إبراهیم(علیه السلام) الأسوة الحسنة فی مقارعة الشرک

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثالث)
لماذا هذا الإهتمام الکبیر بقضیّة التوحید والشرک؟الله بریء من المشرکین

الآیة الرابعة عشرة تذکر هذا المضمون فی قالب جمیل آخر حیث تعرّف النبی إبراهیم (علیه السلام) المقدام والمکسِّر للأصنام بالقدوة فی الدفاع عن قضیّة التوحید ومحاربة الشرک محاربة لا هوادة فیها حیث قالت: (قَدْ کَانَتْ لَکُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِی إِبْرَاهِیمَ وَالَّذِینَ مَعَهُ)، ثمّ تقدّم توضیحاً عن الاُسوة الحسنة هذه بقوله تعالى: (إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءؤُا مِنْکُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ کَفَرْنَا بِکُمْ...)، وأضافت ـ للتأکید المکرر ـ (کَفَرْنَا بِکُمْ...).

إنّ الکفر بالأشخاص یعنی إعلان البراءة منهم، لأنّ هذه المفردة (الکفر) ذات معان خمسة حسب الروایات الإسلامیة، أحدها کفر البراءة، ولم تکتفِ بذلک بل أضافت: (وَبَدَا بَیْنَنَا وَبَیْنَکُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغضَاءُ أَبداً حَتّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وحدَهُ).

وإنّ هذه التعابیر (البراءة أوّلا ثمّ إعلانها ثمّ الإعلان عن العداوة الدائمة) لشاهد صریح على صلابة الموحّدین تجاه القذرین الملوثین بالشرک وعبادة الأوثان، وحینما نلاحظ أنّ القرآن یذکر کلام النبی إبراهیم(علیه السلام) وأتباعه کقدوة للمسلمین فإنّ ذلک یعنی أنّ الإسلام لا یعرف أیّة مهادنة بین التوحید والشرک فی أیّة مرحلة.

ومن التعمّق فی تعبیر الآیة تنکشف الأهمّیة البالغة لهذه القضیّة، فالتعبیر بـ (قومهم) دلیل على أنّ غالبیة القوم هم من عبدة الأصنام وأنّ الموحّدین قلیلون، ویبدو أنّ هذا الحوار جرى فی (بابل)، التی هی مرکز عبدة الأصنام فی ظلّ سلطة الطاغیة (النمرود)، ولم تعمد هذه المجموعة الصغیرة المؤمنة إلى مسایرة الوضع السائد، ولم تعمل بالتقیّة تجاه المشرکین فی مسألة التوحید.

ففی جانب تقول: (إِنَّا بُرَآءُ مِنْکُمْ).

و فی جانب آخر: (کَفَرْنَا بِکُمْ...).

و فی ثالث: (نتبرّأ مِن أصنامکم).

ومن جهة: (انّا نعتبرکم أعداءً لنا).

و من أخرى: (إنّا نُکِنُّ لکم العداء).

وفی کلّ جملة من الآیة تعبیر جدید عن عدم المداهنة والمسالمة.

والفرق بین (العداوة) و(البغضاء) ـ کما هو المستفاد من کلمات اللغویین ـ هو أنّ (العداوة) لها جانب عملی فی الغالب، أمّا (البغضاء) فلها جانب قلبی، وإن استعمل کلّ منهما مکان الآخر.

وبهذا أعلنوا أنّهم بُراءٌ من الشرک بکلّ وجودهم وصامدون أمامه مهما کانت الظروف، وینبغی أن یکون ذلک اُسوة حسنة لکلّ المؤمنین فی العصور کلّها.

و «الاُسوة»: تعنی فی الأصل ـ کما ورد فی (مقاییس اللغة): العلاج والإصلاح، ولذا یطلق على الطبیب (آسی).

و«أسى»: تعنی الغمّ والحزن، ومن المحتمل أن یکون بسبب اقتران علاج المریض والجریح ـ عادةً ـ بالغمّ والوجع، ومن ثمّ استعملت بمعنى الإتّباع والمتابعة نظراً لاستدعاء العلاج وإصلاح المتتابَعیْن.

إلاّ أنّ الراغب فی مفرداته یعبّر عن المعنى الأصلی لـ (اُسوة) قائلا بالاتّباع فی الصالحات أو السیّئات(1).

یتّضح من الآیات الأربع عشرة المتقدمة والتی کثرت نظائرها فی القرآن الکریم أنّ قضیّة التوحید والشرک هی القضیّة المرکزیة والمهمّة فی نظر القرآن بشکل لا تجوز معه أیّة مداهنة أو مهادنة أو محاباة مع الشرک والمشرکین، ولابدّ من اجتثاث جذور الشرک بجمیع صوره، فإنّ تحقّق ذلک عن طریق التعلیم الثقافی والمنطق والاستدلال فهو وإلاّ فإنّ الواجب هو الحزم العملی تجاهه.

إنّ التوحید رأس مال المؤمن والبضاعة المرموقة فی سوق القیامة، والشرک ذنب لا یغتفر، والمشرک موجود قذر یجب التبرّء منه کلّیاً حتّى یعدل عن انحرافه ویعود إلى الإیمان.


1. یعتقد البعض أنّ (أسى) یستعمل کفعل ناقص واوی ویائی، فإن کان ناقصاً یائیاً فإنّه یعنی الحزن والغمّ، ولذا تطلق المأساة على الفاجعة العظیمة، ولو کان ناقصاً واویاً فهو یعنی المعالجة والإصلاح.

 

لماذا هذا الإهتمام الکبیر بقضیّة التوحید والشرک؟الله بریء من المشرکین
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma