کیف وقعتم فی فخ العدو

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
نبذة عن شخصیة معاویةالقسم الأول

کما ذکرنا سابقاً فانّ المخاطب بهذه الخطبة هم خوارج النهروان الذین کلمهم الإمام (علیه السلام)بهذا الکلام لإتمام الحجّة علیهم وهدایة وإرشاد الفئة الضالة المنخدعة، فقال بادىء الأمر من أجل إعدادهم: «أَکُلُّکُمْ شَهِدَ مَعَنَا صِفِّینَ؟ فَقَالُوا: مِنَّا مَنْ شَهِدَ وَمِنَّا مَنْ لَمْ یَشْهَدْ».

رغم أنّ المدّة بین معرکة صفین ومقاتلة خوارج النهروان لم تکن طویلة، لکن لا یعلم کیف اتصلت الفئة الثانیة التی لم تشهد صفین بالفئة الأولى الباغیة، وربّما أثرت علیها وساوس الفئة الأولى سمومها التی بثّتها بین أهل الکوفة فجعلتها تلتحق بها وتقف معها فی مواقفها الفاسدة.

ثم قال (علیه السلام): «فَامْتَازُوا فِرْقَتَیْنِ، فَلْیَکُنْ مَنْ شَهِدَ صِفِّینَ فِرْقَةً، وَمَنْ لَمْ یَشْهَدْهَا فِرْقَةً، حَتَّى أُکَلِّمَ کُلاًّ مِنْکُمْ بِکَلاَمِهِ».

فالعبارة تفید أنّ المخاطبین بحدیث مهم إن لم یکونوا على مستوى واحد فانّ الفصاحة والبلاغة تقتضی تمییزهم عن بعضهم والتحدث لکل بما یتناسب ووضعه، لیکون للکلام أثره المرجو والمطلوب، ومن هنا سلک الإمام (علیه السلام) هذا النهج: «وَنَادَى النَّاسَ، فَقَالَ: أَمْسِکُوا عَنِ الْکَلاَمِ، وَأَنْصِتُوا لِقَوْلِی، وَأَقْبِلُوا بأَفْئِدَتِکُمْ إِلَیَّ، فَمَنْ نَشَدْنَاهُ(1) شَهَادَةً فَلْیَقُلْ بِعِلْمِهِ فِیهَا».

فالذی یستفاد من هذه العبارة أنّ الخوارج أو جیش الإمام (علیه السلام) ممن حضر هناک، أو کلاهما، أنّهم کانوا مشغولین بالکلام مع بعضهم البعض الآخر، فقد دعاهم الإمام (علیه السلام) إلى الصمت والاستماع لما یقول والاقبال علیه بقلوبهم لیستعدوا للتفاعل مع الکلام، کما إختار من جمعهم بعض الشهود: «ثُمَّ کَلَّمَهُمْ(علیه السلام) بِکَلاَم طَوِیل، مِنْ جُمْلَتِهِ أنْ قَالَ (علیه السلام):»(2).

فقد أخذ الإمام (علیه السلام) أیدیهم إلى الماضی القریب وذکّرهم بکبر أخطائهم وعظم معصیتهم وتمردهم، ثم خاطب الفرقة التی شهدت صفین: «أَلَمْ تَقُولُوا عِنْدَ رَفْعِهِمُ الْمَصَاحِفَ حِیلَةً وَغِیلَةً(3)، وَمَکْراً وَخَدِیعَةً: إِخْوَانُنَا وَأَهْلُ دَعْوَتِنَا، اسْتَقَالُونَ(4) وَاسْتَرَاحُوا إِلَى کِتَابِ اللّهِ سُبْحَانَهُ، فَالرَّأْیُ الْقَبُولُ مِنْهُمْ وَالتَّنْفِیسُ(5) عَنْهُمْ؟».

بعد ذلک طرح الإمام (علیه السلام) ردّه على تلک الخدعة: «فَقُلْتُ لَکُمْ: هذَاأَمْرٌ ظَاهِرُهُ إِیمَانٌ، وَبَاطِنُهُ عُدْوَانٌ، وَأَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَآخِرُهُ نَدَامَةٌ».

وعلیه: «فَأَقِیمُوا عَلَى شَأْنِکُمْ، وَالْزَمُوا طَرِیقَتَکُمْ، وَعَضُّوا عَلَى الْجِهَادِ بِنَوَاجِذِکُمْ، وَلاَ تَلْتَفِتُوا إِلَى نَاعِق نَعَقَ: إِنْ أُجِیبَ أَضَلَّ، وَإِن تُرِکَ ذَلَّ».

لکن مع الأسف فقد وقعت هذه الفتنة (التحکیم) ورأیتکم استجبتم لها، والآن قد ارتفع صوتکم بعد أن سقطتم فی الفتنة: «وَقَدْ کَانَتْ هذِهِ الفَعْلَةُ، وَقَدْ رَأَیْتُکُمْ أَعْطَیْتُمُوهَا».

حقّاً، إنّه لمن دواعی العجب! فقد عرضوا الإمام لأشد الضغوط فی اللحظات الأخیرة لتلک المعرکة المصیریة والتی أشرفت على تحقیق النصر النهائی حتى فرضوا علیه الاستجابة لخدعه عمرو بن العاص وقبول التحکیم، بل أبعد من ذلک هددوه بالقتل إن لم یصدر أمره لمالک الأشتر بالانسحاب والفّ عن القتال، ولما زالت الحجب وتکشفت الأمور وبانت الخدعة توجهوا باللوم إلى الإمام (علیه السلام) لم قبلت التحکیم، بدلاً من العودة إلى نفوسهم والاعتذار والهم بإصلاح ما بدر منهم من أخطاء).

الجدیر بالذکر فی هذا الأمر أنّ الإمام (علیه السلام) میز الخوارج فی بدایة الأمر إلى فرقتین، فرقة شهدت صفین وأخرى لم تشهدها، لتتضح قضیة وهى إن تمرّت الفرقة الثانیة بفعل جهلها وعدم إحاطتها بأحداث صفین، فما بالکم أنتم الذین شهدتم صفین وتابعتم الأحداث؟ فما المنطق والاُسس التی دفعتکم للقدوم إلى النهروان؟ کیف تتهمونی بمسؤولیة التحکیم؟

وهکذا أتمّ الحجّة علیهم وعلى اُولئک الفریق الثانی الذی خدع بالفریق الأول ورافقه إلى المیدان، ولیس هنالک أسوأ ممن لا یصغی لکلام الناصح الأمین المشفق، فان أصابته مصیبة بما قدمت یداه نسب التقصیر فیها إلى ذلک الناصح وجابهه بالإعتراض، نعم، هذا هو دین الأفراد البعیدین عن الانصاف والذین ینسون ما یصدر منهم من أفعال.

ثم أوضح الإمام (علیه السلام) حقیقة الموقف بصورة أخرى لیقسم بأنّه لو لم یقبل التحکیم لما کان علیه من مسؤولیة فی الالتزام بلوازمها ولا یحملها الله سبحانه ذنبها ووزرها: «وَاللّهِ لَئِنْ أَبَیْتُهَا مَا وَجَبَتْ عَلَیَّ فَرِیضَتُهَا، وَلاَ حَمَّلَنِیَ اللّهُ ذَنْبَهَا».

إشارة إلى مراده: إن خالفت بشدّة مسألة التحکیم فی بدایة الأمر فذلک لکی لا أکون مسؤولاً تجاه لوزامها ولا یلحقنی وزرها; لأنّ قضیة التحکیم أدّت إلى تقویة حکومة طواغیت الشام وذهبت بدماء شهداء صفین أدراج الریاح، فذلت دعاة الحق وأشعرتهم بالیأس.

ثم قال (علیه السلام) إثر ذلک: «وَوَاللّهِ إِنْ جِئْتُهَا إِنِّی لَلْمُحِقُّ الَّذِی یُتَّبَعُ; وَإِنَّ الْکِتَابَ لَمَعِی، مَا فَارَقْتُهُ مُذْ صَحِبْتُهُ».

إشارة إلى أنّه حین رأیت ما وقع بینکم من شقاق فی مسألة التحکیم یتطلب أن أمنعه، وبخلافه لنازع أحدکم الآخر وشهر السیف فی وجه صاحبه ولقاد ذلک الأمر إلى فضیحة کبرى، وهنا شعرت بالاضطرار لقبول التحکیم.

أضف إلى ذلک فلو فوضتم التحکیم إلى من هو عالم به ولا یفارقه ومحیط بمضمونه ولم تتجهوا صوب فرد بسیط وجاهل کأبی موسى الأشعری، لفشلت تلک المؤامرة وخمدت الفتنة، وإن کان فیها من ضرر فهو جزئی محدود، لکنکم فرضتم علیَّ التحکیم وکذلک أجبرتمونی على تحکیم أبی موسى الأشعری، فسقطتم فی هذه الفتنة وتکبدتم کل هذه الأضرار فما تقولون بهذا الخصوص؟ فهل علیَّ أن أتحمل مسؤولیة تقصیرکم؟ وأدفع ثمن جریمتکم؟ والذی نخلص إلیه مّا مرّ معنا من کلام:

1 ـ أنّ الإمام (علیه السلام) أقسم مرّتین فی هذا المقطع من کلامه، سیّما فی القسم الثانی الذی أردفه بالتوکید لیبیّن بعده کل البعد عن أدنى تقصیر.

2 ـ ما بیّنه الإمام (علیه السلام) فی القسمین المذکورین لیس فیه ما یدلّ على تردیده فی مسألة للتحکیم، بل إشارة إلى حالتین مختلفتین، فقد کان مخالفاً بشدّة فی البدایة، لأنّه کان یعتبرها مکر وحیلة خطیرة، ولما اختلف جیشه وصحبه، وأبى الأعم الأغلب منهم إلاّ التحکیم، استجاب للتحکیم دفعاً للفتنة وإبعاداً للفرقة والشقاق، وعلیه فقد کانت مخالفته فی بدایة الأمر وموافقته تستند إلى الحکمة، وبغض النظر عمّا سبق لو لم یصرّ ذلک الفریق الجاهل على تحکیم ذلک العنصر الفاسد کأبی موسى الأشعری لما کانت المشاکل بذلک الحجم، فذلک الإصرار الفض هو الذی أدّى إلى عقم نتائج معرکة صفین والامتیاز الذی حصل علیه أعداء الإسلام، وبناءاً على هذا فانّ هذه الفئة المتعصبة أخذت تفقد مواضعها الواحد بعد الآخر حتى انتهت إلى ذلک المصیر الأسود، والعجیب أنّهم استجیب للتحکیم؟!

لکن وعلى کل حال، فانّ منطق الإمام (علیه السلام) بهذا الخصوص قد أتى أکله فعادت طائفة عظیمة من الخوارج إلى نفسها فتابت وکفت عن القتال، حتى صرّحت کتب التاریخ بأنّ الأغلبیة الساحقة من الخوارج قد تابت ووقفت على عظیم زلّتها.


1. «نشد»: من مادة «نشد» بمعنى النداء والسؤال والطلب وهنا بمعنى الاستشهاد.
2. هل هذه الجملة للسید الرضی أم کلام روای الخطبة الذی نقل عنه السید الرضی، لا یعلم بالضبط، لکن من المسلم به أنّ کلام الإمام (علیه السلام) أکثر ممp ورد فی نهج البلاغة وقد اعتاد السید الرضی على اقتطاف أفصح وأبلغه.
3. «غیلة»: بمعنى «غدر».
4. «استقالوا»: من مادة استقالة بمعنى عودة الشیء.
5. «تنفیس»: بمعنى الکف والحل.

 

نبذة عن شخصیة معاویةالقسم الأول
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma