(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ کَثِیراً مِّنَ الْجِنِّ والاِْنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ یَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْیُنٌ لاَّ یُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ یَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِکَ کَالاَْنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِکَ هُمُ الْغَافِلُونَ).(الاعراف / 179)
إنَّ کلمة «ذرأ» مأخوذة من مادة ذَرْء على وزن (زَرْع) وتعنی الخلق، لکن المستخلص من «مقاییس اللغة» أنّ أصلها یعنی «نثر البذور».
ویحتمل لهذا السبب ذکر الراغب فی «مفرداته» أن معناها الأصلی هو «الاظهار والایضاح»، بینما قال البعض کما فی «التحقیق فی کلمات القرآن»: إنَّ معناها الأصلی هو «النثر والنشر».
فإذا أُرید منها الخلق فیکون معنى الآیة: إنَّ أولئک الذین وهب الله لهم السمع والبصر والفؤاد ... (وسائل المعرفة) ولم یستفیدوا منها لا مصیر لهم غیر جهنم، وإذا کانت «ذرأ» بمعنى النشر والنثر، فالآیةُ تُشیر إلى أنّ أشخاصاً کهؤلاء سینثرون فی جهنم.
وعلى أیّة حال فهذه الحقیقة تکشف عن أنّ عاقبة الجهل وتعطیل وسائل المعرفة لیست سوى نار جهنم.
(وَقَالُوا لَوْ کُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا کُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِیرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لاَِّصْحَابِ السَّعِیرِ).(الملک / 10 و 11)
نعم إنَّ ذنبهم العظیم هو أنّهم لم یستفیدوا من عقولهم وعطلوها عن النهوض بمهامها، ولم یصغوا لقول الحق وبهذا أغلقوا أبواب المعرفة والعلم، وفتحوا أبواب جهنم لیدخلوها داخرین.
إنّ سیاق الآیة الثانیة التی تنسب الإثم إلى أصحاب السعیر وهم یعترفون بأنّ مصیرهم ما کان هذا لو أنهم استفادوا من عقولهم، وهذا الاعتراف الکاشف عن الندم، دلیل على أنّ سلوکهم لهذا الطریق کان باختیارهم، وإذا زعم بعض المفسّرین کالفخر الرازی عند تفسیره للآیة الاُولى أنّها دلیل على الجبر، فإنّ الثانیة تنفی مزاعمه وتصلح لأنّ تکون مفسرةً للاولى لأنّ «القرآن یفسر بعضه بعضاً».
وعلى أیّة حال فإنّ العلاقة بین «جهنم» و«الجهل» لاجدال فیها فی القرآن وسوف تتضح فی الأبحاث القادمة أکثر(1).