دعونی والتمسوا غیری

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
1 ـ لم قال دعونی؟نظرة إلى الخطبة

أورد شرّاح نهج البلاغة أبحاثاً مسهبة بشأن هذه الخطبة، وقد خاضوا بصورة مفصلة فی الإشکالات ذات الصلة بمسألة الإمامة. غیر أنّ البعض منهم لم یتعرض لشرح هذه الخطبة واتجه مباشرة للردّ على الإشکالات. ونرى من الضروری أن نخوض فی البدایة فی شرح الخطبة، ثم نسلط الضوء على بعض الاسئلة والاستفسارات فی آخر البحث.

فقد ردّ الإمام(علیه السلام)على اُولئک الذین بسطوا إلیه یدهم بالبیعة وانهالوا علیه من کل جانب، ظانین أنّ الإمام(علیه السلام)سیواصل سیاسة التمییز فی العطاء من بیت مال المسلمین، إلى جانب إغداق المناصب والمقامات بالقول: «دعونی والتمسوا غیری»، ثم أشار(علیه السلام) إلى الدلیل على ذلک بقوله: «فانا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان; لاتقوم له القلوب، ولا تثبت علیه العقول»، فقد فقدت الأُمّة وحدتها إثر الأفعال الباهتة التی مارسها الخلفاء ولا سیما عثمان، فکان لکل رأیه، فأصبح الأعم الأغلب منهم کالصیاد الذی یبحث عن صیده، لیجدوا فی البحث عن الأموال والمناصب الدنیویة، وعلیه فانّ القضاء على هذه الفرقة والتشتت وإعادة الاُمّة إلى سابق عزّها ووحدتها على عهد رسول الله(صلى الله علیه وآله) کان یبدوا أمراً فی غایة الصعوبة والتعقید ولایمکن توقعه فضلاً عن تحققه على الواقع العملی.

ثم واصل الإمام(علیه السلام) کلامه بالحدیث عن الآفاق المظلمة التی تلوح فی الآفاق وعدم التعرف على الحق وصراطه المستقیم فی ظل هذه الأوضاع المضطربة: «وإن الافاق قد أغامت(1)، والمحجة(2) قد تنکرت»، وذلک لأنّ الأهواء الشیطانیة والاطماع الدنیویة قد قلبت الموازین الفکریة للمجتمع بحیث یصعب علیه تمییز الصحیح من السقیم، وکیف یتخلص من المطبات التی تواجهه فی حیاته.

ثم أکد الإمام(علیه السلام) هذا الموضوع بأنّی إذا تقلدت هذه المسؤولیة فسوف لن أنتهج السیاسة الخاطئة التی کانت سائدة سابقاً، بل سأقتدی بهدی رسول الله(صلى الله علیه وآله)فی بسط الحق والعدل: «اعلموا أنی إن أجبتکم رکبت بکم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب(3) العاتب» ـ حیث لم یکن الطمع الذی عاشه الناس على عهد عثمان یدعهم یتساوون مع الآخرین فکانوا یهربون من عدالة علی(علیه السلام) و یثیرون الفتن ـ فلم یکن أمام الإمام(علیه السلام) من سبیل سوى مخالفة الشرع و مواصلة الظلم أو السیرفیهم بالعدل الذی نشده من قام ضد عثمان، فلما سار بهم بعدله حدثت تلک الفتن التی توقعها الإمام(علیه السلام).(4)

فی إشارة إلى أنّ الإمام(علیه السلام) کان یعلم بأنّ طلاب الدنیا من أهل المطامع والمصالح سیقفون حجرة عثرة فی طریقه من أجل اشاعة الحق وإجراء العدل وبسط القسط، وسیؤلبون الآخرین علیه ویهبوا لمعارضته والوقوف بوجهه، وکأنّ المبادی السیاسة لتلک المرحلة کانت تتطلب مواصلة الفوضى التی کانت سائدة والتطاول على بیت المال واغداق المناصب والمهام على أصحاب النفوذ والسطوة دون أی إستحقاق، وإن إنعکس ذلک سلباً على الاُمّة وهضمها حقوقها; الأمر الذی کان فی مقدمة أهداف الأنبیاء والرسل القضاء علیه: (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالبَیِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الکِتابَ وَالمِـیزانَ لِـیَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ)(5).

ثم ناشدهم(علیه السلام) اتماماً لحجة وإثبات مدى زهده بمقامات الدنیا ومظاهرها، ترکه لیکون کاحدهم فی الاُمّة: «وإن ترکتمونی فانا کأحدکم; ولعلی أسمعکم وأطوعکم لمن ولیتموه أمرکم».

فالعبارة تشیر إلى أنّ الإمام(علیه السلام) کان یعیش عالما أخر غیر ذلک الذی تکالب علیه أهل المصالح من الذین رکنوا إلى الدنیا، هو لم یفکر لحظة قط فی أن تکون الخلافة لقمة سائغة، بقدر ما کان یراها مسؤولیة ثقلیة تهدف أول ما تهدف إلیه إحیاء القیم والمفاهیم الإسلامیة. وإلاّ فهى لاتعدل عنده أکثر من عفطة عننر. ثم عاد القول(علیه السلام) على أولئک الجماعة المتکالبة على الدنیا والتی تطمع إلى المزید «وأنا لکم وزیراً، خیر لکم منی أمیراً».

وذلک إنّی ان کنت أمیراً لحیل بینکم وبین العلو والاستبداد والتطاول على حقوق المحرومین، أمّا أن أکون وزیراً فلکم أن تشیروا علیَّ وتنتفعون بما أریکم من الحق، دون أن أتحمل مسؤولیة أعمالکم. والحق أثبت التاریخ کل ما تکهن به الإمام(علیه السلام)فی هذه الکلمات الشریفة، وخلافاً لما یزعمه البعض من أصحاب النظرة الضیقة فانّ الإمام(علیه السلام) کان عالماً بکافة الظروف والملابسات التی أحاطت بخلافته، کما کان على علم تام بردود الفعل التی سیمارسها الخصوم ضده، وعلیه فلم یقع ما لم یکن یتحسبه الإمام(علیه السلام)، إلاّ أنّ الإمام(علیه السلام) کان ینتمی إلى مدرسة تملی علیه القیام بالمسؤولیة وإحیاء الدین ومفاهیمه السامیة وتعالیمه الحقة وإن کلفه ذلک حیاته، على العکس من المدارس المادیة التی ترى فی الحکومة هدفاً وکل ما سواها وسیلة یمکن التضحیة بها وقد مارس الإمام(علیه السلام) ما کان یقوله عملیاً، کیف لا وهو الذی اشتاط غضباً حین سأله عقیل ما لایستحقه من بیت المال فعامله بتلک الشدة والصرامة، لیثبت أنّه یسیر فی الناس بما یعلم ولایأبه بعتب العاتب کائناً من کان. لم یکن اُسلوبه اُسلوب من سبقه من الخلفاء قط، وهو الذی لم یجمع لنفسه شیئاً من حطام الدنیا، حتى خاطب الاُمّة قائل: «دخلت بلادکم با شمالی هذه ورحلتی، وراحلتی،ها هى فان أنا خرجت من بلادکم بغیر ما دخلت فإننی من الخائنین»،(6) والعجیب أنّ الإمام(علیه السلام) قد سلک سبیلاً یتناقض تماماً وما ینتهجه الیوم الحکام والرؤوساء حین شروع الحملات الانتخابیة، حیث یبذلون قصارى جهدهم لتقدیم الوعود المعسولة للاُمّة والشعارات المزیفة الفارغة، بل لایتورعون عن ارتکاب أی خلاف من أجل کسب ود الناس والحصول على آرائهم. فالإمام(علیه السلام) یعلن بکل وضوح أهدافه، وان تعارضت هذه الأهداف مع الکثیر منهم ولم تنسجم مع طموحاتهم ورغباتهم. وبغیة التنبیه إلى عدم الغفلة والخداع، فانّه یکشف النقاب عن جسامة الأوضاع فی المستقبل; الأمر الذی لایرى له مثیلاً على مدى التأریخ بالنسبة للخلفاء والحکام.


1. «أغامت» من مادة «غیم» غطیت بالغیم، کنایة عن اضطراب الأوضاع السیاسیة والاجتماعیة للمسلمین فی ذلک الزمان.
2. «محجة» الطریق المستقیمة والواضحة سواء الظاهریة أم المعنویة، وقد اقتبست فی الأصل من مادة «حج» بمعنى القصد، لأنّ الإنسان یقصد دائما المشی على الطریق المستقیم لیصل إلى الهدف.
3. «عتب» مصدر بمعنى اللوم و التأنیب و التوبیخ.
4. شرح نهجالبلاغة للشیخ محمد عبده، ذیل الخطبة 92/233.
5. سورة الحدید/25.
6. بحارالانوار 40/325. 
1 ـ لم قال دعونی؟نظرة إلى الخطبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma