مهد الإمام(علیه السلام) فی الواقع بکلامه ما أراد أنّ یورده هنا فی إماطة اللثام عن بعض الحوادث الآتیة هو عین الیقین والحق الذی سمعه من رسول الله(صلى الله علیه وآله) ولا سبیل إلى مخالفته. وتفید هذه العبارات أن الإمام(علیه السلام) قد أخبر سابقاً عن بعض الحوادث فانکرها علیه بعض المنافقین أوضعاف الإیمان. فو عظهم(علیه السلام) بأنّ عدائی ومخالفتکم لی لا تدفعکم إلى مقارفة الذنب، ولاینبغی أن تسوقکم معصیتکم لی إلى اتباع هوى أنفسکم، فاذا سمعتم ما أقول أنکرتم علیَّ «أیّها الناس لا یجرمنکم(1) شقاقی(2)، ولا یستهو ینکم(3) عصیانی، ولا تتراموا بالأبصار، عند ما تسمعونه منّی».
ومراده(علیه السلام) أنّ الحقد والحسد والضغینة تسوق الإنسان فی أغلب الأحیان إلى ارتکاب الذنب والمعصیة، فتکون حجاباً على بصره لتمنعه عن رؤیة الحقائق.
ثم قال(علیه السلام): «فو الذی فلق(4) الحبة وبر(5) النسمة(6) إن الذی أنبئکم به عن النبی الاُمّی(7)صلى الله علیه وآله، ما کذب المبلغ، ولا جهل السامع» والعبارة التی صدرت بالقسم لمن ابداعات أمیرالمؤمنین(علیه السلام) التی ذکرت لمرات فی خطب نهج البلاغة، حیث یشیر إلى نقطة مهمّة وهى أنّ أهم وأعقد مسألة فی نظام عالم الوجود هى مسألة الحیاة; سواء فی عالم النباتات أوفی عالم البشریة، ورغم الجهود المضنیة التی بذلها الإنسان فی هذا المجال، مازالت هنالک الأسرار التی تختزنها هذه الحیاة لم تکتشف بعد. وبناءاً على هذا فانّ الحیاة رائعة الخلق و هو الشیء الذی یربطنا تأمله بالله و یدل على أن هذه الظاهرة العجیبة لیست بالشیء الذی انبثق دون علم الله وقدرته، فالاستفادة من هذه الأوصاف حین القسم تجسد مفهوما بارزاً فی الأذهان.
على کل حال فانّ هدف الإمام(علیه السلام) طمأنة مخاطبیه إلى أنّ مایقوله بشأن الحوادث المستقبلیة لایستند إلى الحدس والتخمین، ولا من قبیل نبوءات الکهنة، بل هو واقع وحق سمعه من رسول الله(صلى الله علیه وآله) ولیس الإمام(علیه السلام) من یخطىء فی إدراک کلام النبی (صلى الله علیه وآله). وعلیه فما یقوله هو عین الحقیقة والصواب، واطلاعهم على هذه الأحداث من سبیله الحد من أخطارها.
فقد ورد فی الخبر حین نزلت الآیة الشریفة: (وَتَعِـیَها أُذُنٌ واعِـیَةٌ)(8).
قال رسول الله(صلى الله علیه وآله) لعلی(علیه السلام): «سألت الله تعالى أن یجعلها أذنک یا علی! قال(علیه السلام) فما نسیت شیئاً بعد ذلک»(9).