1 ـ لم قال دعونی؟

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
2 ـ لم لا یتحملوا عدالة علی(علیه السلام)؟دعونی والتمسوا غیری

استغرق شرّاح نهج البلاغة وسائر علماء الإسلام کثیراً فی کلام أمیرالمؤمنین علی(علیه السلام): دعونی والتمسوا غیری. فذهب البعض إلى أنّه قال ذلک لعدم وجود النص على الإمامة والولایة، فهبت طائفة من مثقفی العصر لترى فی ذلک الکلام انه یشکل الدلیل على إصالة رأی الامة فی الحکومة واختیار القائد، ونرى من الضرورة بمکان أن نسلط الضوء على الشرائط الزمانیة والمکانیة التی کانت سائدة آنذاک والتی دفعت بالإمام(علیه السلام) إلى هذا الکلام قبل أن نعلن عن رأینا بهذا الشأن بغیة تفادی الزلل والانحراف عن حقیقة الأمر:

1 ـ إنّما صدر هذا الکلام من الإمام(علیه السلام) إثر مقتل عثمان بفعل ذلک البذخ والتطاول على بیت المال المسلمین وتسلیط بنی أمیة على رقاب المسلمین، وظهور حالة الاستیاء العامة فی أغلب مناطق البلاد الإسلامیة آنذاک، ممّا دفع بالاُمّة إلى الهجوم على الإمام(علیه السلام) وبسط یدها إلیه بالبیعة. فقد اعتاد کبار الاُمّة سیاسة عثمان لیتوقعوا من الإمام تحقیق رغباتهم وتقسیم بیت المال بینهم حسبما یحلو لهم، إلى جانب أولئک الذین کانوا یحلمون بأن یمنحهم الإمام(علیه السلام) مقابل بیعتهم بعض المناصب الحساسة فی البلاد لیکونوا عماله وولاته على بعض الأمصار فیحکموا سیطرتهم على البلاد.

أضف إلى ذلک فانّ الاُمّة قد ابتعدت عن قیمها الإسلامیة، وقد دفعتها الفتوحات وما جرتها علیها من غنائم وثروات إلى الاقبال على الدنیا وزخارفها وتفشی الأفکار الجاهلیة ونسیان حیاتها التی شهدتها على عهد النبی(صلى الله علیه وآله) بفعل عدم التفات الخلفاء لهذا الأمر. ومن هنا رأى الإمام(علیه السلام) نفسه أمام مفترق طرق; إمّا الاستسلام للبیعة فی تلک الظروف العصیبة والتأهب لتلک الحوادث والأزمات، وأمّا رفض البیعة وترک الاُمّة وشأنها.

2 ـ لم یکن الإمام(علیه السلام) کساسة الدنیا لیخفی أهدافه الحقیقیة التی سیسعى إلى تطبیقها فیما لو تولى الخلافة والحکومة الإسلامیة، فیجر الاُمّة بوعوده المعسولة إلى البیعة، ثم یکشف عن برامجه وخططه بعد أن یتربع على عرش السلطة وتستتب له الاُمور ویحکم قبضته على الناس! نعم هیهات أن یفکر الإمام(علیه السلام) بمثل هذه المراوغات والأسالیب المظللة. ومن هنا حذر الاُمّة من عظم المسؤولیة التی ینبغی أن تنهض بها فیما لو لبى بیعتها وتولى زعامتها. فمن الطبیعی الا یکون هناک من مبرر لخداع الاُمّة بغیة حصول الأهداف الإسلامیة واشاعة المفاهیم السماویة.

3 ـ لاشک أنّ الإمام(علیه السلام) أجدر أفراد الاُمّة على الخلافة لیس فی ذلک الزمان فحسب، بل فی الزمان الذی سبقه حیث ولایقتصر الإعتراف بذلک على الإمام صرح قائل: «إنّه لیعلم أن محلی منها محک القطب من الرحا»(1)، وحین جعله عمر أحد أعضاء الشورى فقال: «متى إعترض الریب فی مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر»(2)، ولما أرادت الاُمّة أن تبایعه بعد عثمان إذ قال: «ولقد علمتم أنی أحق الناس بها من غیری»(3)، بل کان یراه کذلک حتى خصومه (وإن لم تشهد السیاسة مثل هذا الأمر) ومن ذلک ما قاله عمر حین انتخاب الشورى: «أمّا والله لئن ولیتهم لتحملنهم على الحق الواضح والمحجة البیضاء»(4)، کما ذکر الطبری أنّ أبابکر حین ولی الخلافة، تطرق لعدم أحقیته فیها طبق أغلب الروایات فقال: «أیهاالناس! فانّی ولیت علیکم ولست بخیرکم»(5).

بل ورد فی بعض الروایات أنّ أبابکر قال: «أقیلونی! فلست بخیرکم وعلی فیکم»(6)، فبالنظر إلى ما أوردنا من محکمات التأریخ والأخبار، یمکن القول بأنّ الإمام(علیه السلام) أراد أن ینفی عن نفسه فی هذه الخطبة رغبته بمسألة الخلافة، ویکشف عن ذروة تواضعه فی هذا الأمر، کما أراد أن یفهم الاُمّة التی أصرت على البیعة انه ان ولی أمرها فسوف لن یسیر بتلک الأسالیب الخاطئة، ولیس أمامه سوى سلوک سبیل الحق واحیاء عصر النبی(صلى الله علیه وآله)، وأنّ أثار ذلک حفیظة البعض وأدى إلى إنزعاجه، لیؤدّی به ذلک إلى رفع رایة المعارضة والوقوف بوجه الإمام(علیه السلام). وعلى هذا الضوء لانرى هناک من حاجة لأن نبحث فی هذه المسألة، هل الخطبة دلیل على عدم النص على الإمامة، أو القول بأنّ معیار الإمامة والخلافة إنّما یکمن فی آراء الاُمّة لاغیر. وذلک لأنّ هذا القول إنّما یصدر ممن اکتفى بالنظر إلى ظاهر الخطبة، واغمض عینیه عن جمیع القرائن التأریخیة وسائر کلمات الإمام(علیه السلام) فی نهج البلاغة.


1. نهج البلاغة، الخطبة 3.
2. نهج البلاغة، الخطبة 3.
3. نهج البلاغة، الخطبة 74.
4. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 1/186; وقد نقل هذا المضمون الطبری فی 3/294 حوادث عام 23 هـ باختلاف طفیف.
5. تاریخ الطبری 2/405.
6. احقاق الحق 8/240. 
2 ـ لم لا یتحملوا عدالة علی(علیه السلام)؟دعونی والتمسوا غیری
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma