6ـ أدلّة منکری العدل الإلهی

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن ( الجزء الرابع)
لنتطرّق الآن إلى نقد وتحلیل هذه الإشکالات5ـ العدل فی الروایات الإسلامیّة

قُلنا فیما مضى: إنّ منکری مسألة العدل الالهی قد تعرّضوا لضغوط مسائل اُخرى جرّتهم إلى سلوک هذا الطریق، وهی إجمالا ما یلی:

1 ـ إنکار المستقلاّت العقلیّة ـ إنّهم یقولون: إنّ العقل لا یمیزبین الحسن والقبیح، بدون حکم الشرع، فالحسن والقبح، الصالح والطالح، الواجب وغیر الواجب جمیعها تُؤخَذُ من الشرع وتصلنا عن طریق الوحی، حتى الحکم بحسن العدالة وقبح الظلم، فلا شیء یُدرَکُ عن طریق العقل!

2 ـ الوجود بأکمله ملک لله ـ وهو حاکم وولی وصاحب کل شیء، وبإمکانه أن یفعل فی ملکه ما یشاء، ولا یحق لأحد أن یسأله حول ذلک، وفعله عین العدالة حتى وإن عاقب المحسنین أو أثاب المسیئین.

یقول الشهرستانی فی (الملل والنحل): کان ابوالحسن الأشعری یعتقد ویقول: (إنّ الله غیر ملزم بفعل شیء معین یفرضه العقل، لا الصالح ولا الأصلح ولا اللطف.. ثم أضاف: إنّ الله غیر ملزم بأصل التکلیف لأنّه لا ینفعه ولا یدفع عنه ضرراً، فهو بامکانه أن یُجازی عباده إمّا الثواب وإمّا العقاب، وبإمکانه أن یشملهم بعفوه، وبأنواع الثواب والنعم من دون أی سبب، فلطفه تمام الفضل وعقابه وعذابه تمام العقل، لا یُسئل عمّا یفعل وهم یُسئلون)(1).

3 ـ إنّهم یقولون: لا یُمکن وضع معیار ومقیاس معین لأفعال الله، وبتعبیر آخر، لا تعنی عدالة الله التزامه بقوانین تدعى: (قوانین العدل)، بل تعنی: أنّه تعالى عین العدل وما یفعله عین العدالة، فالعدل لیس بمقیاس لتشخیص فعل الله، بل إنّ فعل الله میزان ومقیاس للعدل:

فلو أدخل جمیع جُناة العالم الجنّة فهو عین العدالة، وکذا لو ألقى جمیع المحسنین، والطاهرین، والأئمّة، والأنبیاء المعصومین فی النار فهو عین العدالة أیضاً!

4 ـ یعتقد الأشاعرة بأنّ الإنسان غیر مخیّر أبداً فی أعماله، وکل ما یفعله فإنّما هو بارادة الله!

وعندما واجهوا هذا السؤال وهو: کیف یُمکن أن یُصدّق العقل بأنّ الله یجبرنا على المعصیة ثم یؤاخذنا علیها؟ حیث إنّ هذا أمرٌ یُنافی عدالته تعالى.

ومن أجل الرد على هذا الإشکال أنکروا مسألة العدل والظلم وقالوا: (کل ما یفعل فهو عین العدل، ولا یحق لأحد أن یسأله عمّا یفعل).

5 ـ یُمکن أن یکون اتجاه بعضهم إلى نظریة نفی العدالة ناتجاً عن وقوفهم حائرین أمامَ هذا السؤال الذی یرتبط بالمسائل المتعلقة بالمعاد، والعذاب، ومجازاة الکافرین، وهو: کیف یُمکن أن یخلد فی نار الغضب الإلهی مَنْ أذنب وکفر وأشرک بربّه خمسین سنةً مثلا؟ وکیف یتماشى هذا مع أصل العدل؟!

ولأنّه لم یکُن لدیهم جواب على هذا السؤال فقد أنکروا أصل مسألة العدل.

6 ـ إنّ شک البعض الآخر منهم فی هذه المسألة ناشىءٌ من مشاهدتهم بعض النقائص الظاهریة، من قبیل الآفات، والبلایا، والعواصف والزلازل، وحوادث اُخرى من هذا القبیل، وکذا الأمراض، الاحباطات، وحالات الفشل فی حیاة البشر، ولأنّهم باتوا عاجزین عن تفسیر هذه الأمور الفلسفیّة، فقد سلکوا طریق إنکار العدالة.

کانت هذه مجموعة من الأمور التی تشکّل دوافع وأُسسَ مذهب منکری العدل فی الماضی والحاضر.


1. الملل والنحل، ص 102.

 

لنتطرّق الآن إلى نقد وتحلیل هذه الإشکالات5ـ العدل فی الروایات الإسلامیّة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma