرآنیة ذات الصلة بذات اللّه وصفاته. فالعلم التفصیلى به لیس میسرا لأی إنسان، وکل ما یسع الإنسان إدراکه فعلى أساس المعرفة السطحیة والعلم الإجمالی الذی ورد بیانه سابقاً. بعبارة اُخرى: فانّ المتشابهات على قسمین; قسم یعلمه المعصومین(علیهم السلام) والراسخون فی العلم، وآخر یتعلق بذات البارئوصفاته لا یعلمه أحد من الناس، والروایات المذکورة ناظرة إلى القسم الأول، بینما التى نشرحها واردة فی القسم الثانی.

والنتیجة فانّ الواو فی الآیة الشریفة عاطفة، ومفاد الآیة هى علم اللّه والراسخین فی العلم بتفسیرالمتشابهات، أمّا العبارة الواردة فی الآیة: (یَقُولُونَ آمَنّا بِهِ کُـلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّن)فهى عبارة منفصلة تعالج بعض المسائل من قبیل کنه الذات والصفات أو زمان القیامة وأمثال ذلک(1).

ومن هنا یتضح ما تعارف بین العلماء الأعلام من أنّ صفات اللّه توقیفیة; أی لا ینعت سبحانه إلاّ بتلک النعوت والأسماء التی وردت فی الکتاب والسنة. وإلاّ لو فسح المجال أمام الأفکار البشریة لتأخذ سبیلها إلى أسماء اللّه وصفاته، لنعتته بما لایلیق بشأنه بفعل قصر هذه الأفکار واقتصار تعاملها مع الممکنات المعروفة بالحدود. ومن هنا وردت التحذیرات التی تمیط اللثام عن مدى المخاطر التی تعترض هذا السبیل لو سلک دون الاستضاءة بنور الکتاب وهدی السنة المطهرة. لذلک ردّ الإمام(علیه السلام)على السائل عن صفات الحق سبحانه وتعالى بالقول «فما دلّک القرآن علیه من صفته فائتم به، واستضئ بنور هدایته،... إلى أن یقول(علیه السلام)فاقتصر على ذلک، ولا تقدر عظمة اللّه سبحانه على قدر عقلک فتکون من الهالکین».


1. قال ابن أبی الحدید فی شرح هذه الخطبة یمکن أن تکون جملة یقولون نصباً على أنّه حال من الراسخین، ویمکن أن یکون کلاماً مستأنفاً، أی هؤلاء العالمون بالتأویل، یقولون: آمنا به (6/404). 

 

القسم الثالث معرفة اللّه عن اللّه
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma