2 ـ هل توجد معرفة فطریة؟

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن ( الجزء الأول)
السؤال1 ـ فروع الفطرة والوجدان

بالرغم من أنّ الجمیع یشعرون بشکل عام بوجود هذا المصدر فی ذواتهم، أی یشعرون بوجود مجموعة من الخطابات والالهامات، أو بتعبیر آخر وجود إدراکات لا تحتاج معلماً أو استاذاً، إلاّ أنّ بعضاً من الفلاسفة شکک فی هذا المصدر، وعلى العموم توجد ثلاث نظریات فی هذا المجال:

أ) نظریة الذین یعتقدون أن کل ما لدى الإنسان من معلومات موجود فی باطنه، وما یتعلمه فی الدنیا، یتذکره فی الحقیقة، لا أنّه یتعلمه من جدید! هذا ما نقل عن افلاطون واتباعه(1).

ب) نظریة أولئک الذین یدّعون أنّ المعرفة بجمیع أقسامها عند الإنسان فطریة، بالرغم من اذعانهم لِقابلیة الإنسان على إدراک القضایا المختلفة، ویتصورون أنّ إدراکهُ الفطری انعکاس لتجاربه وحاجاته والضرورات الاجتماعیة.

اعتبر «فروید» عالم النفس المعروف «الوجدان الأخلاقی» مجموعة من النواهی الاجتماعیة والمیول المکبتوتة فی ضمیر الإنسان، یقول: إنّ «الوجدان الأخلاقی» لا یمثل سلوکاً ذاتیاً وعمیقاً لروح الإنسان، بل إنّه رؤیة باطنیة بسیطة للنواهی الاجتماعیة، ولا یوجد فی تاریخ المجتمع ولا تاریخ الفرد تصورات بدائیة عن حسن الأشیاء وقبحها، وقد تولدت هذه التصورات من البیئة الاجتماعیة وتشعبت عنه(2).

وقد فسر أتباع المذهب المادی (الدیالکتیک) الإدراکات الفطریة على أساس مقولتهم المعروفة «کل شیء ولید الظروف والاوضاع الاقتصادیة»، فانکروا وجودها.

ج) نظریة أولئک الذین یرون أن قسماً من معلوماتنا فطریة والقسم الآخر مُکتسب، والمعلومات المکتسبة تنتهی إلى تلک المعلومات الفطریة وهی أساسها.

وقد أثبتت الأدلة المنطقیة العقلیة، والأدلة النقلیة من الآیات والروایات هذه النظریة وذلک للاسباب الآتیة:

أولا: أننا نعتقد بوجود قضایا بدیهیة مُسَلّمٌ بها فی الریاضیات وبدون تلک البدیهیات لا یمکن اثبات أیّة قضیة ریاضیة، کذلک الأمر بالنسبة للقضایا الاستدلالیة الاُخرى، فلابد من اعتمادها على قضایا بدیهیة مسلّم بها تکون الأساس لکلِّ استدلال.

وبعبارة اُخرى: لو أنکرنا القضایا الفطریة بالکامل لأَنکرنا جمیع معارفنا، لأنّ جمیع القضایا العقلیة ستکون مرفوضة، وسنسقط فی النهایة فی وأدّی السفسطة.

وإذا أثبتنا ـ مثلا ـ بالحس والتجربة أو بدلیل عقلی وجود أمر ما، فإذا کنّا غیر واثقین بقضیة «استحالة اجتماع النقیضین» التی تعتبر من القضایا البدیهیة جدّاً، فعندئذ یمکننا التشکیک بالأمر، والقول بإمکانیة عدم وجود الأمر الذی أثبتنا وجوده!

وإذا أردنا إثبات هذه الاصول البدیهیة بالتجربة والاستدلال فسینتهی الأمر بنا إلى الدور والتسلسل ولا تخفى سلبیات هذا الأمر على أحد.

ثانیاً: فضلا عمّا سبق، فکما نعترض على السفسطائیین (الذین ینکرون کل شیء) وکذا المثالیین (الذین ینکرون الحقائق الخارجیة، ویعتقدون بالاُمور الذهنیة فقط) وبالاستناد إلى الوجدان نقول: إنّ الوجدان یشهد ببطلان مثل هذه العقائد، لأننا ندرک أنفسنا والعالم الخارجی الذی یحیط بنا بوضوح، فکذلک الأمر هنا، لأنّ هذه الضرورة الوجدانیة دلیل على وجود کثیر من الإدراکات الباطنیة.

وکما أننا نحس بحاجات جسمیة وروحیة کثیرة (الحاجات الجسمیة مثل الأکل والشرب والنوم، والروحیة مثل المیل إلى العلم والاحسان والجمال والعبادة والقداسة) ویقول بعض علماء النفس: (إنّ هذه المقتضیات تشکل الأبعاد الأربعة لروح الإنسان).

فهذا الوجدان ذاته یصرح لنا بحسن الاحسان والعدالة وقبح الظلم والاعتداء، وفی هذه الإدراکات لا نحتاج إلى مصدر اجتماعی أو اقتصادی أو غیر ذلک بل یکفینا الوجدان.

إنَّ حجة أمثال «فروید» و«مارکس» واضحة، حیث أنّهم یعتقدون بأصل واحد وهو
رجوع کل قضیة اجتماعیة وفکریة إلى الجنس أو الاقتصاد، ویصرون على توجیه کل شیء على ضوء هذا الأصل.

ثالثاً: إنّ الموضوع واضح من جهة نظر توحیدیة، لأنا إذا سلّمنا أنّ الإنسان خُلِقَ للتکامل على أساس سنة إلهیة، فلا ینبغی الشک فی أنّ وسائل ودوافع مثل هذا التکامل یجب أن تکون مهیئة فی ذاته، وموجودة، وأنّ ما جاء به الأنبیاء وما ورد فی الکتب السماویة متناسب وهیئة الإنسان التکوینیة.

وعلیه، فحاکم التکوین والخلقة متناسب وفی تناسق کامل مع عالَم التشریع.

أو بتعبیر آخر، فإنّ خلاصة هذه التعلیمات مودعة فی ذات الإنسان وأنّ ما جاء فی الشرائع السماویة هو شرح مفصل لهذه الخلاصة من التعلیمات.

ولهذا، فلا یمکن التشکیک فی التعالیم الفطریة التی یؤیدها العقل والرؤیة الکونیة التوحیدیة.


1. یقول افلاطون: إنّ الروح قبل حلولها فی البدن ودخولها فی العالم المجازی کانت فی عالم المعقولات والمجردات و«المُثل»، أی أنّها أدرکت الحقائق ونسیتها بمجرّد دخولها فی عالم الکون والفساد، إلاّ أنّها لم تنمحِ عنها بالکامل، فالإنسان کالظل والشبح فما هو فی «المُثل» یتذکره بمجرّد الالتفات إلیه، فکسب العلم والمعرفة تذکر فی الحقیقة، وإذا کان الإنسان جاهلا منذ البدء فلا یمکنه تحصیل العلم (مسیر الحکمة فی اروبا ج 1، ص 23 ـ نظریات افلاطون).
2. أفکار فروید، ص 105; ومجموعة ماذا أعلم ـ للأمراض اخر الروحیة ـ، ص 64 (بالفارسیة).

 

السؤال1 ـ فروع الفطرة والوجدان
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma