جمع الآیات وتفسیرها

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن ( الجزء الرابع)
44 ـ الحسیب 45ـ سریع الحساب 46ـ أسرع الحاسبین 47ـ سریع العقاب 48 شدیدُ العقاب39 ـ الشکور 40 ـ الشاکر 41 ـ الشفیع 42 ـ الوکیل 43 ـ الکافی

إنّ کلمتی ( شاکر ) و( شکور ) مشتقتان من مادّة ( شُکر ) وهی تعنی ـ کما جاءَ فی ( فروق اللغة ) ـ الإعتراف بالنعمة من باب تعظیم المنعم ، وقال صاحب ( مصباح اللغة ) : الشکر هو الإعتراف بالنعمة واداء الطاعة وترک المعصیة ، لهذا فقد یحصل أحیاناً باللسان وأحیاناً اُخرى بالعمل . وقال الراغب فی مفرداته : إنَّ معناه الأصلی هو « تصوّر النعمة وإظهاره » ، ویقابله ( الکفر ) و ( الکفران ) : وهو نسیان النعمة وسَترُه ، ویُطلق تعبیر ( الشکور ) على الحیوان الذی یُطهِرُ آثار عنایة واهتمام صاحبه من خلال السمنة ، ثم قسّم الشکر إلى ثلاثة أقسام : الشکر القلبی ، الشکر اللسانی ، والشکر العملی .

ولهذه الکلمة عدّة معان فی حالة استعمالها فی ما یخص الباری تعالى ، منه :

إنّه یتقبّل القلیل من الطاعة ویعطی الکثیر من الثواب ، أو الذی یُعطی جزیل النعم ویرضى بما قلَ من الشّکْر . وهو فی الحقیقة یعنی المجازاة والمکافأة على العمل ،ولکن لیس بمقدار العمل بل بمقدار لطف الخالق تعالى .

واعتقد البعضُ کالمرحوم الکفعمی فی « المصباح » والمرحوم الصدوق فی « التوحید » بأنّ کلمة ( الشُّکر ) عندما تُستعمل بخصوص الباری تعالى تکون ذات صفة مجازیّة .

ولکن لو قلنا بأنّ معناها اللغوی هو ما ورد فی کتاب ( العین ) أی ( معرفة الإحسان ) ، لصدق استعمالها الحقیقی بالنسبة إلى الباری تعالى .

إنّ الوحی الإلهی الذی بین لنا هذه الصفة الإلهیّة یدعونا من جهة إلى معرفة الحق تعالى الذی هو من العظمة بحیث یکافىء بالثواب الجزیل على أقل الأعمال الحسنة، فیتشکر بهذه الطریقة من عباده، ومعرفة هذه الحقیقة من قبل العباد یُعد حافزاً مهماً باتجاه عمل البر و الخیر، ومن جهة أُخرى تعلمنا کیفیة رد جمیل وإحسان الآخرین، وأن لا یقتصر الرد على مقابلة ما قدّمه الآخرون لنا بالمثل، بل یتعدى رد الجمیل إلى مضاعفة الاحسان والبر.

وقد ورد فی الدعاء المأثور عن الإمام الصادق (علیه السلام) : « یا مَنْ یشکُرُ الیسیَر ویعفو عَنِ الکثیرِ وهُوَ الغفورُ الرحیم ، إغفرْ لیَ الذنوبَ التی ذهبتْ لذّتُها وبقیتْ تَبعتُه » (1) .

کما ورد عنه (علیه السلام) أنّه کُتبَ فی التوراة : « اشکرْ على مَنْ أنعَمَ علیک ، وأَنْعِمْ على مَنْ شَکَرَکْ » (2).

اشتقت کلمة ( شفیع ) من مادّة ( شفع ) على وزن نفع ـ التی هی فی الأصل تعنی ضم شیء إلى آخر للحصول على نتیجة مطلوبة ، وفی مقابلها ( وَتر ) . ویقال للشاة التی یرافقها ولیدها فی التنقُّل : ( شافع ) ، ویُستعمل مصطلح حق الشفعة بخصوص شریکین باع أحدهما حصته لرجُل ثالث ، لکن شریکه یرید شراء الحصّة التی باعها للشخص الثالث بنفس المبلغ ، لیضم حصّة شریکه إلى حصته بهذه الطریقة .

ویُطلق على العین الحولاء ( شافعة ) أیض ، لأنّها ترى الواحد إثنین ، وقد وردت هذه الکلمة بمعنى المعین والمساعد أیض (3) .

واستُعملت کلمة ( الشفاعة ) فی مورد « طلب العفو عن ذنب شخص من قبل فرد ذی شخصیّة مرموقة » ، وکأنّ الشخص المحترم ـ صاحب المقام ـ یقف إلى جوار المذنب لیتلطف صاحب الحق على المذنب ویرقّ له .

والشفاعة فی القرآن ذات بحوث واسعة ، وسنبحثها بصورة مفصّلة فی سلسلة مباحث التفسیر الموضوعی إن شاء الله (4) ، وما نبحثه هنا هو انتخاب هذه الصفة کواحدة من الصفات الإلهیّة .

وعلى أیّة حال فإنّ إطلاق کلمة ( شفیع ) على الله سبحانه ، وخاصة فی یوم القیامة ، یشتقّ من سلطته المطلقة ، وعدم قدرة أی أحد على فعل شیء دون إذنه سبحانه ، وحتى شفاعة الشفعاء کالأنبیاء والأئمة والملائکة والمؤمنین المخلصین فانّها لا تُقبَل إلاّ بإذنه : ( مَن ذَا الَّذِى یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ). (البقرة / 255)

ولهذا السبب خاطب سبحانه رسوله الکریم فی الآیة : ( قُل للهِِ الشَّفَاعَةُ جَمِیع لَّهُ مُلکُ السَّماوَاتِ وَالأَرضِ ) . (الزمر / 44)

ولأنّه سبحانه یُعطی إذن الشفاعة ، فالشفیع الواقعی هو تعالى ، وکأنهّ سبحانه یشفع عند ذاته المقدّسة لعبادِهِ المذنبین ، وهذه أسمى مراتب العظمة .

وقال جماعة أیض : إنّ سبب إطلاق اسم شفع او ( شفیع ) على الله سبحانه هو حضوره مع عباده فی کل مکان ، حیث قال: ( مَا یَکُونُ مِن نَّجوَى ثَلاَثَة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُم ) (5) .(المجادلة / 7)

لکننا نستبعد هذا المعنى لأنّ کلمة الشفیع تُعطی فی مفهومها نوعاً من المساعدة والحمایة والتکامل والتربیة .

وتجدر الإشارة إلى وجود نوعین من الشفاعة : «تکوینیّة وتشریعیّة» ، فالشفاعة التشریعیّة هی ما عُرف من شفاعة شخص وجیه عند صاحب حقٍّ لتخلیص مذنب من عقوبة معیّنة ، وأمّا الشفاعة التکوینیّة فهی ربوبیّة الله على الموجودات وسوقهم نحو التکامل وفق قوانین الخلق والتکوین .

وما توحی لنا هذه الصفة من بلاغ تربوی : هو الإنتباه إلى هذه الحقیقة ، وهی عدم جواز القنوط من لطف الله وعفوهِ ورحمته ، لأنّه یشفع عند ذاته المقدّسة لعباده أیض ، ویأمر الأنبیاء والملائکة والأئمّة أیضاً لیشفعوا لمذنبی الأمم ( طبعاً فی المحل اللائق للشفاعة ) .

ومن المعلوم أنّ الإنتباه إلى هذه المسألة له أثر عمیق فی المنع من تکرار الذنب لکی یبقى الأمل فی الشفاعة ، وتبقى قابلیته لنیلها محفوظة . هذا من جهة ، ومن جهة اُخرى أنّها تعلّم العباد لیتأسّوا بذلک أیضاً ویشفعوا للنادمین والمحرومین والضعفاء .

وقد ورد فی الحدیث الشریف « إشفعوا تؤجرو » (6) .

أمّا کلمة ( وکیل ) فهی مشتقّة من مادّة ( وَکْل ) ـ على وزن وصل ـ وهی فی الأصل تعنی الإعتماد على الآخرین ، ولکون لازمَ هذا المعنى الضعف والعجز فی بعض الجوانب فقد أُطلقت کلمة ( وکل ) على الضعفاء والعاجزین ، ویُطْلق (وکال) على الدواب التی تسیر دائماً فی مؤخّرة القافلة أوالقطیع ، وکأنّها تعتمد فی المسیر على غیره (7) .

وطبقاً لذلک فإنّ «وکیل» من یعتمد علیه ، ویلتجأ إلیه الإنسان فی حل مشاکله .

وعلیه عندما تستعمل هذه الکلمة بخصوص الباری تعالى ـ کما قال المرحوم الصدوق فی کتاب التوحید: «فإنّها تعنی حافظنا وحامینا ومعتمدنا وملجأن ، نحن وجمیع موجودات عالم الوجود» (8) .

قال المرحوم الکفعمی فی المصباح : «بأنّها تعنی من وُکِلَتْ إلیه جمیع أمورنا» (9) . وما قاله البعض فی تفسیرها بتکفُّل الرزق هو فی الواقع تبیان مصداق واحد ، وإلاّ فهی لیست محدودة بالرزق فقط .

یقول الزبیدی فی تاج العروس فی شرح القاموس : ( التوکُّل ) هو إظهار العجز والإتّکاء على الغیر ، هذا من حیث اللغة ، وأمّا عند أصحاب الحقیقة ، فهو الأعتماد على ما عند الله والیأس ممّا فی أیدی النّاس ، « المتوکّل على الله » یُطلق على من یعتقد بأنّ الله یکفیه رزقه وجمیع أموره ، یتکّل على الله وحده لا على غیره (10) .

یُستنتج من الآیات القرآنیة بوضوح أن توکّل المؤمنین على الله وحده من شؤون التوحید ، لأنّ کلّ شیء وکلَّ أمر یرجع إلیه ، کما ورد فی قوله تعالى: ( وَإِلَیهِ یُرجَعُ الأَمرُ کُلُّهُ فَاعْبُدهُ وَتَوَکَّلْ عَلَیهِ ). (هود / 123)

وکذا فی قوله تعالى: ( وَعَلَى اللهِ فَلْیَتَوَکَّلِ المُتَوَکِّلُونَ ) . (إبراهیم / 12)

لِمَ لا نتوکّل علیه ونعتمد علیه فی جمیع أمورنا وهو العزیز الرحیم ! ؟ قال تعالى : ( وَتَوَکَّل عَلَى الْعَزِیزِ الرَّحِیمِ ) . (الشعراء / 217)

إنّ البلاغ الذی تعطینا إیّاه هذه الصفة الإلهیّة هو أنّها توصینا بعدم الضیاع فی عالم المادیّات وعدم الإنخداع بالقدرات المادیّة الظاهریّة ، وعدم الاعتماد والإتّکال على المخلوقات الضعیفة العاجزة ، بل التوکُّل فقط على الذات الإلهیّة المقدّسة ، والإستعانة به سبحانه فقط والوثوق به والخضوع لحضرته جلّ وعلا فقط .

ومن جهة اُخرى علینا أن نسعى ونبذل ما فی وسْعنا لنکون عوناً للآخرین من باب التخلّق بأخلاق الله ، ونحاول حل مشاکلهم تقرّباً إلى الله تعالى .

وقد ورد فی حدیث عن الإمام علی (علیه السلام) أنّه قال : « التوکُّل على الله نجاة من کُلّ سوء وحرزٌ من کُلّ عدو » (11) .

أمّا کلمة (کافی) فهی مأخوذة من مادّة (کفایة) طبقاً لما جاء فی مقاییس اللغة ولسان العرب ـ وهی تعنی الإقدام على عمل معیّن والتمکُّن منه ، ولکن الراغب یقول فی مفرداته : ( الکفایة ) هی رفع حاجة والوصول إلى المقصود ، و ( کُفیة ) ـ على وزن کنیة ـ تعنی الغذاء الکافی ، و ( کفیّ ) ـ على وزن (خفیّ ) ـ تعنی المطرالذی یحلُّ مشکلة الجفاف (12) .

وعندما تُستعمل هذه الکلمة بخصوص الله سبحانه فإنّها تعنی المدیر لأمور عباده وحلاّل مشاکلهم والمبلّغ ـ من یتوکّل علیه ـ مناه دون أن یکله إلى غیره .

وقد مرّ علینا فی الدعاء :( یا کافى المهمّات ) أو مثله ( یَا کَافِى مِن کُلِّ شَىء ) .

إنّ مفهوم هذه الصفة الإلهیّة ذو جانبین ، فمن جهة یزیل سُحُب الیأس والقنوط المظلمة عن سماء روح الإنسان ، ویمنع من استسلام ورکوع الإنسان لعظمة حجم المشاکل ، لأنّه ( أیّ الإنسان المؤمن ) یعلم أنّ معبوده یُدعى بالکافی ویکفیه ما یهمّه من أموره ومشکلاته ، قال تعالى : ( أَلَیسَ اللهُ بِکَاف عَبدَهُ ! ؟ ). (الزمر / 36)

ومن جهة اُخرى ، ومن باب التخلُّق بأخلاق الله ،یلهمه الجدّ والاجتهاد فی کفایة الضعفاء والمحرومین أمورهم مهما أمکنه ، ویعکس شعاعاً من أنوار الصفات الإلهیّة فی نفسه فی هذا المجال .


1. اصول الکافی، ج 2 ، ص 589، باب الدعوات الموجزات ، ح 28 .
2. سفینة البحار، ج 1 ، ص 711 ، مادة (شکر) ; وأصول الکافی ج 2 ، ص 94 ، باب الشکر ، ح 3 .
3. مصباح اللغة ، مقاییس اللغة ، لسان العرب ، نهایة ابن الأثیر ، التحقیق فی کلمات القرآن الکریم ، وکتاب العین .
4. هنالک بحث مفصّل حول هذه المسألة فی التفسیر الأمثل ، ذیل الآیة 48 من سورة البقرة .
5. مصباح الکفعمی، ص 344 ، قاموس اللغة مادّة (شفع ) .
6. تفسیر مجمع البیان، ج 3 ، ص 84 ، ذیل الآیة 85 من سورة النساء .
7. مقاییس اللغة ; مفردات الراغب ; ولسان العرب .
8. توحید الصدوق، ص 215 .
9. مصباح الکفعمی، ص 326 .
10. تاج العروس، مادّة ( وکل ) .
11. بحار الأنوار، ج 75 ، ص 79 ، باب ما جُمع من جوامع الکلم، ح 56 ، .
12. تاج العروس فی شرح القاموس، مادّة (کفیّ) .

 

44 ـ الحسیب 45ـ سریع الحساب 46ـ أسرع الحاسبین 47ـ سریع العقاب 48 شدیدُ العقاب39 ـ الشکور 40 ـ الشاکر 41 ـ الشفیع 42 ـ الوکیل 43 ـ الکافی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma