استجواب عجیب!

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثالث)
1ـ برهان العلّة والمعلول فی الفلسفة والکلامشرح المفردات

لقد جاءت الآیات المذکورة أعلاه ضمن تسع آیات فی سورة (الطور)، ووردت فی نطاق 11 سؤال على صورة الإستفهام الإستنکاری.

وهذه الآیات تضع الإنسان أمام مجموعة من الأسئلة المتسلسلة العجیبة ثمّ تسدّ علیه طریق الفرار کی یذعن للحقّ.

وتتابع هذه الأسئلة الأحد عشر ثلاثة أهداف مهمّة هی:

إثبات التوحید، المعاد، ورسالة نبی الإسلام، غیر أنّ الأساس فیها یتمحور حول توحید الخالق المعبود.

الآیة الاُولى من الآیات الثلاث التی تقدّمت تقول: ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَیرِ شَىء أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ ).

وبعبارة اُخرى: إنّ کلّ إنسان لا شکّ فی أنّه مخلوق وحادث ولا یخرج من ثلاث حالات: امّا مخلوق من دون علّة أو هو علّة وجوده أو أنّ علّته هو الوجود الأزلی والأبدی وهو الله سبحانه.

وبما أنّ الاحتمالین الأوّل والثانی لا یتوافقان مع العقل والوجدان فالاحتمال الثالث هو الثابت حتماً، ولذا ذکر الإحتمالین الأوّل والثانی بصیغة «الإستفهام الإستنکاری»، وحینما ینفیهما العقل والوجدان، یثبت الاحتمال الثالث لا محالة.

هذا جوهر الاستدلال الشهیر بـ (العلّة والمعلول) حیث یعرض فی جملتین قصیرتین ومرکّزَتَیْنِ ذات معنى واسع.

وقد یبرز هنا احتمال رابع وهو أن یکون الإنسان معلولا لعلّة اُخرى وهذه العلّة معلولة لعلّة اُخرى وهکذا تستمرّ هذه السلسلة إلى ما لا نهایة.

وهذا الاحتمال یبرز لدى الفلاسفة عادةً ولیس لعامّة الناس، ولعلّ الآیة لم تذکره لهذا السبب.

على أیّة حال فإنّ هذا الاحتمال واضح البطلان أیضاً، لاستحالة (تسلسل العلل والمعلولات) منطقیاً ووجداناً، وسیأتی إیضاح ذلـک بإذن الله.

وقد ذکر الکثیر من المفسّرین تفسیرات اُخرى للآیة، ترتبط بصورة أساسیة بالهدف من الخلق وإن کانت بعبارات مختلفة وتفاسیر متعدّدة، حیث یقولون بأنّ المراد هو أنّ البشر لم یخلقوا دونما تکلیف وأمر ونهی وثواب وعقاب، ویعتبرونها نظیر قوله تعالى: (أَفَحَسِبتُم أَنَّما خَلَقْنَاکُم عَبَثاً )(1). (المؤمنون / 115)

ولکن بملاحظة ذیل الآیة یضمحل هذا الإحتمال تماماً لأنّه تعالى یقول: (أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ )، وهذا التعبیر یدلّ على أنّ الجملة الاُولى ناظرة إلى سبب الخلقة وعلّة ظهور الإنسان لا الغایة من خلقه، وبعبارة اُخرى أنّ الآیة تلاحظ العلّة الفاعلیة لا الغائیة.

الآیة الثانیة تُشیر إلى خلق السماوات وتعید استدلال العلّة والمعلول هذا فی مورد خلق السماوات والأرض وتقول: ( أَمْ خَلَقُوا السَماواتِ وَالأَرضَ ).

ویعنی هذا أنّ السماوات والأرض حادثة دون شکّ لتعرّضها إلى الحوادث باستمرار وحدوث أنواع التغییرات علیها وکلّ شیء معرض للتغییر لا یمکن أن یکون أزلیاً.

فی هذه الحالة یجری السؤال عن خالق السماوات والأرض فهل هی خلقت نفسها؟ أو لا خالق لها أبداً وقد وجدت صدفة؟ أم أنّ خالقها هو البشر؟ وبما أنّ الإجابة عن هذه الأسئلة بالنفی، یعلم أنّ لها خالقاً لیس مخلوقاً بل هو أزلی أبدی.

والملاحظ أنّ من بین هذه الاحتمالات یتوجّه الاستفهام الإنکاری إلى احتمال خالقیة الإنسان للسماوات والأرضین فقط، وذلک لان الاحتمالات الاُخرى وردت فی الآیات السابقة، وعدم التکرار هو مقتضى الفصاحة والبلاغة.

من هنا فإنّ الآیتین أعلاه أقامتا برهان العلّة والمعلول فی الآفاق والأنفس، وعلیه فإنّ الآیة الثانیة تشهد کذلک على أنّ الحدیث یدور حول العلّة الفاعلیة لا الغائیة.

فی الختام تشیر هذه الآیة إلى هذه الحقیقة وهی أنّ القضایا فی هذا الصدد واضحة، ولکن العیب هو أنّهم لا یستعدّون للإیمان والیقین: ( بَل لا یوقِنُون).

أجل، إنّ الحقّ بیّن، بَیدَ أنّهم معاندون وأعداءٌ للحقّ.

وفی الحقیقة فإنّ هذه الجملة تشابه ما ورد فی قوله تعالى:

( وَفِى خَلقِکُمْ وَمَا یَبُثُّ مِنْ دابَّة آیاتٌ لِّقَوم یُوقِنُونَ ). (الجاثیة / 4)

أو تشابه ما ورد فی قوله تعالى: ( وَفِى الأَرضِ آیَاتٌ لِّلمُوقِنِینَ ). (الذاریات / 20)

وواضح أنّ اُولئک لو کانوا من الموقنین لما احتاجوا إلى الآیات، وعلیه فإنّ الحدیث یدور حول الذین لا یقین لدیهم ولکنّهم على استعداد لقبوله.

وذهب جمع من المفسّرین إلى أنّ المقصود هو أنّ اُولئک لا یقولون بأنّهم خلقوا السماوات والأرض، بل یعتقدون بأنّ الله هو الخالق، نظیر ما جاء فی قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّماوَاتِ والأَرضَ لَیقُولُنَّ اللهُ )(2). (لقمان / 25)

بید أنّ هذا التفسیر یبدو بعیداً.

والأضعف من هذا الاحتمال هو ما یقوله الذین یعتقدون أنّ معنى الآیة هو: «أنّهم لا یقین لهم بما یقولون وهو أنّ الله خالق السماوات والأرض» وهو الیقین الذی یدعوهم إلى العبودیة والطاعة.

ویتّضح خطأ هذا التفسیر من أنّ الآیات هذه لم تطرح قضیّة خلق الله للسماوات والأرض، فکیف یمکن أن تکون هذه الجملة إشارة إلیها؟(3)

وأخیراً تقول الآیة الثالثة کاستنتاج دون ذکر للاستدلال: ( أَمْ لَهُم إِلهٌ غَیرُ اللهِ سُبحَانَ اللهِ عَمَّا یُشْرِکُونَ ).

إنّه فی الحقیقة استدلال على توحید المعبود، أی عندما یکون هو الخالق للعالم فإنّ العبادة یجب أن تقتصر علیه أیضاً لا على غیره، کالأصنام والشمس والقمر والنجوم وغیرها.

وکما أسلفنا فإنّ هناک سبعة أسئلة اُخرى إضافة إلى هذه الأسئلة الثلاثة الواردة على صورة الاستفهام الإنکاری فی آیات ثلاث ترتبط بقضیّة النبوّة واُمور اُخرى لا حاجة لذکرها فی هذا البحث التوحیدی(4).


1. تفسیر مجمع البیان; تفسیر الکبیر; تفسیر القرطبی; تفسیر المیزان; تفسیر روح المعانی وتفسیر روح البیان; حیث ذکروا هذا المعنى کمعنى رئیس فی الآیة أو کاحتمال.
2. أقرّ الزمخشری هذا التفسیر فی الکشّاف وقد احتمله الفخر الرازی فی الکبیر وجمع آخر من المفسّرین.
3. جاءت عبارة ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَماواتِ والأَرضَ لَیَقُولُنَّ اللهُ ) فی العنکبوت، 61; الزمر، 38; الزخرف، 9 و87; لقمان، 25.
4. للمزید من الإیضاح راجع التفسیر الأمثل ذیل الآیة 35 من سورة الطور.

 

1ـ برهان العلّة والمعلول فی الفلسفة والکلامشرح المفردات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma