العشق المقدس والهجین

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم الرابععالم الآخرة

لقد أشار الإمام(علیه السلام) بعبارة قصیرة بلیغة إلى حقیقة مهمة، طالما استغرق فیها العلماء والعرفاء والشعراء والاُدباء.

فقد قال(علیه السلام): «من عشق شیئاً أعشى بصره، وأمرض قلبه، فهو ینظر بعین غیر صحیحة، ویسمع باذن غیر سمیعة»، وقد دفعتنا هذه العبارة لأن نتحدث عن العشق، المقدس منه الایجابی، والمستهجن السلبی. فقد قیل الکثیر فی العشق وعظمته وجنونه وأمراضه، ولعلها من الکلمات القل التی وردت بشأنها کل هذه التعبیرات والتعاریف المختلفة والمتناقضة. فقد سمى به بعض الکتاب إلى درجة جعلتهم یرونه بمثابة ضابط الحیاة والسعادة الأبدیة! أو أنّ العشق معمار عالم الوجود.

کما أنّ تحدثوا عن إعجازاته بالنسبة للإنسان حیث ینشط روح الإنسان ویملأ قلبه حیویة وحرکة، بل قیل بانعدام طعم الحیاة بدونه.

وبالمقابل فهناک طائفة من الکتاب والفلاسفة الذین صعدوا من حملاتهم واتهاماتهم للعشق لیصوره کمرض مقیت یدعو إلى التقزز. فقد قال أحد الکتاب المعروفین: علینا أن نرى العشق عبارة عن عصارة الأدمغة الخاویة إن لم نقل بأنّه نوع من الجنون.

وقال کاتب آخر: أنّ العشق کمرض السرطان والنقرس الذی ینبغی أنّ یفر منه الإنسان العاقل.

فالتفسیرات المتناقضة للعشق تشیر إلى أنّ العلماء والمفکرین لم یتحدثوا جمیعاً عن شیء واحد. فهناک من تکلم عن العشق المقدس الذی یضفی القدسیة والطهارة على الإنسان، ویشده بقوته الفائقة نحو معشوقه الحقیقی خالق الوجود.

أمّا من ذمه منهم فانما قصد به ذلک العشق المادی والمفعم بالخطایا والرذائل والجنایات الذی یفضی غالباً إلى المرض والفضیحة والشقاء.

فالإنسان فی العشق المادی یقبل بجنون على الشیء الذی یتعلق به ویعشقه، ویضحی بکل مالدیه من أجله. فالمراد بهذا العشق هو تلک القوة السحریة التی تقود الإنسان إلى المعصیة والذنب والخطیئة، وکل ما قیل فی ذمه فهو قلیل.

فهذه القوة الطاغیة تخرب العقل وتشل حرکته وفاعلیته بحیث یقدم الإنسان على الأعمال الجنونیة الطائشة.

وتتمثل اولى مخاطر ذلک بتعظیمه العیوب والقبائح. فمثل هؤلاء العشاق یبتکرون أنواع التفاسیر المذهلة لأقبح العیوب.

فهم لایقبلون النصح ولا یصغون إلى الوعظ، بل یهبون أحیاناً للوقوف بشدة بوجه الناصحین والوعاظ.

والغریب فی الأمر أنّ الأشخاص الذین یعیشون مثل هذا العشق المادی الجنونی یشعرون أنّهم بلغوا إدراکاً حرم منه معظم الآخرین.

فهم یعیشون فی هالة من الأوهام والخیالات ولایفهمون سوى لغة العشق الطائش، فلا یفهمون لسان العلم والمنطق الذی یحدثهم به الآخرون.

وبالطبع فان جذبة هذا العشق غالباً ما تطفىء بالمجامعة!

آنذاک تطرح الحجب فیلتفت إلى الواقع. وکان هذا العاشق قد نهض من سبات عمیق لیتبدل لدیه ذلک العشق إلى نفرة ومقت، وذلک لأنّه یرى نفسه قد فقد کل شیء مقابل ذلک المعشوق; الأمر الذی یقود بالتالی إلى الفضیحة والخزی.

الفضیحة التی لایمکن تلافیها بعد الیقظة.

وبالطبع فانّ أغلب حالات الانفصال والانتحار إنّما تفرزه هذه الحالة من العشق لعمق الهوة بین الخیال والواقع.

ولا تقتصر هذه النتائج المریرة على العشق الجنسی، بل تترتب نفسها على عشق المال والمقام والجاه والجلال المادی.

ولعل هذا هو المعنى الذی أشار إلیه الإمام الصادق(علیه السلام) حین سأله أحد أصحابه فقال(علیه السلام): «قلوب خلت عن ذکر الله، فأذاقها الله حب غیره»(1).

وورد فی حدیث عن علی(علیه السلام) فی عجز العاشق عن رؤیة الحقائق إذ قال: «عین المحب عمیة عن معایب المحبوب، وأذنه صماء عن قبح مساویه»(2).

وإلى هذا العشق المجازی أشار الحدیث النبوی الشریف: «من عشق فعف ثم مات، مات شهیداً»(3).

کما قال(صلى الله علیه وآله): «من عشق وکتم وعف وصبر، غفر الله له، وأدخله الجنّة»(4).

وعلى العکس من ذلک فی العشق الحقیقی والمقدس فانّ روح الإنسان تعیش حالة من الصفاء والنور، فلا یرى سوى معشوقه الحقیقی مظهر الکمال المطلق، فیتحمل فی سبیله کافة الشدائد.

فقد ورد فی الحدیث القدسی: «إذا کان الغالب على العبد الاشتغال بی جعلت بغیته ولذته فی ذکری، فاذا جعلت بغیته ولذته فی ذکری، عشقنی وعشقته، فاذا عشقنی رفعت الحجاب فیما بینی وبینه»(5).

وما مناجاة أمیر المؤمنین(علیه السلام) بالاسحار ودعاء الصباح ودعاء کمیل وتضرع الإمام الحسین(علیه السلام) فی یوم عرفة فی تلک الصحراء والمناجاة الخمس عشرة للإمام السجاد(علیه السلام) التی وردت فی الصحیفة السجادیة ودعاء الندبة الذی یلهج به لسان المنتظر لظهور إمام العصر والزمان(علیه السلام) الامعطیات وآثار هذا العشق الطاهر. وعلیه یتضح ممّا مر معنا أنّ الذم الذی أورده بعض العلماء لمفردة العشق وتلک الحساسیة التی ابدوها تجاهه إنّما مرادهم العشق الملوث المشوب بالخطیئة، وإلاّ فالعشق المقدس من أعظم القوى المحرکة للإنسان والتی تدفع به نحو الله سبحانه والقیم والمثل الإنسانیة النبیلة، ویخطىء کل من یتصور خلو کلمات المعصومین(علیهم السلام)من هذه المفردة التی کثرت فی روایات النبی(صلى الله علیه وآله) وأئمة العصمة(علیهم السلام).

ومن ذلک مارواه المرحوم الکلینی عن النبی(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها، وأحبها بقلبه، وباشرها بجسده، وتفرغ لها»(6).

وورد فی حدیث آخر بشأن الصحابی الجلیل سلمان: «إن الجنّة لأعشق لسلمان من سلمان للجنّة»(7).

قال العلامة المجلسی فی ذیل الحدیث الأول العشق یعنی الإفراط فی الحب و قد تصوروه یختص بالأمور الباطلة دون حب الله، بینما تفید هذه الروایة لیس الأمر کذلک، و إن إقتضى الإحتیاط أن لانستعمل مفردة العاشق و المعشوق على الله.


1. بحار الانوار 70/158.
2. غرر الحکم، 6314.
3. کنز العمال، 6999.
4. کنز العمال، 7002.
5. کنز العمال 1/433، ح 1772.
6. الکافی 2/83، ح 3، باب العبادة.
7. بحار الانوار 22/341.  
القسم الرابععالم الآخرة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma