عبودیة الملائکة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم الثالثالقسم الثانی

لما فرغ الإمام(علیه السلام) من الحدیث فی الأقسام السابقة عن عظمة خلق الله وملکوت السموات، وأنّ ما نراه لأصغر بکثیر عما خفی علینا من أسرار، أشار هنا إلى الملائکة بفضلها دلالة على عظمة خلق الله فقال(علیه السلام): «من(1) ملائکة أسکنتهم سماواتک، ورفعتهم عن أرضک».

لاشک أنّ ملائکة لا تقتصر على سکنة سماواته، فهناک ملائکة الأرض التی تحفظ أعمال الانس وتدبر الاُمور باذن الله وتتولى قبض الأرواح. لکن بالنظر إلى أن الإمام(علیه السلام) لم یبین بالعبارة المذکورة حکما کلیا بشأن الملائکة بل تحدث عن طائفة منها فلیست هناک من مشکلة ـ و لا ضرورة لتلک التوجیهات التی ذکرها هنا بعض شراح نهج البلاغة.

ثم واصل الإمام(علیه السلام) کلامه فی الإشارة إلى بعض الصفات الثبوتیة والسلبیة لملائکة قائل: «هم أعلم خلقک بک، وأخوفهم لک، وأقربهم منک».

فالصفات الثلاث مرتبطة مع بعضها; لأنّه المعرفة العظمى للملائکة بالنسبة لذات الله تؤدی إلى خوفها، الخوف من التقصیر فی إداء الوظائف والمسؤولیات، والخوف الناشىء من عظمته وهیبة مقامه. والصفتان تؤدیان إلى قرب الملائکة من الله.

وهنا یبرز هذا السؤال کیف أنّ الملائکة أعلم من جمیع المخلوقات بالله وأقربها إلیه، والحال أنا نعلم أنّ أنبیاء الله ـ ولاسیما نبی الإسلام ـ وحتى بعض الصالحین أفضل من الملائکة، وأفضل دلیل على ذلک سجود کافة الملائکة لآدم، وأفضلیته علیهم من حیث العلم والمعرفة، وقد ورد فی الحدیث أنّ طائفة من الملائکة تقوم على خدمة الأنبیاء والصلحاء والمؤمنین، کما هناک الحدیث المشهور عن ترکیب خلق الإنسان من العقل والشهوة والملائکة من العقل دون الشهوة، فانّ غلب عقله شهوته کان أفضل من الملائکة، هو الآخر دلیل على أفضلیة الإنسان على الملائکة(2) ویمکن القول فی الاجابة على هذا السؤال: المراد الأعلمیة والقرب النسبی، وبعبارة اُخرى فانّ العبارة المذکورة شبیه الحصر الاضافی، کما یمکن القول أنّ العبارة حکم عام یستثنى منه الأنبیاء والأولیاء.

ثم أشار إلى صفاتهم السلبیة بعدم وجود نواقص فی الملائکة على غرار الناس، فذکر أربع صفات منها: «لم یسکنوا الأصلاب، ولم یضمنوا الأرحام، ولم یخلقوا من ماء مهین(3) ولم یتشعبهم(4) ریب(5) المنون».

من الواضح أنّ الاستقرار فی مکان محدود کصلب الأب ومن ثم رحم الاُم، والخلق من قطرة ماء تبدو تافهة، لهو نقص فی الإنسان; والحال لیست الملائکة کذلک، فلا من زواج ولا ولادة کالإنسان.

أضف إلى ذلک فهى لا تموت ولا تتغیر بسبب الزمان، ولا تمرض ولا تشیب وتعجز. فوجود هذه الممیزات وإن کانت من علامات شرف خلقة الملائکة، وأنّ الإنسان لاشک هو أسمى مقاماً منها من هذه الناحیة. إلاّ أنّ سبب عظمة الإنسان وأفضلیته على الملائکة إنّما تعود إلى روحه التی أشارت إلیها الآیة الشریفة: (َنَفَخْتُ فِـیهِ مِنْ رُوحِی)(6).

ومن هنا سجد الملائکة کلهم أجمعون لآدم(علیه السلام).

أمّا هدف بیان الإمام(علیه السلام) لکل هذه الصفات ما أراد ذکره فی العبارات اللاحقة «وأنّهم على مکانهم منک، ومنزلتهم عندک، واستجماع أهوائهم فیک، وکثرة طاعتهم لک، وقلّة غفلتهم عن أمرک، لو عاینوا کنه ما خفی علیهم منک لحقروا أعمالهم، ولزرو(7) على أنفسهم، ولعرفوا أنهم لم یعبدوک حق عبادتک، ولم یطیعوک حق طاعتک».

نعم فالملائکة ورغم تلک المعرفة والمقام الشامخ، فهى قاصرة عن معرفة عظمته ودائرة صفاته فی الجمال والجلال، وعلیه فلو فرض تعرفها على الله کما هو، لأکتشفوا أنّهم لم یعبدوه کما هو أهله ولم یطیعوه کما یستحقه. وکل ما أدوه ذرة لاقیمة لها ولاوزن.

فالعبارة تفید من جانب أنّ معرفة الإنسان بالله کلما تسامت، تضاعفت عبادته وطاعته لله. کما تفید من جانب آخر أنّ أحداً لم یعبد الله حق عبادته، کما أنّ أحداً لم یعرف الله حق معرفته، وذلک لأنّ الإنسان والملک ـ حتى أعظم الناس والملائکة ـ إنّما هو وجود محدود، والذات الإلهیة لیست محدودة، فلیس لهذا المحدود أن یؤدی حق عبادة الله ولاطاعته ولامعرفته. أمّا التعبیر بالأهواء جمع هوى فی العبارة «واستجماع أهوائهم فیک» فلا تعنی هوى النفس وشططها، بل تعنی الحب والرغبة، لانّ لهذا اللفظ معنیان. وبعبارة اُخرى یستعمل أحیاناً فی الحب الإیجابی واُخرى فی السلبی. والمراد بالعبارة أنّ الملائکة رکزت حبّها وعشقها فی الله سبحانه والعبارة «قلة غفلتهم عن أمرک» تفید امکانیة غفلة الملائکة، إلاّ أنّها طفیفة جداً. وشاهد ذلک الروایات الواردة فی بعضى الملائکة فی ترک الاولى. وعلیه فلا حاجة لذلک التکلف الذی صرح به بعض شرّاح نهج البلاغة من أنّ القلة هنا تعنی العدم.

على کل حال هذا هو حال الملائکة بهذه العبادة والطاعة لالآف السنین فما ظنک بعباداتنا وطاعاتنا البخسة؟ والجدیر بالذکر أنّ الرسول الأکرام(صلى الله علیه وآله) وبالنظر إلى الحدیث المعروف «ما عبدناک حق عبادتک، وما عرفناک حق معرفتک»(8)، قد التفت إلى هذه الحقیقة، أی عدم معرفة الله وعبادته کما یستحق، بینما تبیین العبارة المذکورة للإمام(علیه السلام) عدم التفات الملائکة لهذه المسألة، ولعل الآیة الشریفة: (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَنُقَدِّسُ لَکَ)(9) دلیل آخر على هذا المعنى، وهذا ما یوضح أفضلیة الإنسان على الملائکة.


1. بناء على ماورد فان «من» تبعیضیة وإشارة إلى بعض مخلوقات الله العظیمة التی وردت فی المقطع السابق من الخطبة.
2. وسائل الشیعة 11/164، أبواب جهاد النفس، الباب 9، ح 2.
3. «مهین» من مادة «مهانة» بمعنى الضعة والحقارة وماء مهین إشارة إلى المنی الذی لیس له قیمة من حیث المقدار ولا الظاهر.
4. «یتشعبهم» من مادة «تشعب» التفرق، وشعبة بمعنى الفرع الذی فصل عن الأصل.
5. «ریب» کل شک وتردید، ومنون حوادث الدهر أو الموت.
6. سورة الحجر/29.
7. «زروا» من مادة «زرى» على وزن سعى العیب والتوبیخ واللوم، والازراء بهذا المعنى أیضاً.
8. بین المرحوم العلاّمة المجلسی فی المجلد 68 من بحار الانوار ص23 الحدیث المذکور عن النبی(صلى الله علیه وآله)ضمن شرحه لبعض الاحادیث.
9. سورة البقرة/30. 

 

القسم الثالثالقسم الثانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma