المعرفة والشعور بالمسؤولیة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن ( الجزء الأول)
النتیجةتمهید

إنّ الآیة الاُولـى بعـدما أشارت إلى ماضی بعض من الأقوام السالفة (مثل قوم لوط وشعیب والفراعنة) ونزول أنواع من العذاب علیهـا، قـالت: ( وَکَذَلِکَ أَخْذُ رَبِّکَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِـىَ ظـَالِمَةٌ) ثم قـالت فی النهـایة: (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِیمٌ شَدِیدٌ)ثـم قـالت: ( إِنَّ فِى ذَلِکَ لاَیَةً لِّمَنْ خـَافَ عَذَابَ الاْخِـرَةِ) أی فـی قصص الأمم السـالفة وعقابهم ونـزول العذاب علیهم آیـة واضحة لمن خـاف عذاب الآخرة.

لقد جاءت مفردة «آیة» نکرة، وذلک للاشارة إلى عظمة وأهمیّة هذه الآیة الإلهیّة ودور العبرة فیهـا، والتعبیر بـ ( لِمَـنْ خـَافَ عَذَابَ الاْخِـرَةِ) إشارة إلى الأرضیة المُعدَّة للمعرفة عند أولئک الذین یخافون من عذاب الآخرة.

أمّا أولئک الذین لا یخافون عذاب الآخرة فلا یدرکون علاقة هذه الذنوب بأنواع العذاب الإلهی، إنّهم یعدون العذاب أمراً قهریاً وجبریاً، أو یرجعون أسبابه إلى حرکة الأفلاک والنجوم وأوهام وخرافات اُخرى، ولا یدرکون الأسباب الحقیقیة له(1).

إضافة إلى هذا، فإنّ الإنسان لا یقطع بالعذاب الدنیوی ما لم یقطع بالعذاب الاُخروی، لأنّ کلیهما ولید شیء واحد وهو معرفة الله ومعرفة عدالته.

إنّ جملة « وهی ظالمة » تلمیـح إلى أنّ الأخذ والدمار کان بسبب ظلم تلک القرى، وبتعبیر آخر: فإنّ جمیع الانحرافات العقائدیة والسلوکیـة داخـلة فی مفردة الظلم.

والآیة الثانیة بعدما أشارت إلى آیات الله فی السموات والأرض: وبیان قدرته على کلّ شیء أکّدت بأنّ اللهَ لم یعجز عن عذاب أولئک العصاة الذین سخروا بآیات الله واتهموا الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله) بالجنون، واعتبروا المعاد محالا، إنْ شئنا خسفنا بهم الأرض، أو أسقطنا علیهم من السماء أحجاراً سماویة: (إِنْ نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الاَْرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَیْهِمْ کِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ).

إنّ « کِسَـف » جمع کِسْـف ویعنـی القمـاش المقطّـع قطعـاً قطعـاً، وقد استعملت هذه المفردة هنا إشارة إلى بعض الکرات السماویة التی تنفجر تحت ظروف خاصة وتتحول إلى
قطع متعددة تسبح فی السماء، وإذا ما دخـلت فی مدار الأرض، تحولت (بایعاز من الله) إلى أمطار من حجر، أو سقطت على وجه الأرض بصورة قِطَع حجریة کبیرة، کلٌّ منها یمکنها تدمیر منطقة واسعة من سطح الأرض، کـما أنّ العلماء اکتشفـوا نماذَج من هذه الکُتَل الحجریة فی منطقة «سیبیریا».

ثم قالت الآیة فی النهـایة: (إِنَّ فِى ذَلِکَ لاَیَةً لِّکُلِّ عَبْد مُّنِیب) أی لـکل عبد راجع الله وخائف من عذابه ومتخذ سبیل التوبة.

المسلم هو أنّ هذه الآیات عامة لجمیع البشر، لکن لا ینتفع بها إلاّ من خاف الله وشعر بالمسؤولیة(2).

وبتعبیر آخر: فإنّ جملة (لِکُلِّ عَبْد مُنِیب) بمثابة بیان لسبب جملة (إِنَّ فِى ذَلِکَ لاَیَةً)، أی أنّ الالتفات إلى حقیقة العبودیة والتوبة والإِنابة سبب للانتفاع بهذه الآیات(3).

وفی الحقیقة، إذا ما درسنا حقیقة مفهوم العبودیة، رأینا لا یخلو من التوبة والإِنابة عند اقتراف الذنب.

أما ثالث وآخر آیة فی البحث، فقد أشارت مرّة اُخرى إلى المصیر الرهیب لقوم لوط ذلک المجتمع الذی بلغ من العـار أَقصاه، وسخر من جمیع قیم الإیمان والإنسانیة وغمر فی وحل الفساد والفحشاء...

إنّ الآیة بعدما أشارت إلى تدمیر مدنهم وتخریبها قالت: (وَتَرَکْنَا فِیهـَا آیَةً لِّلَّذِینَ یَخـَافُونَ الْعَذَابَ الاَْلِیمَ) یعتقد الکثیر أنّ مدن قوم لوط کانت فی الشامات قرب «البحر المیت» أو بین الشام والحجاز، وکان یطلق علیها «المدائن المؤتفکة»، ویقال: إنّه عندما زلزلت الأرض من مدنَهم هدمتها، ثم نزلت علیهم أمطار من الأحجار، وانشقت عندها الأرض شقاً نفذ فیه ماء «البحر المیت»، وبدل هذه المدن إلى مستنقعات نتنة، ولهذا یدعی البعض العثور على آثار من الأعمدة وغیرها من هذه المدن فی أطراف البحر المیت.

وعلى أیّ حال، فإنّ هذه الآثار الباقیة ـ سواء کانت فی الیابسة أو تحت المستنقعات الآسنة ـ درس وعبرة، ولا ینتفع بهذا الدرس إلاّ الذین یخافون عذاب الله، ویشعرون بالمسؤولیة (وتواجدت فیهم أرضیة المعرفة).

وبتعبیر بعض المفسرین:

آیة العبرة هذه هی لاُولئک الذین من شأنهم أن یخافوه لسلامة فطرتهم ورقة قلوبهم دون من عداهم من ذوی القلوب القاسیة فانهم لا یعتدون بها ولا یعدونها آیة ودلیل(4).


1. لقد اشیر إلى هذا الأمر فی التفاسیر التالیة: تفسیر روح المعانی، ج 12، ص 123; تفسیر الکبیر، ج 18، ص 58; تفسیر روح البیان، ج 4، ص 185.
2. تفسیر القرطبی، ج 8، ص 5346.
3. تفسیر روح المعانی، ج 22، ص 104.
4. تفسیر روح المعانی، ج 27، ص 13.

 

النتیجةتمهید
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma