4ـ الرجوع إلى أدلّة العدل الإلهی

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن ( الجزء الرابع)
5ـ العدل فی الروایات الإسلامیّة3ـ ملاحظتان مهمتان

بعد اتضاح مسألة الحسن والقبح، نعود إلى أصل الکلام، أی: الأدلة العقلیّة على العدل الإلهی، ویوجد هنا دلیلان مهمّان یُمکن إرجاع الأدلّة الاُخرى إلیهما.

الدلیل الأول: ومصدره نفس نظریة الحسن والقبح تلک، فالظلم قبیح، والله الحکیم لا یفعل القبیح أبداً، والظالم یستحق التوبیخ والملامة، ومُسَلَّمٌ أنّ وجوداً کاملا لا یفعل شیئاً من هذا القبیل لیستحق اللوم والتوبیخ.

والعدل عکس ذلک، فهو دلیل کمال الوجود وحکمته، والوجود الکامل من کل ناحیة، والمنزّه عن کل عیب ونقص لن یتخلى عن مثل هذا الشیء.

وهذا الدلیل بقدر من الوضوح بحیث لا یحتاج إلى شرح وتفصیل أکثر، فهل یحتمل أحدٌ أن یلقی الله جمیع الأنبیاء والأبرار والصالحین فی نار جهنم، ویرسل جمیع أشقیاء وظالمی العالم إلى الجنّة؟!

أفَسَقِمَ الأفراد حتى أنکروا کل حقیقة، أم اضطرّ الذین وقعوا فی حصار مسائل اُخرى (کمسألة الجبر والتفویض)، إلى إنکار مثل هذه الأمور؟

الدلیل الثانی: یُمکن تلخیص منابع الظلم فی عدّة أمور من خلال تحلیل واضح:

وینشأ الظلم أحیاناً من (احتیاج الإنسان)، وعوضاً من أن یصل الظالم إلى مقصوده ویسدّ حاجته ببذل الجهود والمساعی الصحیحة، یسعى لتأمین حوائجه عن طریق غصب حقوق الآخرین.

وأحیاناً ینشأ من (الجهل) وعدم الإطّلاع، فالظلم لا یعلم الحق ولا یدرى ماذا یصنع وأی ذنب یرتکب!

وأحیاناً ینشأ الظلم من (عبادة الهوى) و(الأنانیة)، لأنّ الظالم یعجز عن الوصول إلى مقصوده، ولا یستطیع أن یضبط نفسه أمام فقدان الشیء فیلتجىء إلى الظلم.

وأحیاناً ینشأ الظلم من (دافع الإنتقام) و(الحقد)، فینتقم الإنسان أضعاف ما لاقاه من الظلم.

وقد یکون الظلم صادراً من الضعف والعجز، فحین یعجز الظالم من تحقیق أهدافه ولا یتمکن من السیطرة على نفسه، یلتجىء إلى ظلم الآخرین.

وأحیاناً قد ینبع الظلم من (الحَسد)، فالحسود الذی یُعانی من نواقص معینة، ولا یستطیع أن یشاهد غیره منعّماً ومرفّهاً فینازعه لیسلب منه النعمة بالظلم والجور، وما شاکل هذه العوامل والدوافع التی تحکی جمیعها عن وجود نوع من النقصان والإنحطاط.

اذن، فکیف یُمکن فی هذه الحالة أن یصدر الظلم والجور من الوجود الذی هو عین الکمال المطلق، فی حین أنّه منزّةٌ عن الحاجة والجهل والضعف والأنانیة والغرور والحقد والانتقام، ولا یوجد من هُو أکمل منه لیحسده، ولا یستطیع أحد أن یسلب منه الکمال لکی یدفعه ذلک إلى الإنتقام؟

فهل یصدر شیء من مثل هذا الرب سوى الخیر والعدل والرأفة والرحمة؟

وإن یعاقب الظالمین فبما کسبت أیدیهم، فما هو بحاجة إلى معاقبتهم، ولا ذنب المذنبین یمس ساحة کبریائه.

والظریف هو أنّ القرآن الکریم قد استعان بالوجدان البشری العام حول هذا الموضوع، وطلب منهم أن یحکموا بأنفسهم فی هذه المسألة، خلاف ما یعتقده الأشاعرة من کون الحسن والقبح ذا أبعاد شرعیّة فقط لا وجدانیة.

یقول تعالى: (أَفَنَجْعَلُ المُسلِمِینَ کَالُمجرِمِینَ * مَالَکُم کَیفَ تَحکُمُونَ). (القلم / 35 ـ 36)

لاحظوا أنّ القرآن الکریم قد بین هذا الکلام بعد ذکره عظیم ثواب المتقین، ممّا یدل بوضوح على اعتراف القرآن الکامل بمسألة تحکیم العقل فی موضوع العدل والظلم، حیث شجب الظلم واستحسن العدل، بحکم العقل.

 

5ـ العدل فی الروایات الإسلامیّة3ـ ملاحظتان مهمتان
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma