تحدثت الآیة الرابعة عن إرادة الله تعالى التشریعیة ، والتی وردت فی مواضع عدیدة من القرآن ، أی إرادته فی التقنین ، فبعد الحدیث عن فریضة الصیام فی شهر رمضان واستثناء المسافرین والمرضى من هذا الحکم ، قال تعالى : (یُریْدُ اللهُ بِکُمُ الْیُسْرَ وَلاَ یُریدُ بِکُمُ الْعُسْرَ) .
وتعدّ هذه الآیة من الآیات التی نفت التکالیف التی لاتطاق و«التکالیف الشاقة» فی نفس الوقت ، وماقاله الفخر الرازی فی عدم دلالة ذیل الآیة على العموم اشتباه محض ، لأنّ الألف واللام الواردة فی کلمتی «الیسر» و«العسر» للجنس، تدل فی مثل هذه الحالات على العموم .
ویمکن طبعاً أن یکون هنالک استثناءات معینة فی هذا القانون ، کبقیة القوانین الاُخرى ، مثل الأمر بالجهاد وماشاکله ، فالجهاد ضدّ الخنوع والذل تحت سلطة الأعداء ، یُعدّ من مصادیق الیسر أیضاً لا العسر .
فبعد أن ذکر سبحانه وتعالى نوعین من الأحکام الإلهیّة فی الآیة الاُولى من سورة المائدة ، فی مجال الالتزام بجمیع العقود والمواثیق ، وحلیّة أکل لحوم المواشی حیث قال : (إنّ اللهَ یَحکُمُ ما یُریدُ) وهذا التعبیر یوضح شمول الإرادة الإلهیّة التشریعیة لکل الأشیاء .
وبخصوص جزاء الأعمال ، نلاحظ أنّه تعالى بعد أن ذکر دخول المؤمنین الصالحین الجنّة ، قال : (اِنَّ اللهَ یَفْعَلُ مـَا یُریدُ) . (الحج / 14)
وبدیهی أنّ شمولیة إرادة الله فی التشریع ، وفی الأثابة والمعاقبة ، وهکذا فی عالم الوجود ، لا تعنی انفصال إرادته عن حکمته سبحانه ، أو أن یکون خلقه أو محاکمته أو إثابته بدون حکمة ومصلحة.