خاض الإمام علی (علیه السلام) فی هذا المقطع ـ الذی یمثل المقطع الأخیر من الخطبة ـ فی أمرین:
الأول: یدعو فیه على العدو، وهوالدعاء الذی یجر علیهم الهزیمة والعذاب الإلهی ویشدّ من عزیمة صحبه ویضاعف إرادتهم فقال: «اللَّهُمَّ فَإِنْ رَدُّوا الْحَقَّ فَافْضُضْ(1) جَمَاعَتَهُمْ، وَشَتِّتْ کَلِمَتَهُمْ، وَأَبْسِلْهُمْ(2) بِخَطَایَاهُمْ».
جدیر ذکره أنّ الإمام (علیه السلام) اشترط اللعن بعدم قبول الحق، وذلک لأنّ الهدف النهائی من هذا القتال لا یکمن فی الاستیلاء على العدو والسلطة، بل لیس للإمام (علیه السلام) من هدف سوى قبول الحق، فانّ قبله انتفت الحرب، وهذه هى فلسفة قتال دعاة الحق وأهل الإیمان طیلة التاریخ.
والأمر الآخر: هو أنّ الإمام (علیه السلام) ذکر اختلاف الکلمة ضمن دعائه کوسیلة لتفریق العدو وهزیمته والذنوب من أسباب البؤس والشقاء، ومن هنا کان دعاؤه درساً، لیس درس واحد بل دورس. وفی القسم الآخر من هذا المقطع من الخطبة أشار إلى وصیّة قتالیة مهمّة أخرى فقال لهم، إن أردتم الانتصار علیکم بتوجیه الضربات الموجعة إلى العدو وأن تقوم کل فرقة من العسکر بمهمتها الخاصة ومتابعة العدو حین الهزیمة دون إمهاله لیتحقق النصر الشامل، فشرح ذلک قائلاً: «إِنَّهُمْ لَنْ یَزُولُوا عَنْ مَوَاقِفِهِمْ دُونَ طَعْن دِرَاک(3)، یَخْرُجُ مِنْهُمُ النَّسِیمُ، وَضَرْب یَفْلِقُ الْهَامَ، وَیُطِیحُ(4) الْعِظَامَ، وَیُنْدِرُ(5) السَّوَاعِدَ وَالاَْقْدَامَ».
ثم واصل (علیه السلام) حدیثه مؤکداً على ضرورة شن الهجمات علیهم تلو الهجمات وأن تتبنى فرقة مطاردتهم ورمیهم بالسهام، وأن تعاضد کل فئة الاُخرى وتحمل على العدو، کما یقوم الفرسان بمطاردتهم حتى المدن حتى نتدوس حوافر خیلکم آخر نقطة فی أرضهم والاستیلاء على مسار الذهاب والأیاب والطرق المرای من کل جانب: «وَحَتَّى یُرْمَوْا بِالْمَنَاسِرِ(6) تَتْبَعُهَا الْمَنَاسِرُ; وَیُرْجَمُوا بِالْکَتَائِبِ(7)، تَقْفُوهَا الْحَلاَئِبُ(8); وَحَتَّى یُجَرَّ بِبِلاَدِهِمُ الْخَمِیسُ(9) یَتْلُوهُ الْخَمِیسُ; وَحَتَّى تَدْعَقَ(10) الْخُیُولُ فِی نَوَاحِرِ(11) أَرْضِهِمْ، وَبِأَعْنَانِ(12) مَسَارِبِهِمْ وَمَسَارِحِهِمْ(13)».
فقد علم الإمام (علیه السلام) فی هذه الخطبة جنوده الآداب الفردیة للقتال، وفی القسم الأخیر الآداب الجماعیة فی کیفیة عمل الکتائب والفرق والخیّالة والمشاة وتنسیقها فیما بینهما تجاه العدو والاعتماد على الأسالیب العلمیة فی القضاء على العدو، ومن النقاط المهمّة التی تطرق إلیها الإمام (علیه السلام) فی هذا المقطع من الخطبة هى عدم التوانی فی إتمام النصر على العدو، وربّما کانت للإنسحابات أبعاد المباغتة، والهدف تشدید الحملات، فلا یدمی تعقیب العدو إلى أقصى نقاط مناطقة والاستیلاء على کل مکان لیزول بالمرة أی احتمال لأنّ یشن العدو هجماته.
والحق لو عمل جیش الإمام (علیه السلام) بهذه الوصیّة فی صفین والتی أوردها الإمام(علیه السلام) قبل المعرکة لخمدت فتنة بنی أمیة إلى الأبد ولزال شبح ظلمهم وجور حکمهم عن المسلمین، ولکن واللأسف فقد سمعوا کل هذه الوصایا وضربوها عرض الحائط فتجرعوا مرارة تمردهم.
خاض المرحوم السید الرضی(رضی الله عنه) فی نهایة هذه الخطبة بشرح بعض مفرداتها الصعبة فقال:
الدعق: الدق، أی تدق الخیول بحوافرها أرضهم، ونواحر أرضهم: متقابلاتها ویقال: منازل بنی فلان تتناحر أی تتقابل، انتهى کلام السید الرضی.
ولکن فسّر أغلب أرباب اللغة النواحر بمعنى المناطق البعیدة وهذا ما یناسب الخطبة.