تضییع النعم

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
الخطبة 107القسم الثالث

أشار الإمام(علیه السلام) فی هذا الموضع من الخطبة إلى أمرین مهمین مرتبطین مع بعضهما ارتباطاً واضحاً وهما:

الأول: أنّ المجد والعظمة التی بلغها المسلمون فی ظل الإسلام لهی عظمة فریدة لدى العدو والصدیق.

الثانی: أنّ اولئک الناس لم یعرفوا قدر هذه النعمة، وقد آلت أمورهم إلى الحکام الظلمة من عدیمی الإیمان وأصحاب الشهوات بفعل ضعفهم وذلهم وهو انهم، وهذا بحد ذاته جحود عظیم فقال(علیه السلام): «وقد بلغتم من کرامة الله تعالى لکم منزلة تکرم بها إماؤکم وتوصل بها جیرانکم».

واثر ذلک أخذ یعظکم من لستم خیرا منه، ولیس لکم من حق علیه «ویعظمکم من لا فضل لکم علیه، ولا ید لکم عنده».

کما یهابکم ویبجلکم من لیس لکم قدرة علیه، ولا حکومة أو سیطرة علیه «ویها بکم(1)من لا یخاف لکم سطوة(2)، ولا لکم علیه إمرة» فالواقع هو أنّ الإمام(علیه السلام) قد بیّن بهده العبارات الرائعة البلیغة منزلة المسلمین فی ظل الإسلام، ولم تقتصر حرمة العدو والصدیق لهم فحسب، بل شملت حتى جواریهم، کما عومل جیرانهم باللطف والرحمة کرامة لهم، کما کان یکبرهم ویجلهم من الأقوام من لیس لهم علیهم سطوة ولا قوة ولافضل ولا احسان، بل کان یهابهم حتى من لم یکن تابعاً لبلادهم.

فمن الواضح وعلى ضوء الحدیث الشریف: «من خاف الله أخاف الله منه کل شیء ومن لم یخف الله أخافه الله من کل شیء»(3)، أنّ المسلم إذا التزم بجوهر الإسلام وعمل باحکامه وما أمر به الله سبحانه واعتمد الورع والتقوى فی مسیرته الدینیة، یحظى باحترام الآخرین وإجلالهم. فهذه حقیقة لامبالغة فیها.

فقد أصبح المسلمون وفی ظل الإیمان یتمتعون بکافة معانی الشجاعة والاقدام والتضحیة والقوة والمنعة.

أصنف إلى ذلک فقد حفتهم العنایة الإلهیة والامدادات الغیبیة.

فقد نقل این أبی الحدید قصة رائعة بهذا الشأن. حیث قال: قیل إنّ العرب لما عبرت دجلة إلى القصر الأبیض الشرقی بالمدائن عبرتها فی أیام مدها، وهى کالبحر الزاخر على خیولها وبأیدیها رماحها، ولا درع علیها ولا بیض; فهربت الفرس بعد رمی شدید منها للعرب بالسهام; وهم یقدمون ویحملون، ولا تهولهم السهام، فقال فلاح نبطی، بیده مسحاته وهو یفتح الماء إلى زرعه لأسوار من الاساورة معروف بالبأس وجودة الرمایة: ویلکم! أمثلکم فی سلاحکم یهرب من هؤلاء القوم الحاسرین! ولذعه باللوم والتعنیف: فقال له: أقم مسحاتک، فأقامها فرماها، فخرق الحدید حتى عبر النصل إلى جانبها الآخر، ثم قال: انظر الآن، ثم رمى بعض العرب المارین علیه عشرین سهما لم یصبه ولا فرسه منها بسهم واحد; وأنّه لقریب منه غیر بعید. ولقد کان بعض السهام یسقط بین یدی الاسوار، فقال له بالفارسیة: أعلمت أنّ القوم مصنوع لهم! قال: نعم.(4)

ثم أشار(علیه السلام) فی القسم الأخیر من هذا الموضع من الخطبة إلى جحد الناس لتلک النعم والقدرة، فقال(علیه السلام) رغم کل ذلک لاتهتز لکم قصبة وأنتم ترون کل هذه الانتها کات ونقض العهود والقوانین والأحکام الإلهیة! فی حین تشتاطون غضباً فیما إذا نقضت ذمم آبائکم: «وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تغضبون! وأنتم لنقض ذمم آبائکم تأنفون(5)».

أی لو نقضت سنة قبلیة أو طائفیة کانت شائعة بینهم لارتفعت أصواتهم، فی حین ینتهک بنی أمیة السنن الإلهیة بمرأى ومسمع منهم دون أن ینبسوا ببنت شفة، وهذا قمة جحود النعم الإلهیة.

ثم قال(علیه السلام): «وکانت اُمور الله علیکم ترد، وعنکم تصدر، وإلیکم ترجع، فمکنتم الظلمة من منزلتکم، وألقیتم إلیهم أزمتکم، وأسلمتم اُمور الله فی أیدیهم».

وهذا جحود آخر، فبعد کل تلک القوة والقدرة ـ بحیث کان کل شیء بأیدیهم وتابع لارادتهم ـ أخلوا الساحة للظلمة ودعوهم یجلسون على منبر رسول الله(صلى الله علیه وآله) ویتحکموا بأمور المسلمین.

ثم قال(علیه السلام) فی وصف هؤلاء: «یعملون بالشبهات، ویسیرون فی الشهوات».

نعم فقد فوضت الاُمور على عهد رسول الله(صلى الله علیه وآله) إلى الصالحین فکانوا یعملون على ضوء التعالیم الإسلامیة، إلاّ أنّ الغفلة والضعف وجحود النعم أدى لأنّ یتزعم الاُمور تلک الثلة من سلیلی الجاهلیة وبقایا أهل الشرک والعصبیة، حیث تربع ابن أبی سفیان ـ أعدى أعداء الإسلام ـ على عرش الحکومة الإسلامیة فقلب اُمور الإسلام رأساً على عقب.

ذهب بعضى شرّاح نهج البلاغة إلى المراد بالعبارة 11: «وکانت اُمور الله علیکم ترد...» الأحکام الشرعیة، لا الحکومة وقالوا: کانت الأحکام الشرعیة الیکم ترد من رسول الله(صلى الله علیه وآله)ومن الإمام(علیه السلام)، ثم تصدر عنکم إلى من تعلمونه إیّاها من اتباعکم وتلامذتکم، ثم یرجع إلیکم بأن یتعلمها بنوکم وإخوتکم من هؤلاء الاتباع. أو المراد الحکم فی الأحکام الإلهیة.

وتبدو هذه الاحتمالات ضعیفة، ولا تنسحجم والعبارة «فمکنتم الظلمة من منزلتکم» التی تشیر إلى أمر الحکومة.

والمراد بالعبارة «یعملون بالشبهات» هو أنّ بنی أمیة کانوا یتمسکون بمتشابه القرآن أو کلمات النبی(صلى الله علیه وآله) ـ حیث کانوا یکیفونها بالاستعانة بالقراءات الجدیدة على مقاصدهم الانحرافیة ـ من أجل توجیه أعمالهم الشائتة، وهم لایفکرون سوى فی حفظ مصالحهم وشهواتهم الحیوانیة واحیاء سنن الجاهلیة.

ثم إختتم خطبته قائل: «وایم الله، لو فرقوکم تحت کل کوکب، لجمعکم الله لشر یوم لهم».

وقد ذهب أغلب شرّاح نهج البلاغة إلى أنّ المراد بهذه العبارة قیام أبی مسلم الخراسانی وقیام أهل العراق ضد بنی أمیة بحیث ینتقمون منهم شر انتقام ویجتثون جذورهم، بل قیل أنّهم ارتکبوا مالم یحفل التاریخ بمثیله.

ولایبدو صحیح الاحتمال الذی أورده بعض شرّاح نهج البلاغة من أنّ المراد بالعبارة المذکورة قیام المهدی(علیه السلام) حیث لاینسجم وسائر عبارات الخطبة.

وتشیر العبارة: «لو فرقوکم تحت کل کوکب» کنایة إلى ذروة التشتت والفرقة، وإلاّ لایمکن جعل کل إنسان تحت کوکب.


1. «یهاب» من مادة «هیبة» الاحترام المقرون بالخوف.
2. «سطوة» و أصله کما ورد فی مفردات الراغب، من سطا الفرس اذا اقام على رجلیه رافعاً یدیه. القهر والغلبة والتسلط.
3. الکافی 2/68.
4. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 7/177.
5. «تأنفون» من مادة «أنف» على وزن شرف بمعنى الحمیة و الغضب و العِزّة. 
الخطبة 107القسم الثالث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma