المسافة بین الحق الباطل

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الخامس
درس أخلاقی رفیعنظرة إلى الخطبة

کما ورد سابقاً، یبدو أنّ هذا الکلام جزء من الخطبة السابقة فصلها عن بعضها المرحوم السید الرضی، وذکرها بصورة مستقلة، والواقع أنّ الهدف من الخطبتین واحد هو حفظ ماء الوجه وإشاعة أجواء الثقة بین أفراد المجتمع والابتعاد عن الآثار السیئة للغیبة وتحری العیوب.

فقد بیّن الإمام (علیه السلام) فی الخطبة السابقة طرق معالجة الغیبة، وسعى هنا للحد من الآثار الهدامة للغیبة أو القضاء علیها تماماً.

فقال بادىء ذی بدء: «أَیُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِیهِ وَثِیقَةَ دِین وَسَدَادَ(1) طَرِیق، فَلاَ یَسْمَعَنَّ فِیهِ أَقَاوِیلَ الرِّجَالِ».

فالواقع هو أنّ الإمام (علیه السلام) قد أبطل بهذه العبارة القصیرة ومن خلال عدّة طرق الآثار السیئة للغیبة فی المستمع، وأول تلک الطرق ما ورد فی العبارة المذکورة، لانّ الإنسان إن عرف أحداً بحسن السیرة والورع والتقوى کان علیه أن یوقن بخطأ ما یقال فیه من أمور مخالفة، لأنّ الموارد المشکوکة غالباً ما تحمل على الموارد المعلومة وعلى حدّ التعبیر المشهور: «الظَّنُّ یَلحَقُ الشَّیءَ بِالأَعَمِّ الأغلَبِ»، وبالطبع فانّ هذا الکلام لا یعنی قبولنا لغیبة الأفراد وتتبعهم لعورات الآخرین الذین لیس لهم من سابقة، بل الهدف مضاعفة التأکید بالنسبة للأفراد من ذوی السوابق الحسنة، بحیث لا ینبغی التصدیق مطلقاً بما یقال بشأن اُولئک.

ثم أشار الإمام (علیه السلام) إلى نقطة أخرى وهى لو فرضنا أنّ المتکلم کان صادقاً، ولکن من الموقن به أنّه لیس بمعصوم، وعلیه فالخطأ محتمل من جمیع الناس سوى المعصومین، وعلیه فلا ینبغی تصدیق المقابل بکل سهولة فی ما ینسبه إلى الآخرین، ناهیک عن عدم مطابقة الظن والحدس إلى الواقع على الدوام، فقال: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ یَرْمِی الرَّامِی، وَتُخْطِئُ السِّهَامُ»، أضف إلى ذلک وعلى ضوء کلام الإمام (علیه السلام): «وَیُحِیلُ(2) ]یُحیک [الْکَلاَمُ، وَبَاطِلُ ذلِکَ یَبُورُ(3)، وَاللّهُ سَمِیعٌ وَشَهِیدٌ»، فی إشارة إلى أنّ أغلب الناس لا یلتزمون بکلام الحق ویتفوهون بکل ما یرد على ألسنتهم، ومن هنا لا ینبغی قبول ما ینسبونه إلى الآخرین من عیوب، فقد یکون ذلک من الأقوال الباطلة التی تنسب إلى الأفراد دون تریث.

ثم أشار (علیه السلام) إلى نقطة مهمّة أخریس فقال: أَمَا إِنَّهُ لَیْسَ بَیْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ إِلاَّ أَرْبَعُ أَصَابِعَ».

وفی هذه الأثناء سأله أحد الحاضرین: «عَنْ مَعْنى قولِهِ هذَا، فجمع أَصابِعَهُ وَوَضعهَا بین أُذُنِهِ وَعَیْنِهِ ثمَّ قَالَ: الْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ: سَمِعْتُ، وَالْحَقُّ أَنْ تَقُولَ: رَأَیْتُ!».

فالعبارة فی الواقع إشارة إلى الشائعات التی تتناقها الألسن فیطالعک هذا وذاک وهم یرددون یقال کذا ویقال کیت ولیس الأمر سوى شائعات لا أساس لها، وقد قال (علیه السلام) لا تلتفتوا إلى الشائعات ولا تنسبوا إلى الآخرین ما لا ترون، ومن هنا تتضح الإجابة على السؤال الذی أورده أغلب شرّاح نهج البلاغة ومفاده: إنّ الآیات القرآنیة والوحی السماوی وسنّة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) والأئمّة المعصومین(علیهم السلام)کلها عن طریق السمع فکیف یحکم ببطلانها؟

فلیس مراد الإمام (علیه السلام) بطلان أخبار الثقاة والأحادیث المتواترة والمستفیضة التی وصلتنا عن طریق السمع، بل مراده ذلک المعنى العرفی والمتداول بشأن الشائعات، والشاهد على ذلک ما روی عن الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) لما سئل: کم بین الحق والباطل؟ فقال (علیه السلام): «أربع أصابع فما رأیته بعینک فهو الحق وقد تسمع باُذنیک باطلاً کثیراً»(4).

وزبدة الکلام لیس کل ما یراه الإنسان حق، وذلک لأنّ العین قد تخظىء أحیاناً، ولیس کل کما یسمعه باطل، وذلک لأنّ المتکلم قد یکون فرداً عادلاً وثقة، لکن قلیل هو الخطأ على مستوى العین، أمّا الکلام الباطل عن طریق السمع فهو کثیر، وهذا ما أشارت إلیه العبارة الواردة عن الإمام (علیه السلام).

ولعل هذا هو أنسب التفاسیر للعبارة المذکورة، بینما أورد البعض من شرّاح نهج البلاغة تفسیراً آخر خلاصته أنّ العبارة: «لیس بین الحق والباطل إلاّ أربع أصابع» إشارة إلى العیوب التی تقال فی حق الأفراد، أغلب هذه العیوب ناشیء من سوء الظن وعدم التحقیق والحسد، والحقد والکراهیة وما شاکل ذلک، وعلیه فهناک الکثیر من الکذب والباطل فی هذه الأقوال، ولکن یمکن للإنسان القول بأنّ العیوب الفلانیة فی الشخص الفلانی إن رآها بعینه.


1. «سداد»: بمعنى الصحیح من الکلام والعمل وتستعمل هذه المفردة کمصدر واسم مصدر، ویبدو أنّها قریبة من مادة سد بمعنى الجدار المحکم الذی یقام ضد السیول وما شابه ذلک، لأنّ للکلام الحق استحکام خاص.
2. «یحیل»: من مادة «إحالة» کل تغیر أو حرکة تخرج عن الحق والاستقامة وتحیل إلى الانحراف والاعوجاح.
3. «یبور»: من مادة «بوار» تعنی فی الأصل شدّة کساد الشیء وحیث یبعث ذلک على الفساد حسبما ورد فی المثل کسد حیا فسد فقد اطلقت هذه المفردة على الفساد ومن ثم الهلکة.
4. بحار الانوار 72/196.

 

درس أخلاقی رفیعنظرة إلى الخطبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma