الحاقدون الظالمون

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
القسم الثانیالقسم الأول

لا شبهة ولا شک أنّ طلحة والزبیر کانا من بین اُولئک الذین أثاروا الناس ضد عثمان ویجمع العدو والصدیق على اشتراکهما فی قتل عثمان، کما أعلنت عائشة صراحة اعتراضها على عثمان، إلاّ أنّ العجیب ما إن هبت الاُمة لمبایعة علی (علیه السلام) فتسلم زمام الأمور حتى وقف بوجهه طلحة والزبیر وکذلک عائشة، والأعجب من ذلک أنّ حجّتهم لذلک الوقوف هو الطلب بدم عثمان، ولا زال التاریخ یحفل بالکثیر من هذه العجائب والأفراد الذین یحرصون على الدنیا وزخارفها، على کل حال فانّ الإمام (علیه السلام) أشار فی هذه الخطبة إلى هذا المطلب فقال: «وَاللّهِ مَا أَنْکَرُوا عَلَیَّ مُنْکَراً، وَلاَ جَعَلُوا بَیْنِی وَبَیْنَهُمْ نِصْف(1)»، ثم أضاف قائلاً: «وَإِنَّهُمْ لَیَطْلُبُونَ حَقّاً هُمْ تَرَکُوهُ، وَدَماً هُمْ سَفَکُوهُ».

ثم استدلّ بدلیل واضح على ذلک فقال: «فَإِنْ کُنْتُ شَرِیکَهُمْ فِیهِ، فَإِنَّ لَهُمْ نَصِیبَهُمْ مِنْهُ، وَإِنْ کَانُوا وَلُوهُ ]وُلُّوهُ [دُونِی فَمَا الطَّلِبَةُ إِلاَّ قِبَلَهُمْ. وَإِنَّ أَوَّلَ عَدْلِهِمْ لَلْحُکْمُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ»، قطعاً لیس الإمام (علیه السلام) من ید فی قتل عثمان، وإن اعتبر أغلب الصحابة أنّ عثمان یستحق القتل، إلاّ أنّ الإمام (علیه السلام) لیس فقط لن یشترک فی هذا العمل فحسب، بل بعث بولدیه الحسن والحسین(علیهما السلام) للدفاع عنه، مع ذلک صرّح تجاه ذرائع طلحة والزبیر وبغیة سلبهم حق المطالبة فقد قال لم یقل أحد بأنّی کنت الوحید فی قتل عثمان على فرض أنّی اشترکت فی قتله، فقد شرکتمونی فیه، وعلیه فأی منطق یستول لکم مطالبة الآخرین بأمر اشترکتم فیه معهم، وإن کنتما لوحدکما من فعل ذلک، فالعقاب یقتصر علیکم، وعلیکم أن تدینوا أنفسکم قبل أی شخص، فالمتعارف بین الساسة الشیاطین أنّهم یسعون لخلق بعض الذرائع التی یستحسنها العوام بغیة التشنیع على منافعهم، فهم یبذلون قصارى جهدهم لإتهام منافسهم بما یشوه سمعتهم لدى الرأی العام، وفی ظلّ هذه الأجواء تغیب معانی المنطق والعدالة والوجدان والشرف، فالهدف إقصاء المنافس الخصم مهما کان الثمن، وهذا بالضبط هو المنهج الذی مارسه طلحة الزبیر وعائشة بعد بیعة الاُمة لعلی (علیه السلام) فألبّوا الکثیر من الناس لقتاله (علیه السلام) حتى احترقوا بنیران تلک المعارک، على کل حال فانّ الإمام (علیه السلام) سلب من خصومه الحجّة وأفشل خططهم لیعلم الناس أنّهم قتلة عثمان وقد تذرعوا بالمطالبة بدمه وهدفهم ضمان مصالحهم الشخصیة، فهم لا یفکرون فی الناس ولا یهتمون بدم الخلیفة المظلوم.

ثم واصل الإمام (علیه السلام) کلامه بالإشارة إلى حدیث النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) بشأن أصحاب الجمل الذین ینقضون البیعة: «إِنَّ مَعِی لَبَصِیرَتِی(2); مَا لَبَسْتُ وَلاَ لُبِسَ عَلَیَّ. وَإِنَّهَا لَلْفِئَةُ الْبَاغِیَةُ; فِیهَا الْحَمَأُ وَالْحُمَةُ، وَالشُّبْهَةُ الْمُغْدِفَةُ; وَإِنَّ الاَْمْرَ لَوَاضِحٌ; وَقَدْ زَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ نِصَابِهِ، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ شَغَبِهِ(3)».

فهذا الکلام إشارة للحدیث المعروف عن النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «لا تَذهَب اللّیالِی وَالأَیّامُ حتّى تَتنابَحَ کِلابُ مـاء بِالعِراقِ یُقَالُ لَهـا الحَوأَبُ إِمرَأَةً مِنْ نِسـائِی فِی فِئَة بَاغِیة»(4).

فالحدیث یشیر إلى الحادثة المعروفة لأصحاب الجمل حین قدموا من المدینة إلى البصرة، فلمّا بلغوا الحوأب نبحت عائشة کلابها، فتذکرت حدیث النبی (صلى الله علیه وآله) فقالت: إرجعونی إلى المدینة، لکن الساسة المحترفین جندوا أهل تلک المنطقة لیشهدوا بأنّ تلک المنطقة لیست الحوأب(5).

وروى ابن عساکر فی «تاریخ دمشق» ومتقى الهندی فی کنز العمال أنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله) قال لعلی (علیه السلام): «یَا عَلَیُّ ستُقاتِلُ الفِئَةِ البَاغِیةِ وَأَنتَ عَلَى الحَقِّ فَمَن لَم یَنصُرکَ یَومَئذ فَلَیسَ مِنِّی»(6)، ومن هنا قال الإمام (علیه السلام) إنّ معی لبصیرتی ما لبست ولا لبس علیَّ، فالعبارة: «فِیهَا الْحَمَأُ وَالْحُمَةُ»، بالنظر إلى أنّ الحمأ بمعنى المستنقع والمادة الغامقة فی جرف الأحواض والجداول، والحمة بضم ففتح بمعنى الإبرة اللاسعة للعقرب والحیة، فهى کنایة عن الأفراد الأرجاس والخطیرین الذین کانوا من مثیری فتنة الجمل.

وهنا تفسیر آخر لهاتین المفردتین فی أنّ الحمأ بمعنى القرابة الحمیمة والحمة بمعنى الزوج وهى کنایة عن الزبیر بن العوام ابن عمة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)، وعائشة إحدى أزواج النبی (صلى الله علیه وآله)، والعبارة الشبهة المغدقة بالنظر إلى أنّ المغدقة من مادة أغداق تعنی فی الأصل التغطیة إشارة إلى الضجة التی أقامها أصحاب الجمل بعنوان المطالبة بدم عثمان والحال أیدیهم ملطخة بدم عثمان، بینما صوروا أنفسهم من حماته، وهذه العبارة لا تنافی العبارة اللاحقة التی قالت بوضوح المطلب، لأنّ المراد هو عدم خفاء الأمر على الأفراد من ذوی العقول والإدراک، لأنّهم کانوا على علم بمؤامرات أصحاب الجمل ودعایاتهم المغرضة الکاذبة.

ثم إختتم الإمام (علیه السلام) کلامه بتوجیه تهدید شدید استهله بالقسم فقال (علیه السلام): «وَایْمُ اللّهِ لاَُفْرِطَنَّ(7) لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ(8)، لاَ یَصْدُرُونَ عَنْهُ بِرِیٍّ(9)، وَلاَ یَعُبُّونَ(10) بَعْدَهُ فِی حَسْی!(11)».

کما أوردنا فی الخطبة العاشرة التی تشبه إلى حدّ بعید هذه الخطبة، مراد الإمام (علیه السلام) من هذه العبارة أنّی سأجعل من میدان معرکة الجمل مستنقعاً خطیراً مملوءاً بالماء بحیث لا یسعهم الهروب منه وأخمد الفتنة فی مهدها حتى لا یفکروا قط فی العودة إلى مثل ذلک المیدان، وکما ورد فی التواریخ فانّ الإمام (علیه السلام) حقق عملیاً ما قاله، فقد قتل زعماء الجمل وعادت عائشة مخذولة إلى المدینة وافتضح أصحاب الفتنة وتشتتوا فی البلاد.


1. «نصف»: بکسر النون وضمها الإنصاف.

2. أوردنا شرحاً تاماً للعبارة «إنّ معی لبصیرتی» فی هذا الکتاب 1/481.
3. «شغب»: مصدر وبمعنى تهییج الشر والفساد.
4. منهاج البراعة 8/338; الاحتجاج 1/165.
5. أورد ابن الأثیر فی المجلد الثانی، ص315 عن الکامل شرحاً مفصلاً لقضیة نباح کلاب الحوأب وصراخ عائشة وعزمها على الرجوع وشهادة البعض على کذب من قال تلک المنطقة هى الحوأب.
6. تاریخ دمشق 32/171، طبعه بیروت; کنز العمال 12/211 طبعة حیدر آباد (مطابق نقل أحقاق الحق 17/166).

7. «افرطن»: من مادة «افراط» تعنی فی الأصل تجاوز الحدّ، لکنّها وردت أحیاناً بمعنى القیام بالحدّ الأکثر من العمل وقد جاءت بهذا المعنى فی العبارة، یعنی سأملأ حوض المعرکة للخصوم (طبعاً المراد حوض المنیة) بحیث لا یبقى أمامهم من سبیل للنجاة، وبناءاً على هذا فلا مجال لطرح مثل هذا السؤال أو یمکن  للإمام (علیه السلام) أن یفرط فی شیء.
8. «ماتح»: من مادة «متح» على وزن مدح بمعنى سحب الماء من الأعلى کسحب الماء من البئر بواسطة الدلو، وعلیه فالماتح تطلق على من یطرح الدلو بواسطة الحبل فی البئر ویسحب منه الماء.
9. «ریّ»: اسم مصدری ومصدره «ری» على وزن حی والباء للمعیة.
10. «یعبون»: من مادة «عبّ» بمعنى شرب الماء أو مانع أخر دون تنفس.
11. «حسی»: السهل من الأرض الذی یتجمع فیه الماء.

 

القسم الثانیالقسم الأول
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma