خاض الإمام(علیه السلام) فی مرحلة اُخرى تواجه الإنسان، بعد أنّ أشار إلى دنیا الطالحین واللحظات المریرة التی یعیشونها آخر حیاتهم حین الاحتضار. فقد تطرق(علیه السلام) هنا إلى القیامة والحساب لیکمل بحث مصیر الإنسان ویکون عبرة للاخرین، بهدف الیقظة والابتعاد عن الانحراف وسلوک الصراط المستقیم.
فقال(علیه السلام): «حتى إذا بلغ الکتاب أجله، والأمر مقادیره، وألحق آخر الخلق بأوله، وجاء من أمر الله ما یریده من تجدید خلقه»، نعم فحیاة الإنسان فی هذه الدنیا لیست هدفاً غائیاً، بل هى مقدمة لتلک الحیاة الخالدة فی ذلک العالم الخالد.
«أماد(1) السماء و فطرها، و أرج(2) الأرض و أرجفها،(3) و قلع جبالها و نسفها،(4) ودک(5) بعضها بعضا من هیبة جلالته ومخوف سطوته».
حیث یقع انفجار عظیم فی السموات والأرض فیضنى عالم المادة تماماً فیظهر علیه عالم جدید، کما أشار القرآن الکریم إلى ذلک العالم کونه العالم الذی تقام علیه القیامة والحساب: (یَوْمَ تُـبَدَّلُ الأَرضُ غَیْرَ الأَرضِ وَالسَّمـواتُ وَبَرَزُوا لِلّهِ الواحِدِ القَـهّارِ).(6)
والواقع هو أنّ الإمام(علیه السلام) قد اقتبس هذه العبارة من الآیة الشریفة: (إِذا السَّماءُ انْفَطَرَتْ * وَ إِذا الکَواکِبُ انْتَثَرَتْ)(7).
کما قال بشأن الأرض: (إِذا رُجَّـتِ الأَرْضُ رَجّـاً * وَبُسَّـتِ الجِبالُ بَـسّاً * فَـکانَتْ هَـباءً مُنْـبَثّ)(8).
وقال: (یَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ * تَتْبَعُها الرّادِفَةُ)(9)
ثم قال(علیه السلام): «وأخرج من فیها، فجددهم بعد إخلاقهم جمعهم بعد تفرقهم».(10)
وهذه بدایة قیامة الإنسان، حیث یعود إلى حیاة جدیده یرد بها المحشر.
والعبارة «جددهم» إشارة واضحة إلى المعاد الجسمانی واعادة بناء الإنسان وتکامله الجسمی فی المحشر.
والعبارة «وجمعهم بعد تفرقهم» ممکن أن تکون إشارة إلى تجمع الناس فی المحشر، أو جمع الذرات المتفرقة لکل إنسان من أجل تجدید حیاته، ولا مانع أن تکون العبارة إشارة إلى کلا المعنیین.
ثم قال(علیه السلام): «ثم ممیزهم لما یریده من مسألتهم عن خفایا الأعمال، وخبایا الأفعال، وجعلهم فریقین: أنعم على هؤلاء وانتقم(11) من هؤلاء».
والعبارة: «خبایا الأفعال، وخفایا الأعمال» یمکن أن یرادبها مطلب واحد، یعنی الأعمال الخفیة: کما یحتمل أن تکون «خفایا الاعمال» إشارة إلى الأعمال التی تتم فی الخفاء وان أتی بها وسط الناس، و«خبایا الأفعال» إشارة إلى الأعمال التی تتم فی الخلوات، لأنّ خبایا جمع خبیئة الشیء المخبوء.
على کل حال لیس هنالک من عمل من أعمالنا بخفی على الله، لأنّه حاضر فی کل مکان و العالم حاضر لدیه.