7 ـ المتصوّفة ومسألة الحلول

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن ( الجزء الرابع)
تمهید6 ـ تبریرات المخالفین

قال العلاّمة الحلّی(رحمه الله) فی کتاب نهج الحق : «إنّ إتحاد الله مع غیره بحیث یصیران شیئاً واحداً باطل، بل وبطلانه یُعَدُّ من البدیهیات، ، ثم أضاف قائل : رفض جماعة من متصوفة أهل السُّنة هذه الحقیقة وقالوا: إنّ الله یتحد مع بدن العرفاء ویصیرا شیئاً واحداً !! وحتى قال بعضهم : الله عین الموجودات وکل موجود هو الله، إشارة إلى مسألة وحدة الوجود المصداقیّة، ثم قال: هذا عین الکفر والإلحاد ، والحمد لله الذی أبعدنا عن أصحاب هذه العقائد الباطلة ببرکة الإلتزام بمذهب أئمة أهل البیت(علیهم السلام) .

وقال فی بحث الحلول :من المسائل المسلَّم بها أنّ أیّ موجود یرید أن یحلّ فی آخر یحتاج إلى مکان، ولأنّ الله واجب الوجود ولا یحتاج إلى شیء ، إذن فحلوله فی الأشیاء مُحال.

ثم أضاف قائل :«رفض متصوفة أهل السُّنَة هذه المسألة واعتقدوا بإمکانیة حلول الله فی بدن العرفاء» ، ثمَّ ذمَّ هذه الجماعة بشدة وقال: ولقد شاهدتُ جماعة من الصوفیة فی حضرة الإمام الحسین(علیه السلام) وقد صلّوا صلاة المغرب سوى شخص واحد منهم کان جالساً لم یُصلِّ ، ثم صلّوا بعد ساعة صلاة العشاء سوى ذلک الشخص الذی ظلّ جالساً!.

فسألتُ بعضهم عن ترک صلاة ذلک الشخص فقال : ما حاجة هذا إلى الصلاة وقد وصل! أَفهل یجوز أن یجْعلَ بینه وبین الله تعالى حاجباً؟ فقلتُ : لا، فقال: الصلاة حاجب بین العبد وربّه!» (1) .

وقد ورد نفس هذا المفهوم فی مقدمة الدفتر الخامس لکتاب المثنوی بنحو آخر، یقول: «یصح ذلک إذا بلغت المقصود ، لذا فقد قالوا: لوظهرت الحقائق بطلت الشرائع!، وشبّه الشریعة بعلم الکیمیاء (العلم الذی یمکن بواسطته استخلاص الذهب من النحاس) فقال: ماحاجة الذهب الأصیل ، أو الذهب المستخلَص إلى علم الکیمیاء !؟ فکما قالوا: طلب الدلیل بعد الوصول إلى المدلول قبیح!» ( 2) .

وقد نُقلَ عن (صاحب المواقف) فی کتاب (دلائل الصدق) فی شرح (نهج الحق) قوله بأنّ نفی (الحلول) و(الإتحاد) ثلاث طوائف، واعتبر بعضَ المتصوّفة من الجماعة الثانیة وقال: إنّ کلامهم متذبذب بین الحلول والإتحاد (یُقصد بالحلول نفوذ الله فی الأشیاء ویُقصد بالإتحاد الوحدة بینه وبین الأشیاء) .

ثم أضاف قائل : رأیتُ بعض (المتصوّفة الوجودیین) یُنکرون الحلول والإتحاد ، ویقولون : توحی هاتان الکلمتان بمغایرة الله للمخلوقین ، ونحن لا نؤمن بذلک ! فنحن نقول : (لیس فی دار الوجود غیره دیّار) !!

وهنا یقول صاحب المواقف : إنّ هذا العذر أقبح من الذنب(3) .

وبالطبع فإنّ للمتصوفة الکثیر من قبیل هذا الکلام الذی لا یتناسب مع الموازین ومنطق العقل ، ولا مع منطق الشرع .

وعلى أیّة حال فإنّ الأتحاد الحقیقی بین شیئین محالٌ ، کما ورد فی کلام المرحوم العلاّمة ، لأنّ هذا الکلام عین التّضاد، فکیف یُمکن لشیئین أن یصیرا شیئاً واحد ، إضافةً إلى ذلک فلو اعتقد أحدٌ باتحاد الله مع جمیع المخلوقات أو خواص العرفاء والواصلین ، لاستلزم أن یتصف بصفات الممکنات کالزمان ، والمکان ، والتغیُّر ، وما شاکل ذلک .

وأمّا بخصوص (الحلول) ، أی نفوذ الله فی الأشیاء ، فیستلزم خضوعه للمکان، وهذا شیءٌ لا یتناسب أبداً مع وجوب وجود الله سبحانه وتعالى (4) .

والخلاصة أنّ الصوفیین یعتقدون بعدم إمکانیة إثبات مثل هذه الإدّعاءات بالأدلة العقلیّة ، وغالباً ما یفصلون طریقهم عن طریق العقل ، ویستعینون بسلسلة من المسائل الذوقیّة الخیالیّة التی یسمّونها(طریق القلب) ، ومن المسلم به أنّه لایُمکن التوقُّع ممن یرفض منطق العقل سوى هذا الکلام المتناقض .

ولذلک فقد ابتعد عنهم کبار العلماء وطردوهم دائماً وفی جمیع العصور .

فالقرآن الکریم یستند فی الکثیر من آیاته إلى العقل والبرهان ویعدّهما طریقاً لمعرفة الله .

وبهذا الکلام ، وبالبحوث التی أوردناها بصدد (نفی الشریک والشبه) ، و(نفی الصفات الزائدة عن الذات الإلهیّة المقدّسة) ، نصل إلى نهایة بحث (صفات جلال الله ) بصورة کلیّة وأساسیّة ، وقد اتضحت لنا جزئیاته فی ظل الأصول التی ذُکرت ، بصورة جیدة .

ولنبحث الآن صفات الفعل الإلهی بعونه تعالى .


1. نهج الحق، ص 58 و 59 .
2. دفتر المثنوی الخامس، ص 818.
3. دلائل الصدوق، ج 1، ص 137 .
4. یجدر الأنتباه إلى أنّ نفس هذا المفهوم بخصوص بُطلان الحلول والإتحاد قد ورد فی شرح تجرید العقائد للعلاّمة الحلّی باستدلال مفصَّل. (کشف المراد، ص227، باب أنّه تعالى لیس بحالّ فی غیره ونفی الإتّحاد عنه ) .

 

تمهید6 ـ تبریرات المخالفین
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma