من المسائل الغایة فی الصعوبة والمرارة فی التاریخ الإسلام هو أنّ علیاً (علیه السلام) بدلاً من أن یأخذ بزمام أمور الاُمة الاسلامیة بعد رسول الله (صلى الله علیه وآله) لینشر الإسلام فی الشرق والغرب ویحفظ مبادىُ الإسلامیة، قد تسلم الحکومة الإسلامیة والاُمّة الإسلامیة عاشت الانحراف عن العدالة والزهد بفعل اضطراب عهود الخلفاء ولا سیّما عهد عثمان الذی ضاعت فیه القیم الإسلامیة وقد وضعت الأموال والمناصب تحت تصرف حثالة بنی أمیة وآل مروان، فهم لا یفکرون إلاّ فی المال والثروة والمقام والسیطرة على الناس، وقد انتعشت أغلب مثل الجاهلیة، فقد قام الإمام (علیه السلام) فی ظل هذه الظروف العصیبة من أجل إحیاء القیم الإسلامیة وسنّة رسول الله (صلى الله علیه وآله) وإطفاء فتن الجاهلیة، من خلال الحث والتبشیر أحیاناً والانذار واللوم أحیاناً أخرى، ون خلال الاستشهاد بحوادث عصر النبی الأکرم (علیه السلام) ومقارنتها بالأوضاع السائدة، کما یستعین أحیاناً بتاریخ سالف الأنبیاء والعذاب الذی صبّ على العتاة الذین تمردوا علیهم، وهکذا أخذت تظهر الفضائل الإسلامیة والإنسانیة شیئاً فشیئاً بین أصحاب الإمام (علیه السلام) حتى استقرت وتبلورت بعد أن رویت شجرتها بدم الإمام (علیه السلام)، وکادت أن تثمر، ولکن مع الأسف الشدید أنّ تلک الأجواء تعکرت بفعل فتن الناکثین والقاسطین والمارقین، وقد بلغت الجریمة بأحدهم لأن ینهال بالسیف على رأس الإمام (علیه السلام) لتبقى تلک البرامج ناقصة، فتنشط من جدید الشیاطین لتعیث فی الأرض الفساد.