عجائب البحار!

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثانی)
1 ـ البحرُ مرکز لأنواع النِعَمشرح المفردات

تقول الآیة الاولى معرّفة بالذات الإلهیّة المقدّسة: ( وَهُوَ الَّذِى سَخَّرَ البَحْرَ ) .ویدلِّلُ هذا التعبیر على أنّ البحر بکل وجوده فی خدمة الإنسان ، والحق کذلک ، فاولُ براعم الحیاة تتفتحُ فی البحار ، وقد کان البحر فیما مضى وحاضراً مصدراً مهماً لانواع حاجات الإنسان ودیمومة حیاته .ونلاحظ من سیاق هذه الآیة أنّها أکدت على ثلاثة مواضع :أوله : یستطیع الإنسان أنْ یستخرج من البحر لحماً طریاً إذ یقول : ( لِتَأکُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَریّ ) .لحمٌ کثیرٌ لم یتحمل الإنسان عناءَ تربیة مصدره أبد ، ویکون طریّاً بشکل کامل وفی متناول یده فی أغلب نقاط الأرض .إنَّ التأکید على طراوة وطزاجة هذا اللحم ، إضافة إلى إشارته إلى لذة لحم الأسماک ، فهو تذکیرٌ بهذه النکتة ، وهی أنّ الناس فی تلک العصور والازمان کانوا یستفیدون من اللحوم المجفّفة بسبب المشکلات التی تواجههم فی الحصول على اللحوم الطریّة ، وهذه النعمة ذات أهمیّة خاصة ، وفی عصرنا وزماننا حیث تتوفر اللحوم القدیمة والمجَمَّدة لأسباب مختلفة تتضح أهمیّة هذا التعبیر .ویقول بعض المفسرین : هذا التعبیر إشارة إلى عظمة الله عز وجل وقدرته فی خلق اللحوم الطریة اللذیذة فی المیاه المالحة(1) .

ویُمکنُ أن یکون التعبیر بـ «اللحم» إشارة إلى أنّ القسم الأعظم من جسم السمک یتکون من اللَحم وفیه قلیلٌ من العظام ، على العکس من بقیة الحیوانات .وتتضح أهمیّة هذه النعمة الإلهیّة أکثر من خلال الالتفات إلى أنّ استغلال لحوم الأسماک لتغذیة البشر أصبحت تحظى باهتمام بالغ بسبب ندرة المواد الغذائیة .وثانیه : یذکر فائدة البحر فی استخراج وسائل الزینة لا سیما الجواهر ( وتَسْتَخرِجُوا مِنْهُ حِلْیَةً تَلْبَسُونَهَ ) .فکأنّه یقول : یخرجُ من البحر المواد الغذائیة الضروریة جدّاً وحتى الحاجات غیر الضروریة والکمالیة ، « وکلّها مُسخَّرة لکم » .وثالثهما: یخاطب النبی (صلى الله علیه وآله) قائل : ( وَتَرىَ الْفُلْکَ مَواخِرَ فِیْهِ ) .« إنَّ الله قد منحکُم هذه النِعَم کی تبتغوا من فضله ، لعلکم تؤدون شکرَ نعمائه » ( وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ) .ومن أجل أن تتمکن السُفنُ من الإبحار فی المحیطات والبحار واستخدامها کأفضل وسیلة لحمل ونقل السلع التجاریة وتنقل البشر لابدّ من تظافر عدَّة عوامل :نوعیة القوانین التی تسودُ المواد الثقیلة والخفیفة التی تصونها على سطح الماء ، وتموّج الماء ، وهبوب الریاح المنظّم على سطح المحیطات ، والعمق اللازم للبحار ، فتتظافر کلها کی تتحرک السفن العملاقة على سطح المحیطات ، أمّا السفنُ التی تعملُ بقوة البخار فهی أعظم ما صنَعهُ الإنسان ، وقد یکون حجم أحدها بقدر مدینة وتستطیع انجاز ما یعادل عمل عشرات الآلاف من السیارات لوحدها ( إنَّ السفن التی تستوعب خمسمائة الف طن تحمل ما یعادل حمولة 150 ألف سیارة ذات حمولة 10 أطنان ! ) .إنَّ هذه المسألة بالاضافة إلى مسألة استخراج أنواع المواد الغذائیة وغیر الغذائیة ومواد الزینة ، تعتبرُ دلیلا على علم وقدرةِ خالق الکون الذی وضع کل هذه النِعَم فی متناول ید الإنسان مجان .

وفی الآیة الثانیة تکررت ذاتُ النِّعم الثلاث التی اُشیرَ إلیها فی الآیة السابقة ( اللَّحم الطری ، والحُلی ، وحرکة السفن فی عرض البحار ) أیض ، واستند إلیه ، مع هذا الاختلاف حیث یشیر فی مطلع الآیة إلى بحار الماء العذب والماء المالح فیقول : ( وَمَا یَسْتَوى الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرابُهُ وهَذَا مِلْحٌ اُجَاجٌ ) .ومع أنّ أکثر میاه البحار على سطح الأرض مالحة إلاّ أنَّ بحار وبحیرات المیاه العذبة لیست قلیلة أیض ، حیث تُشاهَد نماذجُ عدیدة منها فی الولایات المتحدة ، وکثیراً ما یستفاد منه ، اضافة إلى الأنهار الکبیرة التی تصب فی البحار المالحة وتتوغل فیه ، فتدفع المیاه المالحة إلى الخلف ولا تختلط معها لفترة طویلة فتُشکِّلُ بحراً من الماء العذب حیث یسقی کثیراً من السواحل أثناء المد والجزر ، ممّا یؤدّی إلى ازدهار البساتین والمزارع الواسعة .ویعتبر الفخر الرازی فی تفسیره هذین البحرین إشارة إلى المؤمنین والکافرین ، إلاّ أنّ التمعنَ فی لحن الآیات یدللُ على أنّه لا یقصد هذا المعنى ، بل إنَّ الهدف هو بیانُ آیات وآلاء الله فی عَرْضِ الخلق .

وجاء الحدیث فی الآیة الثالثة عن تسخیر البحار للإنسان: ( اَللهُ الَّذِى سَخَّرَ لَکُمُ الْبَحْرَ ) .ولکن استند إلى مسألة الإبحار فقط من بین مختلف برکات البحر ، والتی تمت الإشارة إلیها فی الآیات السابقة .

وفی الآیة الرابعة اعتبر السُفنَ العملاقة التی تشبه الجبال المتحرکة والتی تظهر على سطح البحر من آیات وآلاء الله ، فیقول: ( وَمِنْ آیاتِهِ الْجَوارِ فِى الْبَحْرِ کَالأَعْلامِ ) .حق .. مَنْ خلقَ المحیطات بهذه السَعَةِ والعمقِ والخصائص ؟ ومنْ الذی مَنَحَ الخشبَ والحدید هذه المیزةَ بحیث یطفو على وجه الماء ؟ ومَنِ الذی أَمَرَ الریاحَ أنْ تَهُبَّ بشکل منظَّم على سطح البحار وتمنح الإنسان فرصة الانتقال من نقطة إلى اُخرى ، ویستخرج ملایین الثروات عن طریق البحر ؟ألیسَ هذا نظام مُتقن ومُحکَم ، وکذلک النظام السائد على قوة البخار والبرق دلیل جلی على علم وحکمة الخالق جلَّ وعل ؟هنا یشبِّهُ القرآن الکریم السُفنَ الضخمة بـ «الأَعلام» و« الأَعلام » جمع « عَلَمْ » ( على وزن قَلَمْ ) وتعنی فی الأصل ( کما یقول الراغب فی المفردات ) الاثر الذی یحصلُ منه علمٌ بوجود شیء ، کالعلامات التی توضع على الطرق ، وعلم العسکر ، ولهذا اطلق على الجبل اسم « عَلَم » حیث یعتبر دلیلا واضحاً یبرزُ من بعید ، ولهذا السبب شُبِّهت السُفنُ العملاقة بالجبال حیث تتضح من بعید کالجبال .واللطیف أنّ القرآن یقول عقب هذه الآیة: ( إِن یَشَأْ یُسْکِنِ الرِّیْحَ فَیِظْلَلْنَ رَواکِدَ عَلى ظَهْرِهِ ) .ولو شاء جعلَ الریاح مضطربةً وغیر منظمة بحیث لا تستطیع أیّة سفینةِ بلوغ هدفه ، بل یغرقها فی البحر ، لذلک یکرر التأکید فی نهایة الآیة: ( إِنَّ فِى ذَلِکَ لاَیات لِّکُلِّ صَبّار شَکُوْر ) .اولئک الذین استوعبوا آیات الآفاق من خلال الصبر والتحمل ، ویؤدّون شکر هذه النعمة بعد إدراک الحقیقة ، ویرکعون على اعتاب ساحة القدس الإلهیّة العظیمة .

وأشار فی الآیة الخامسة إلى هذا الموضوع أی حرکة السفن فی البحار کأحد النعم الإلهیّة العظیمة أیض ، مع هذا الفارق حیث یقول : ( لیُرِیَکُمْ مِنْ آیاتِهِ ) .

وفی الآیة السادسة أیضاً حیث یأتی البحث عن سبع آیات من آیات الله ، فهو یذکر الفلک کآیة ثالثة حیث تجری فی البحر بما ینفع الناس: ( وَالْفُلْکَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِمَا یَنْفَعُ النَّاسَ )، ویؤکد فی ختام هذه الآیة أنّ فی هذه الاُمور آیات من الذات الإلهیّة المقدّسة وآیات عن وحدانیة الله لقوم یعقلون: ( لاَیات لِقَوْم یَعْقِلُونَ ) .

وفی الآیة السابعة یستند إلى ربوبیته تعالى فیقول : ( رَبُّکُمُ الَّذِى یُزجى لَکُمُ الْفُلْکَ فى الْبَحْرِ ) فلا تتبعوا الأوثان لأنّها لیست بربکم .وهنا نواجه تعبیراً جدیداً «یُزجی» وهو من مادة « إزجاء » التی تعنی « تسییر الشیء بمداراة وَرِقّة » بالنحو الذی ورد فی « مصباح اللغة » ، ویُستفاد من « مقاییس اللغة » بأنّها تعنی « التسییر الدائم والمستمر » ، وهاتان المسألتان فی حرکة السُفنِ على سطح المحیطات جدیرتان بالاهتمام ، لا سیما فی السفن الشراعیة ، فالمعروف أنَّ الریاح تسوق السُفُنَ برفق واستمرار .فلو کان للریاح هبوبٌ شدیدٌ ، أوتکون متقطعةً فانّها تجعلُ السفن تواجه حرکات واضطرابات قویة ، وقد تتوقف وتضیع فی وسط البحر أیض ، إنَّ هذا التعبیر یبینُ أسراراً جدیدة عن هذه الآیة الإلهیّة .ولهذا یستفاد من مجموع الآیات السالفة أنّ لخلق البحار فوائد مختلفة حیث تعتبر کل منها آیةً من آیاته تعالى ، لا سیما حرکة السفن الدقیقة على سطح المحیطات .وتُعرفُ النّعمةُ دائماً بعد فقدانه ، فلولا البحار لم یتکدَّس القسم الأعظم من السلع التجاریة التی تُنقلُ عبر المیاه فحسب ، بل تختفی کمیات کبیرة من المواد الغذائیة والحُلی أیض ، وأهم من ذلک ، تنعدم الغیوم ولا تهطل الأمطار ، ویجر الهواء الجاف والحار جمیعَ الکائنات الحیّة إلى الفَناء .


1. تفسیر روح المعانی، ج 14، ص 102 .

 

1 ـ البحرُ مرکز لأنواع النِعَمشرح المفردات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma