شرائط حکّام العدل

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
آفة الحکوماتالقسم الثالث

خاض الإمام فی المقطع الأخیر من الخطبة فی بیان خصائص ولاة العدل ودعاة الحق حیث أشار إلى ست صفات من صفاتهم، وهکذا یختتم هذه الخطبة التی أوردها بشأن الحکومة الإسلامیة، والحذیر بالذکر أنه استهل الکلام بالعبارة «وقد علمتم» حیث یرى الالتزام بهذه الصفات من الأمور العقلیة الواضحة والمسلمة التی یعرفها کل شخص، أو على الأقل ینبغی معرفتها من کل شخص، فقال: «وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ یَنْبَغِی أَنْ یَکُونَ الْوَالِی عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالاَْحْکَامِ، وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِینَ الْبَخِیلُ، فَتَکُونَ فِی أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ(1)».

والواقع هو أنّ هذه الأمور تشکل أصول الحیاة الفردیة والاجتماعیة للناس وهى الفروج، والأرواح، والأموال، والقوانین، وإدارت الدولة التی ینبغی لللإمام المدبّر والواسع الآفاق والعادل المنصف أن یؤدّی حقوقها جمیعاً، فتأمن الأمّة على أرواحها وأموالها وأعراضها، وتطبق القوانین والأحکام وتوکل زعامة الاُمة وإمامتها إلى الصالحین من أفرادها، فان کان إمام الخلق بخیلاً اقتصرت همّته وشهوته على جمع الأموال وضحى بکل شیء من أجل بلوغ هذا الهدف، فلا من أمن واستقرار، ولا من احترام للقوانین والأحکام.

ثم قال (علیه السلام) فی بیان الصفة الثانیة: «وَلاَ الْجَاهِلُ فَیُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ»، فلا شک أنّ العلم بالأحکام والموضوعات والأسالیب الصحیحة تعدّ من أهم دعائم الحکومة ولیس للجهّال من الأفراد قدرة إدارة شؤون الحکومة وإن صفت نیّتهم واتصفوا بالورع و التقوى، فهم یقودون الاُمة إلى المجهول بجهلهم.

وقال (علیه السلام) فی بیان الصفة الثالثة: «وَلاَ الْجَافِی(2) فَیَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ»، فمن أبرز صفات والی العدل العطف والمحبّة والسماحة والمدارسة، ونعلم بأنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله) قد استقطب القلوب البعیدة عن الحق بهذه الشفقة والمحبّة، وهذه رحمة إلهیّة کبرى کما وصفها القرآن الکریم بالقول: (فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنْتَ فَظّاً غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ...)(3).

ثم قال (علیه السلام) فی الصفة الرابعة: «وَلاَ الْحَائِفُ(4) لِلدُّوَلِ(5) فَیَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْم»، وهذا هو البلاء الذی أصاب عثمان، وقد سدّد الضربات المهلکة للمجتمع الإسلامی بحیث لا یمکن معالجتها، فقد أغدق أموال بیت المال المسلمین على قرابته وبطانته ومتملقیه، ممّا أدّى إلى قیام المظلومین علیه حتى قتلوه فظهرت الخلافات العظیمة بین الناس آنذاک وما زالت أثارها باقیة.

ثم قال (علیه السلام) فی الصفة الخامسة: «وَلاَ الْمُرْتَشِی فِی الْحُکْمِ فَیَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ، وَیَقِفَ بِهَا دُونَ الْمَقَاطِعِ(6)»، فأهم عامل للحکم بالظلم والجور هو الرشوة التی یقدمها أصحاب الثراء والقدرة فیغیرون مسار القضاء لیصدر أحکامه لصالحهم ضد أصحاب الحق فیحولون دون إجراء الحق والعدل.

طبعاً فلسفة القوانین والمحاکم حفظ حقوق الضعفاء، وإلاّ فالأقویاء یحفظون حقوقهم، وإن تسللت هذه الرشوة إلى المحکمة ونفذت إلى ذهن القاضی والتی لا یقوى على دفعها سوى الأثریاء والأقویاء، فعندما تسلب قدرة الضعفاء على الدفاع فتضیع حقوقهم، وهذا هو الأمر الذی نشهده فی کافة أنحاء عالمنا المعاصر، ومن الضروری الالتفات إلى هذه النقطة أنّ الرشوة لا تقتصر على الجانب المالی، فقد تتخذ أشکالاً أخرى کتصفیة الحسابات السیاسیة والوصول إلى المناصب والمقامات والشهوات الجنسیة والمدح الکاذب وأمثال ذلک، وهکذا تتحرک عجلة المحکمة باتجاه الظلم والجور.

وقال (علیه السلام) فی الصفة السادسة الأخیرة: «وَلاَ الْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَیُهْلِکَ الاُْمَّةَ»، طبعاً یمکن أن یکون المراد بالسنّة سنّة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) أو السنن والقوانین التی أمضاها الله فی عالم الخلقة أوالسنین الاجتماعیة الحسنة التی أشیر إلیها فی عهد مالک الأشتر: «وَلاَ تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هذِهِ لاُْمَّةِ»، أو جمیعها وإن بدا المعنى الأول هو الأقرب.


1. «النهمة»: تعنی فی الأصل الحاجة وشدّة الحب لشیء والمبالغة فی الحرص علیه.
2. «الجافی»: من مادة «جفاء» تعنی قی الأصل العنف وأخذ الشیء.
3. سورة آل عمران / 159.
4. «الحائف»: من مادة «حیف» بمعنى الظلم والجور وتعنی فی الأصل الانحراف فی الحکم التمییز.
5. «دول»: جمع «دولة» بمعنى المال.
6. «المقاطع»: جمع «مقطع» بمعنى أخر کل شیء، کما تطلق هذه المفردة أحیاناً على الحدود الإلهیّة التی تنتهی بجرم المجرمین وقد وردت بهذا المعنى فی العبارة، وفی إشارة إلى أنّ القاضی إن کان مرتشیاً فانّه لا یأذن باجراء حدود الله تعالى.

 

آفة الحکوماتالقسم الثالث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma