شکر المنعم سلّم إلى معرفة الله

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثانی)
شکر المنعم فی الروایات الإسلامیة تمهید

تتحدث الآیة الأولى عن أهمیّة النعم الإلهیّة لتحرک فی الناس روح الشکر وتدعوهم عن هذا الطریق إلى معرفة « المنعم » ، إنَّ الحدیث عن النعمة وسیلة للمعرفة، فقد تحدث القرآن عن « العین » و« الأذن » و« العقل » بقوله: ( وَاللهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَیْئاً وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالاَْفْئِدَةَ ).

فعن طریق السمع تتعرفون على العلوم النقلیة وعلوم الآخرین .

وعن طریق البصر ومشاهدة أسرار الطبیعة وعجائب الخلقة تتعرفون على العلوم التجریبیة ، وعن طریق العقل تتعرفون على العلوم العقلیة والتحالیل المنطقیة .

ومع أنّ هذه المواضیع الثلاثة معطوفة على بعضها فی هذه الآیة بالواو ولا تعنی بالضرورة الترتیب ، إلاّ أنّه لیس من المستبعد أن یکون هذا هو الترتیب الطبیعی له ، لأنّ الإنسان عندما یولد لا یمتلک القدرة على النظر والمشاهدة إلى فترة من الزمن بعد ولادته ، ولأنّه معتاد على الظلام فهو یخاف من النور ویغمض عینیه لمدّة من الزمن، فی حین أنّ الاذن تسمع الأصوات من أول لحظة، ومن الواضح أنّ القدرة العقلیة والتمییز والشعور تبدأ بالعمل والنشاط لدى الإنسان بعد السمع والبصر ، خاصةً وأنّ « الفؤاد » کما یصرح أرباب اللغة بمعنى « العقل الناضج العمیق » ولا یمثل مرحلة عادیة من العقل ، وطبعاً فإنّ مثل هذا الشیء یظهر بعد ذلک .

فضلا عن أنّ الآیة المذکورة یمکن أن تکون إشارة إلى حقیقة أنّ الوصول إلى « الکلیات العقلیة » یأتی بعد العلم بـ « الجزئیات » عن طریق الحس ، وعلى کل حال ، فالآیة تصرح أنّ الهدف من إسداء هذه النعم هو تحریک روح الشکر لدى البشر ، والذی یدعوهم بالنتیجة إلى محبّة الخالق ومعرفة الله وإطاعة أوامره .

وبالطبع فإنّ هذا لا یتناقض مع کون بعض العلوم الإنسانیة علوماً فطریة لأنّ المعلومات الفطریة عند الولادة موجودة فی طبیعة الإنسان على شکل الاستعداد والقابلیة ، ولیس لها طابع الفعلیة ، ثم تثمر بعد ذلک .

الآیة الثانیة تشیر إلى ثلاث نعم إلهیّة أخرى تتعلق جمیعها بتسخیر البحار وتعتبرها دافعاً نحو الاستفادة من فضل الله وشکره ، ومن هذه النعم:

أولا: اللحوم التی تستخرج من البحر والمسماة بـ ( لَحْماً طَرِی ) ، وهو اللحم الذی لم یبذل الإنسان جهداً فی تربیته أبد ، وإنّما ربته ید القدرة الإلهیّة فی أعماق البحار ووضعته فی متناول أیدی الإنسان مجان ، فیعتبر نعمة کبیرة ، خاصة فی عصر وزمان کانت تکثر فیه اللحوم الفاسدة وکان الناس یضطرون إلى الاحتفاظ باللحوم إلى فترة معینة عن طریق تملیحها أو شیها وتجفیفها تحت أشعة الشمس ، وکانت هذه اللحوم تسبب الکثیر من الأمراض والتسمم للمسافرین ، فی حین کانوا یستخدمون اللحوم الطازجه بکل سهولة فی سفراتهم البحریة أو الساحلیة .

ثانیاً: ثم تشیر الآیة إلى المواد المستعملة للزینة المستخرجة من أعماق البحار والمستخدمة من قبل البشر وتقول : ( وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْیَةً تَلْبَسُونَهَ ) .

أی أنّ الله وفر لکم أکثر المواد الغذائیة ضرورةً بالإضافة إلى الحاجات ذات الطابع التجمیلی الصرف .

ثالثاً: وفی المرحلة الأخیرة تشیر الآیة إلى واحدة أخرى من برکات البحار التی کان لها دور مؤثر جدّاً فی حیاة البشر حتى فی یومنا الحاضر ، وهی استخدام البحر کطریق کبیر وواسع ومتصل لحمل ونقل أنواع الأمتعة التی یحتاجها الناس فی السفر، ومع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ حوالی 75 بالمائة من وجه الأرض مغطىً بالبحار التی تصل إلى کل نقاط العالم ، وأنّ قسماً کبیراً من البضائع والمواد الضروریة تنقل عن هذا الطریق ، وأنّ قسماً کبیراً من الأسفار یتمّ من خلال هذا الطریق ، ومن هنا تتضح أهمیّة هذا الموضوع .

یقول عز وجل : ( وَتَرَى الفُلْکِ مَوَاخِرَ فِیهِ ) .

ثم یضیف فی النهایة: ( لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ) .

وبهذا جعل الالتفات إلى هذه النعم أیضاً وسیلة لإحیاء روح الشکر وبالتالی اکتساب المعرفة بالله ، وإلاّ فما حاجة الله إلى شکرن ؟ کل هذه ذرائع إلى معرفة ذاته وصفاته والحرکة نحو هذا الکمال المطلق .

والجدیر بالذکر أنّ «مواخر» هی جمع « ما خرة » من مادة « مخر » ( على وزن فخر ) ، وهذه المادة کما یستفاد من محصلة کلمات أرباب اللغة والمفسرین بمعنى الشق والخرق ، کشق « أمواج الماء » بصدر السفینة ، أوشق « أمواج الریاح » بواسطة الوجه والأنف والتقدم نحو الأمام ، أو شق الأرض لأجل الزراعة .

ولأنّ هذه الأمور غالباً ما تکون مصحوبة بالصوت فقد اُطلقت هذه المفردة على صوت هبوب الریاح الشدیدة أیض (1)، إنّ کل حیاة الإنسان والعالم تعتریها موانع یجب على الإنسان کشفها واجتیازها کی یشق طریقة بالتقدم والتطور، وهذه من النقاط المهمّة والحساسة.

وبالضمن فلقد علمنا أنّ «المواخر» تعنی السفن والمراکب، ولذلک فقد فسر ابن عباس «المواخر» بالسفن التی فی حالة حرکة «الجاریة»(2) حیث إنّ قیمة السفینة تکمن فی کونها متحرکة.

أمّا الآیة الثالثة والأخیرة والتی خاطبت مشرکی مکة أو المؤمنین، وفی احتمال قوی أنّ الآیة عنت بخطابها الاثنین معاً، فقد أمرت بقولها: ( فَکُلُوا مِمـَّا رَزَقَکُمُ اللهُ حَلاَلا طَیِّباً وَاشْکُرُوا نِعْمَتَ اللهِ ).

والملفت للنظر هنا أنّ الآیة ذکرت فی آخرها: (وَاشْکُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ کُنْتُمْ إِیـَّاهُ تَعْبُدُونَ ) فالبعض قال: إنّ هذه القضیة شرطیة وذلک لانّ هؤلاء لایعبدون الله اصلا فکیف یشکرون نعمته، فیکون الأمر «سالباً بانتفاء الموضوع».

وأیضاً یرد احتمال حول هذه المسألة وهو أنّ جزاء القضیة الشرطیة هی عبارة «فکلوا ممّا رزقکم الله...» والذی ورد مسبقاً حیث یعنی بان هذه الأرزاق فی حالة کونها حلالا طیباً عندما أکون عبداً ومطیعاً لله سبحانه وتعالى، لأنّ کل النعم خلقها الله سبحانه وتعالى من أجل المؤمنین، وَمثلُ ذلک مثل المزارع الذی یسقی الورد ماءً، فهو إنّما یعمل ذلک من أجل أن یحصل على الورود لا أن یجنی الأشواک بالرغم من أن الأشواک لا تخلو من فوائد، وقد ذکروا تفسیراً ثالثاً وهو أنّ الآیة تخاطب الوثنیین ، أنّکم إذا أردتم العبادة فاعبدوا من هو ولی نعمتکم ، لماذا تعبدون الأصنام التی لا دور لها مطلق (3).

ولیس من المستبعد الجمع بین هذه التفاسیر لأنّ المخاطب حسب الظاهر هم جمیع المؤمنین والکافرین ، بالرغم من أنّ الآیات السابقة واللاحقة تدل على أنّ الکلام موجه إلى المؤمنین أکثر ممّا هو موجه إلى الکفّار .

وعلى کل حال ، فالعلاقة بین « النعمة » و« الشکر » و« العبادة » ثم « معرفة المعبود » و« ولی النعمة » تتضح بجلاء من هذه الآیة .

وبهذا نتوصل إلى الحافز الثانی لمعرفة الله وهو مسألة شکر المنعم .


1. تفسیر الکبیر، ج 20 ، ص 7 وقد جاء نفس هذا المعنى فی تفسیر روح المعانی والقرطبی تذییلا للآیة المنظورة فی بحثن .
2. تفسیر الکبیر، ج 20، ص 7، وکذلک ورد هذا المعنى فی تفسیر روح المعانی و تفسیر القرطبی وذلک فی تفسیر الآیة قید البحث هذا.
3. تفسیر الکشاف ، ج 2 ، ص 640 ، وثمّة تفسیر آخر ورد کاحتمال من الأحتمالات فی تفسیر المیزان وروح المعانی تذییلا للآیات المنظورة فی البحث .

 

شکر المنعم فی الروایات الإسلامیة تمهید
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma