وفی الآیة الثانیة یمر علینا التعبیر القرآنی الثانی فی هذا المجال ، حیث مزج علم الله تعالى مع حکمته ، ووصفه بصفتی العلیم والحکیم فی آن واحد ، وبعد أن تحدثت عن جماعة من المسلمین خلطوا عملاً صالحاً وآخر طالح ، قال تعالى : (وَءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لاَِمْرِ اللهِ إِمَّا یُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا یَتُوبُ عَلَیْهِمْ وَاللهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ ) .
إنّ الله تعالى علیم یعلم هذه الجماعة جید ، وحکیم من حیث معاملته کل فرد بما یستحقه ، فتارة یرحم وتارة اُخرى یعذّب ، وبذلک یجعلهم بین الخوف والرجاء ، وهذه الحالة تعد من العوامل التربویة للإنسان .
والواقع إنّ التعبیر بکلمة «علیم» إشارة إلى إحاطته تعالى بالموضوع ، و«حکیم» إشارة إلى إطلاعه على الحکم(1) .
ومن البدیهی أنّ کلاً من العذاب أو العفو الإلهی لیس من دون حساب ، بل هو قائمٌ على اُسس اللیاقات العملیة والأخلاقیّة والنیّات الذاتیة للأفراد .
والجدیر بالذکر هو أنّ بعض الآیات التی سبقت هذه الآیة عن جماعة اُخرى من الذین خلطوا الطاعات بالمعاصی ، خُتمت بالوعد بالمغفرة: (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ) ، وذلک من أجل التأکید على تلک المغفرة ، ویعتقد أنّ تلک الآیات تحدثت عن الذین تابوا من ذنوبهم حالاً وأصلحوا نفوسهم بعد اقتراف المعاصی مباشرةً ، لکن الجماعة المذکورة فی آیة بحثنا لم تکن کذلک .
ویلاحظ فی آیات کثیرة اُخرى أیضاً بأنّ صفتی «علیم وحکیم» لهما علاقة وثیقة بمحتوى الآیة فی جمیع تلک الآیات ، لأنّ الکثیر منها قد تحدثت عن الأحکام والقوانین الإلهیّة التی لها علاقة واضحة بعلم الله تعالى وحکمته . والبعض الآخر منها تحدثت عن القوانین التکوینیة التی لا یمکن تشریعها أیضاً بدون العلم والحکمة .
وبعضها تحدثت عن التوبة والثواب والعقاب ، والعدل فی هذه الامور یحتاج إلى العلم والحکمة، العلم بأعمال ونیّات العباد ، والحکمة فی تقدیر الثواب والعقاب حتم .