الردّ على الخوارج

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
قضیة التحکیمالقسم الأول

کما ورد سابقاً فانّ الخطبة ردّ على اعتراض قبول الإمام (علیه السلام) للتحکیم، ومضمون کلام المعترضین: لم قبلت تحکیم فردین فی هذا الأمر الدینی المهم؟ والحال لا حـکم إلاّ لله ولیس لعامة الأفراد من حق فی الحکم فی الوظائف الدینیة، أمّا الإمام (علیه السلام) فقد أشار فی ردّه إلى نقطة مهمّة فقال: «إِنَّا لَمْ نُحَکِّمِ الرِّجَالَ، وَإِنَّمَا حَکَّمْنَا الْقُرْآنَ. هذَا الْقُرْآنُ إِنَّمَا هُوَ خَطٌّ مَسْتُورٌ(1)بَیْنَ الدَّفَّتَیْنِ(2)، لاَ یَنْطِقُ بِلِسَان، وَلاَبُدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَان. وَإِنَّمَا یَنْطِقُ عَنْهُ الرِّجَالُ».

إشارة إلى أنّ القرآن الکریم بیّن طائفة من الأحکام الکلیة وعلى العالمین بالقرآن استنباط الأحکام الجزئیة وإبلاغها إلى عموم الناس، أو بعبارة أخرى تطبیق تلک الکلیات على المصادیق، على سبیل المثال قال القرآن الکریم: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاُْخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِی تَبْغِی حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَیْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ)(3).

لا شک أنّ معرکة صفین أحد مصادیق هذه الآیة، ووظیفة الحکمین ـ إن کانا على الصواب وعالمین بالاُمور ـ أن یقولا: لمّا بایع الناس علیاً (علیه السلام) إضافة إلى نص النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)علیه فانّ عامة الاُمة والصحابة قد قبلت خلافته، فمن سلک غیر هذا السبیل کان مصداقاً للباغی والظالم وعلیه العودة إلى الاُمة و التوبة، فان أبى وجب على المسلمین مقاتلته حتى یرعوی عن غیه.

ومسألة التحکیم لا تشذ عن هذا الأمر، فهى لیست سوى ما یقوم به قضاة الإسلام، أی أنهم یطبقون أحکام الکتاب والسنّة على مصادیقها ویصدرون الأحکام بهذا الخصوص، فهل هناک من اعتراض على هذا الکلام؟ للأسف لم یدرک الخوارج الجهال هذا المطلب الواضح ولم یدعهم تعصبهم وجهلهم لیفهموا ذلک فیعوا الهدف الأصلی من الحکومة.

ثم خاض الإمام (علیه السلام) فی توضیح هذا المعنى قائلاً: «وَلَمَّا دَعَانَا الْقَوْمُ إِلَى أَنْ نُحَکِّمَ بَیْنَنَا الْقُرْآنَ لَمْ نَکُنِ الْفَرِیقَ الْمُتَوَلِّیَ عَنْ کِتَابِ اللّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَقَدْ قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِی شَیْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ)(4)».

فوضح الإمام (علیه السلام) الآیة بالقول: «فَرَدُّهُ إِلَى اللّهِ أَنْ نَحْکُمَ بِکِتَابِهِ، وَرَدُّهُ إِلَى الرَّسُولِ أَنْ نَأْخُذَ بِسُنَّتِهِ; فَإِذَا حُکِمَ بِالصِّدْقِ فِی کِتَابِ اللّهِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ، وَإِنْ حُکِمَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلاَهُمْ بِهَا».

ومن هنا فقد أثبت الإمام (علیه السلام) بوضوح أنّ تحکیم الکتاب والسنّة لا تعنی سوى الرجوع إلیهما، ولما کنّا مأمورین بهذا الأمر، فلیس لأحد أن یعترض علینا لم قبلنا التحکیم، فخطأ المعترض فی تصوره أننا قبلنا تحکیم الأشخاص، والحال إننا لم نقبل سوى تحکیم کتاب لله.

وهنا سؤال یطرح نفسه: یفهم من کلام الإمام (علیه السلام) هذا أنّه قبل التحکیم على ضوء رغبته ورضاه ووظیفته الشرعیة، والحال یفهم من عدّة خطب وردت فی نهج البلاغة أنّ التحکیم فرض على الإمام (علیه السلام) وکان ممتعظاً من هذا الأمر، فکیف یمکن حلّ هذا التناقض؟

لابدّ من القول فی الإجابة عن هذا السؤال أنّ الإمام (علیه السلام) لم یکن مخالفاً للتحکیم قط، بل کان الإمام (علیه السلام) یؤکد على أمرین: الأول: هو أنّ رفع المصاحف على أسنة الرماح کان خدیعة ومؤامرة تهدف الحیلولة دون انتصار جیش الإمام (علیه السلام) فی اللحظات الأخیرة من المعرکة، وإیجاد الفرقة والاختلاف بین صفوف عسکر الإمام (علیه السلام)، وإلاّ فأهل الشام لم یکونوا مستعدین لقبول تحکیم القرآن الکریم، فلم یکونوا من أهل الدین ولا القرآن حسب تعبیر الإمام (علیه السلام)(5).

الأمر الآخر: هو أنّ الإمام (علیه السلام) کان معترضاً على أبی موسى الأشعری کممثل له فی تحکیم القرآن، وعلیه فلیس هنالک من تناقض بین هذه الخطبة وسائر الخطب نهج البلاغة، والشاهد على ذلک ما فعله الإمام الحسین (علیه السلام) یوم عاشوراء طبق نقل أرباب المقاتل أنّه وضع المصحف على رأسه وخاطب أهل الکوفة: «یـا قَومِ إِنّ بَینِی وَبَینَکُم کِتابُ اللهِ وَسُنَّةُ جَدِّی رَسُولُ اللهِ»(6).


1. «مستور»: الشیء الخفی، إلاّ أن هذه المفردة وردت مسطورة فی بعض النسخ من مادة سطر وردت صفة للخط فی العبارة وهی أنسب.
2. «دفتین»: مثنى «دفة» بمعنى جانب کل شیء ویقال دفتین لجانبی الکتاب أو القرآن.
3. سورة الحجرات / 9.
4. سورة النساء / 59.
5. کما ورد فی سند هذه الخطبة.
6. مسند الإمام الشهید 2/43، وقد نقل هذا الأمر فی الأصل مقتل الحسین، للمقرّم وقد نقله عن تذکرة الخواص لابن الجوزی (مقتل الحسین /233).

 

قضیة التحکیمالقسم الأول
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma