قال العلاّمة الحلّی(رحمه الله) فی کتاب نهج الحق : «إنّ إتحاد الله مع غیره بحیث یصیران شیئاً واحداً باطل، بل وبطلانه یُعَدُّ من البدیهیات، ، ثم أضاف قائل : رفض جماعة من متصوفة أهل السُّنة هذه الحقیقة وقالوا: إنّ الله یتحد مع بدن العرفاء ویصیرا شیئاً واحداً !! وحتى قال بعضهم : الله عین الموجودات وکل موجود هو الله، إشارة إلى مسألة وحدة الوجود المصداقیّة، ثم قال: هذا عین الکفر والإلحاد ، والحمد لله الذی أبعدنا عن أصحاب هذه العقائد الباطلة ببرکة الإلتزام بمذهب أئمة أهل البیت(علیهم السلام) .
وقال فی بحث الحلول :من المسائل المسلَّم بها أنّ أیّ موجود یرید أن یحلّ فی آخر یحتاج إلى مکان، ولأنّ الله واجب الوجود ولا یحتاج إلى شیء ، إذن فحلوله فی الأشیاء مُحال.
ثم أضاف قائل :«رفض متصوفة أهل السُّنَة هذه المسألة واعتقدوا بإمکانیة حلول الله فی بدن العرفاء» ، ثمَّ ذمَّ هذه الجماعة بشدة وقال: ولقد شاهدتُ جماعة من الصوفیة فی حضرة الإمام الحسین(علیه السلام) وقد صلّوا صلاة المغرب سوى شخص واحد منهم کان جالساً لم یُصلِّ ، ثم صلّوا بعد ساعة صلاة العشاء سوى ذلک الشخص الذی ظلّ جالساً!.
فسألتُ بعضهم عن ترک صلاة ذلک الشخص فقال : ما حاجة هذا إلى الصلاة وقد وصل! أَفهل یجوز أن یجْعلَ بینه وبین الله تعالى حاجباً؟ فقلتُ : لا، فقال: الصلاة حاجب بین العبد وربّه!» (1) .
وقد ورد نفس هذا المفهوم فی مقدمة الدفتر الخامس لکتاب المثنوی بنحو آخر، یقول: «یصح ذلک إذا بلغت المقصود ، لذا فقد قالوا: لوظهرت الحقائق بطلت الشرائع!، وشبّه الشریعة بعلم الکیمیاء (العلم الذی یمکن بواسطته استخلاص الذهب من النحاس) فقال: ماحاجة الذهب الأصیل ، أو الذهب المستخلَص إلى علم الکیمیاء !؟ فکما قالوا: طلب الدلیل بعد الوصول إلى المدلول قبیح!» ( 2) .
وقد نُقلَ عن (صاحب المواقف) فی کتاب (دلائل الصدق) فی شرح (نهج الحق) قوله بأنّ نفی (الحلول) و(الإتحاد) ثلاث طوائف، واعتبر بعضَ المتصوّفة من الجماعة الثانیة وقال: إنّ کلامهم متذبذب بین الحلول والإتحاد (یُقصد بالحلول نفوذ الله فی الأشیاء ویُقصد بالإتحاد الوحدة بینه وبین الأشیاء) .
ثم أضاف قائل : رأیتُ بعض (المتصوّفة الوجودیین) یُنکرون الحلول والإتحاد ، ویقولون : توحی هاتان الکلمتان بمغایرة الله للمخلوقین ، ونحن لا نؤمن بذلک ! فنحن نقول : (لیس فی دار الوجود غیره دیّار) !!
وهنا یقول صاحب المواقف : إنّ هذا العذر أقبح من الذنب(3) .
وبالطبع فإنّ للمتصوفة الکثیر من قبیل هذا الکلام الذی لا یتناسب مع الموازین ومنطق العقل ، ولا مع منطق الشرع .
وعلى أیّة حال فإنّ الأتحاد الحقیقی بین شیئین محالٌ ، کما ورد فی کلام المرحوم العلاّمة ، لأنّ هذا الکلام عین التّضاد، فکیف یُمکن لشیئین أن یصیرا شیئاً واحد ، إضافةً إلى ذلک فلو اعتقد أحدٌ باتحاد الله مع جمیع المخلوقات أو خواص العرفاء والواصلین ، لاستلزم أن یتصف بصفات الممکنات کالزمان ، والمکان ، والتغیُّر ، وما شاکل ذلک .
وأمّا بخصوص (الحلول) ، أی نفوذ الله فی الأشیاء ، فیستلزم خضوعه للمکان، وهذا شیءٌ لا یتناسب أبداً مع وجوب وجود الله سبحانه وتعالى (4) .
والخلاصة أنّ الصوفیین یعتقدون بعدم إمکانیة إثبات مثل هذه الإدّعاءات بالأدلة العقلیّة ، وغالباً ما یفصلون طریقهم عن طریق العقل ، ویستعینون بسلسلة من المسائل الذوقیّة الخیالیّة التی یسمّونها(طریق القلب) ، ومن المسلم به أنّه لایُمکن التوقُّع ممن یرفض منطق العقل سوى هذا الکلام المتناقض .
ولذلک فقد ابتعد عنهم کبار العلماء وطردوهم دائماً وفی جمیع العصور .
فالقرآن الکریم یستند فی الکثیر من آیاته إلى العقل والبرهان ویعدّهما طریقاً لمعرفة الله .
وبهذا الکلام ، وبالبحوث التی أوردناها بصدد (نفی الشریک والشبه) ، و(نفی الصفات الزائدة عن الذات الإلهیّة المقدّسة) ، نصل إلى نهایة بحث (صفات جلال الله ) بصورة کلیّة وأساسیّة ، وقد اتضحت لنا جزئیاته فی ظل الأصول التی ذُکرت ، بصورة جیدة .
ولنبحث الآن صفات الفعل الإلهی بعونه تعالى .