2 ـ کیفیة الارتباط بین ینابیع العلم والتقوى؟

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن ( الجزء الأول)
3 ـ استغلال العلاقة بین «العلم» و«التقوى»1 ـ علاقة العلم بالتقوى فی الروایات الإسلامیة

ما هو تأثیر التقوى واجتناب الذنوب وترک التلوث بها على مسألة المعرفة؟ وبتعبیر آخر: ما هی العلاقة المنطقیة بین العلم والأخلاق؟

فی الحقیقة أنّ لهذین الاثنین علاقة تقارب قویة، وأی علاقة أقرب وأوثق من العلاقة المتبادلة بین هذین الاثنین؟ فالتقوى ینبوع العلم، کما أنّ العلم ینبوع التقوى، ولیس هذا بأمر طبیعی فحسب بل إنّه أصل أساسی للسیر فی طریق المعرفة.

فیمکن الاستدلال على تأثیر التقوى على العلم بالطرق التالیة:

أ) إنّ السنخیة والتنسیق تسببان الجاذبیة والإرتباط دائماً.

فعندما تتطهر روح الإنسان وتزکى بالتقوى تحصل جاذبیة قویة بینها وبین المعارف والعلوم الحقیقیة «فالسنخیة تبعث على الإرتباط العجیب».

ب) إنّ منجل التقوى یحصد جمیع الأشواک من مزرعة روح الإنسان، ویُعدّ القلب وبهیئه لنمو بذور العلم والمعرفة، بل إذا دققنا النظر فإنّ بذور العلوم جمیعها قد بذرها الله فی هذه المزرعة، والمهم فی الأمر هو حصد الأعشاب المزاحمة وإرواء المزرعة.

وقد جاء فی حدیث للمسیح(علیه السلام) مخاطباً فیه أنصاره قائلا:

«لیس العلم فی السماء فینزل الیکم، ولا فی تخوم الأرض فیصعد علیکم، ولکن العلم مجبول فی قلوبکم مرکوز فی طبائِعکم، تخلقوا باخلاق الروحانیین یظهر لکم»(1).

ج) نعـلم أنّه لا وجـود للبخل والحسد فی مبدأ عالم الوجود، وعلى ما جاء فی الآیة: (وَاِنْ مِّـنْ شَىْء اِلاَّ عِنْدَنـَا خَزَائِنُـهُ وَمـَا نُنَزِّلُهُ اِلاَّ بِقَـدَر مَّعْلُوْم).(الحجر / 21)

فإنّ خزائن النعم غیر المتناهیة عند الله، ما ینقصه زیادة کرمه وکثرته شیئاً، بل إنّ جوده وکرمه یتجلّى أکثر «وَلا یَزِیدُهُ کَثْرَةُ العَطاءِ إلاّ جُوداً وَکَرَما».

وعلیه، فإنّ الحرمان سببه عدم أهلیة الأشخاص، إنّ التقوى تجعل الإنسان أهلا للفیض الإلهی، وأی فیض أرفع شأناً من المعارف والعلوم الإلهیّة؟

إنّ القلوب کالأوعیة کما یقول أمیر المؤمنین(علیه السلام): «إنَّ هذِهِ الْقُلُوب أَوْعِیَةٌ فَخَیْرُها أوعاها»(2) والمهم هو أنّ نوسع هـذه الأوعیة، وأن لا تـکون مقلوبة لا تسع ولو لقطرة واحدة، وهذا الأمر ممکن فی ظل التقوى.

أمّا التأثیر المتبادل بین العلم والتقوى: فهو أنّ العلم الحقیقی یمحو جذور الرذائل الأخلاقیة وینابیع الإثم والذنب، ویمثل أمامه عواقب الاُمور، وهذه المعرفة تعین الإنسان على تبلور التقوى فی قلبه وعلى ابتعاده عن الإثم، ویتضح من هنا أنّ العلم ینبوع للتقوى، کما أنّ التقوى ینبوع للعلم، غایة الأمر أنّ مرحلة من التقوى تسبب مرحلة من العلم، وتلک المرحلة من العلم تسبب مرحلة أرفع من التقوى، وعلى هذا المنوال فإنّ کلا منهما یوثر فی الآخر تأثیراً متبادلا، وقد تکون الآیة: مشیرةً إلى هذه النقطة:

(اِنَّ الَّـذِینَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طـَائِفٌ مِّنَ الشَّیْطـَانِ تَذَکَّرُوا فـَإِذَا هُـمْ مُّبْصِرُونَ).(الاعراف / 20)

أی أنّ التقوى تکون فی البدایة، ثم التذکر، ثم البصیرة، والنتیجة هی النجاة من وساوس الشیاطین.


1. تفسیر الصراط المستقیم، ج 1، ص 267.
2. نهج البلاغة، الکلمات القصار، الکلمة 147.

 

3 ـ استغلال العلاقة بین «العلم» و«التقوى»1 ـ علاقة العلم بالتقوى فی الروایات الإسلامیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma